في اليوم العالمي للمرأة.. نساء الصومال يلهمن العالم بقصص نجاح عظيمة
الصومال الجديد
آخر تحديث: 8/03/2023
القاهرة: صفاء عزب
في اليوم العالمي للمرأة والذي يوافق الثامن من مارس تحتفل دول العالم بهذا الكائن الرقيق شريكة حياة الرجال وأمهم وأختهم وابنتهم وزميلتهم في العمل، تقديرا لدورها العظيم الذي تلعبه في الحياة وتصنع من خلاله العظماء الذين خلدهم التاريخ وحققوا المجد لبني البشر، إنهم جميعا جاءوا من أرحام النساء. وإلى جانب هذا الدور الأبدي للمرأة، ساهمت بنات حواء في صنع الأمجاد وتحقيق المعجزات فكن ولا زلن شريكات لأبناء آدم في خدمة البشرية بالعديد من الإنجازات عبر العصور، ومنذ فجر التاريخ.
وفي الوقت الذي تعاني فيه المرأة الصومالية من قسوة الظروف وصعوبة الحياة لدرجة مواجهة خطر الموت، إلا أنها أثبتت جدارتها للعالم كله بما حققته من إنجازات كبيرة حينما خرجت وأتيحت لها الفرصة وتهيأت الظروف المناسبة في مختلف أنحاء دول العالم، فكشفت عن قدراتها الجبارة واستعدادها الكبير للعمل الدؤوب والنجاح بتفوق والتغلب على المنافسة الشرسة مع غيرها من نساء بل ورجال الدول المتقدمة، حتى استطاعت أن تجعل من اسم المرأة الصومالية علامة مميزة على الكفاح والنجاح بجدارة واقتدار.
إذا كانت الأسطورة الصومالية القديمة تحكي عن الملكة الصومالية القوية أراويلو وما استطاعت تحقيقه من أعمال كبيرة خلال قيادتها لعرش بلادها، فإن المرأة الصومالية المعاصرة أثبتت أن قوتها وجدارتها على صنع المعجزات ليس مجرد أسطورة نحكيها لأطفالنا للمتعة والتسلية، وإنما أصبح الأمر حقيقة يقينية تؤكدها شواهد وحالات إنسانية ملهمة على أرض الواقع. هناك أسماء لا حصر لها من النساء الصوماليات اللائي أصبحن حديث العالم بما حققنه من نجاحات في شتى المجالات داخل وخارج الصومال.
على الصعيد الدولي أصبح هناك العديد من الصوماليات الشهيرات المتألقات في مجال من المجالات التي ينافسن فيها الرجال بل وينافسن أبناء دول المهجر أنفسهم، التي هاجرن إليها. ففي معقل الديمقراطية الغربية، نجح مؤخرا عدد كبير من الشابات الصوماليات في خوض انتخابات الكونجرس الأمريكية، وكان نجاحهن مثار اهتمام العالم لما يحمله من تأكيدات حول جدارة المرأة الصومالية أينما كانت وفي أي مجال حتى لو كان المجال السياسي الذي يعتبره البعض حكرا على الرجال. لقد شهد شهر نوفمبر من العام الماضي تحقيق النساء الصوماليات لفوز كبير في انتخابات التجديد النصفي في أميركا، وأظهرت النتائج أن 8 نساء أميركيات من أصلٍ صومالي، استطعن الوصول إلى الانتخابات النصفية، في فوزٍ بارزٍ ومستحق. لقد خاضت الشابات الصوماليات غمار السياسة ونجحن بجدارة وتفوقن على منافسيهن من الأمريكيين في بلادهم، وعلى رأسهن إلهان عمر التي فازت بولاية ثالثة عن الدائرة الخامسة بولاية مينيسوتا، وكانت أول امرأة محجبة يتم انتخابها في الكونجرس الأمريكي. وقد شهدت الفترة الأخيرة نشاطا بارزا بشكل متزايد للصوماليين في الانتخابات الأمريكية وخاصة النساء، حيث احتفل صوماليو المهجر بوصول عدد كبير منهم، بمن فيهم النساء، إلى مناصب سياسية مهمة يمكن أن تنعكس إيجابيا على دعم بلادهن الصومال من خلال تواجدهن في هذه المواقع الحيوية. ومن بين 13 صوماليا ترشحوا فاز 8 منهم في المجالس التشريعية، وكانت إلهان عمر أشهرهم بجانب زينب محمد التي تعد أول امرأة صومالية – إفريقية تفوز بمقعد في مجلس الشيوخ بولاية مينيسوتا بعد حصولها على 86% من الأصوات، لتكون بذلك أصغر امرأة في المجلس التشريعي. وكذلك فازت منى عبدي بمقعد في مجلس نواب ولاية ماين بدون منافسة، بالإضافة إلى ديقة طَلَع التي تعد أول محافظ بلدية من أصل صومالي في الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن تنجح في الانتخابات وتصبح عضوة في الكونجرس الأمريكي. واستمرارا للنجاح الكبير للصوماليات بالولايات المتحدة الأمريكية، أصبحت حمدي محمد أول امرأة صومالية يتم انتخابها في ولاية واشنطن كعضو في لجنة ميناء سياتل لتسهم بهذا الإنجاز في كتابة اسم المرأة الصومالية بحروف من ذهب في سجلات النجاح والتألق.
كما صارت المرأة الصومالية تتصدر منصات التتويج في شتى المجالات أينما ذهبت، ومثلما نجحت في خوض غمار السياسة، فإنها نجحت بجدارة في خوض مجالات أكثر صعوبة مثل العسكرية، وعلى رأسهن إيمان إلمان التي تقلدت أعلى رتبة عسكرية لامرأة في الصومال وهي رتبة عقيد في قسم التخطيط والإستراتيجيات، لتكون المرأة الوحيدة بالقسم. وصارت تقود فرقة عسكرية من 90 رجلا. لقد كافحت كثيرا وتألقت في كندا قبل أن تقرر العودة لبلادها والانضمام إلى الجيش الصومالي وهي في عمر ال19 عاما وذلك بعد أن تخرجت في كلية الفنون العامة في جامعة أوتاوا بكندا. كما نبغت شقيقتها الكبرى إيلوود إلمان حتى تم تعيينها مستشارة للأمين العام للأمم المتحدة لصندوق بناء السلام التابع للمنظمة الدولية وهي تعمل ناشطة في مجال السلام وحقوق الإنسان في مركز إلمان للسلام في مقديشو الذي أسسه والدها قبل اغتياله عام 1996 وتتولى مسئولية إدارة البرامج والتنمية في المركز، وقد ترشحت لجائزة نوبل للسلام عام 2019.
ومن القارة الأمريكية إلى القارة الأوروبية كانت هناك نجمة صومالية أخرى تحلق في سماء المجد والشهرة العالمية وهي الملاكمة الرياضية رملا علي والتي اختارتها مجلة التايم الأمريكية هذا العام ضمن قائمتها لـ 12 امرأة مؤثرة والتي تُعرف بالقائمة السنوية المرموقة عالميا احتفالا بالمرأة في يومها العالمي. لقد سطّرت رملا علي اسمها في صفحات التاريخ مرة تلو أخرى؛ بتمثيلها وطنها الصومال في الأولمبياد، وكونها أول ملاكمة تنافس في المملكة العربية السعودية، إلى جانب انتصاراتها المستمرة داخل حلبات الملاكمة، مما دفع أصحاب العلامات التجارية العالمية مثل كريستيان ديور وكارتييه إلى اختيارها لتمثيلهم في الدعاية لمنتجاتهم. ولم تقف بطولة رملا علي عند حلبة الملاكمة إنما امتدت وحلقت بعيدا في عالم الإنسانية والأعمال الخيرية حيث أسست منظمة غير ربحية تُسمّىClub Sister أو نادي الأخوات في عام 2018 لتقديم دروس في الملاكمة للنساء اللاتي لا يمكنهن الوصول إلى هذه الرياضة بسهولة، مثل النساء من خلفيات عرقية مختلفة والمسلمات المحجبات. لم تكن رحلتها سهلة حيث تعرضت هي وعائلتها لخطر الموت أثناء الحرب الأهلية بالصومال والتي قتلت شقيقها ذا الإثنى عشر ربيعا فهاجرت إلى بريطانيا مع أسرتها حيث استمرت رحلة الكفاح والنجاح، وهو ما دفعها للاهتمام بقضايا اللاجئين بشكل خاص. وقد تم اختيارها لمنصب سفيرة اليونيسف في المملكة المتحدة لجهودها في تخفيف آلام اللاجئين ومعاناتهم.
ووصل نبوغ المرأة الصومالية إلى أقصى الكرة الأرضية حيث ذاع صيتها في السويد بإنجازاتها الكبيرة، فقد فازت الصومالية ليلى علي علمي بمقعد في البرلمان السويدي ما جعلها أول امرأة من شرق أفريقيا يتم انتخابها للبرلمان. وقبلها بعدة سنوات فازت السويدية من أصل صومالي بارني نور بلقب أكثر نساء أوروبا المسلمات تأثيرا وقوة رأي، وذلك في المسابقة التي جرت في العاصمة الاسبانية مدريد والتي شاركت فيها نساء رشحن من بلدان أوروبية مختلفة ومنها السويد. كما برزت نساء صوماليات أخريات في معترك العمل السياسي بالسويد منهن فائزة محمد ونستيحو محمد. وخاضت الصومالية الدكتورة سعدة مري السويدية الجنسية، غمار العمل في مجال له خصوصية مميزة وذلك في الأبحاث الأثرية حيث نجحت من خلال تخصصها النادر كصومالية بالسويد في وضع البلاد من جديد على خريطة البحوث الأثرية عبر اكتشافاتها غير المسبوقة.
ومن السويد إلى جارتها الاسكندنافية النرويج امتد نجاح المرأة الصومالية حيث تعد الصومالية أمل علي أول طبيبة أسنان تقدم خدماتها الطبية للمجتمع النرويجي وتكسر لدى أفراده حاجز الرهبة والقلق من ذوي الأصول الإفريقية. وكانت أمل قد فرت مع عائلتها من نيران الحرب الأهلية إلى اسكاندنافيا في عام 1991 ومارست عملها في مساعدة المرضى اللاجئين أو المنتمين إلى عائلات لاجئة مثلها، بعد أن أكملت تعليمها وأصبحت واحدة من بين عدد قليل من السويديين-الصوماليين الذين يمارسون عملهم كأطباء أسنان.
وفي هولندا حققت الصومالية المسلمة “أوجباد كيلينكي” مرشحة حزب العمال الهولندي “يسار وسط” فوزا كبيرا في مواجهة العنصرية والتمييز عندما نجحت في الحصول على مقعد في مجلس مدينة “إيمين”، شمال شرقي هولندا.
إلى جانب هذه المجالات التي نبغت فيها المرأة الصومالية وتركت بصماتها المميزة فيها بشتى بقاع الأرض، فقد نجحت كثيرا ولمعت في مجال التجارة وريادة الأعمال واستطاعت الصومالية آمنة موغي حرسي أن تحفر اسمها بحروف من نور في عالم الاستثمار العقاري في أوغندا حتى أطلقوا عليها لقب “أم سِمِنتي”، باعتبارها صاحبة إمبراطورية عقارية هناك.
حتى في ظل الظروف الصعبة التي تعانيها المرأة الصومالية خلال فترات الحروب والمجاعات والصراعات السياسية داخل بلادها إلا أنها لم تستسلم ولم تتخل عن إرادتها في تحقيق ذاتها وإثباتها وهو ما جعلها تدخل في تحديات قوية بشجاعة كبيرة. وهناك العديد من النماذج النسائية التي تصدرت المشهد داخل بلادها من خلال إنجازاتها، كان من بينهن فوزية حاج آدم التي تحدت أقوى السياسيين وقررت خوض غمار السياسة فعليا وتقدمت لانتخابات الرئاسة الصومالية. وفي نفس الوقت كانت أول امرأة صومالية يتم تعيينها وزيرة لخارجية بلادها. كما ضربت النائبة البرلمانية سعدية ياسين مثلا فريدا من نوعه حينما تصدت كمعارضة للرئيس السابق محمد فرماجو ودعت سكان العاصمة مقديشو إلى الثورة ضده عام 2021 رفضا للتمديد له واتهامها له بالفشل بكل جرأة. وقد حظيت ياسين بلقب اول سيدة صومالية تفوز بمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان، وذلك بعد حصولها على 137 صوتا مقابل 107 أصوات.
وقع الأمر أن الحديث لا ولن يتوقف عن صمود بنات الصومال ونجاحاتهن المتتابعة، ولا شك أن المرأة الصومالية أثبت جدارتها بما سطرته من قصص نجاح عظيمة ارتبطت برحلة كفاح صعبة تؤكد عزيمتها وقوتها وتؤكد جدارتها على إتاحة الفرص أمامها لتحقيق مزيد من الإنجازات في الداخل والخارج لرفع راية بلادها عالية خفاقة.