طبيب أسنان من حلب “يرسُم ابتسامة هوليوود” على وجه الصوماليين بعد فراره من سوريا

الصومال الجديد

آخر تحديث: 9/01/2017

[supsystic-social-sharing id="1"]

هرجيسا – في كل زيارة أقوم بها إلى أرض الصومال ذات الحكم الذاتي، ألاحظ أن هناك شيئا جديدا، لكن ‏هذه المرة وجدت المزيد من المراكز التجارية متعددة الطوابق والفنادق والفيلات الفاخرة في العاصمة ‏هرجيسا‎.‎

قبل عقدين من الزمن فقط، كانت هذه المدينة تُعرف باسم “دريذن أفريقيا، وذلك بعد أن سُحقت بالقصف ‏الجوي المستمر وفر منها سكانها وطلبوا اللجوء في الخارج‎.‎

أقيم مطعم سعودي للوجبات السريعة في المدينة، وظهرت لافتات إعلانية حمراء عن وجبات الدجاج ‏المقلي مع مجموعة متنوعة من الأطعمة الخفيفة غير الصحية، لكن الظاهرة الأبرز كانت قدوم أطباء ‏الأسنان السوريين‎.‎

في بلدة “بوراو” النائية حيث فقد البدو ماشيتهم بسبب جفاف مدمر، شاهدت لافتات تظهر صورا لكوارث ‏في علاج الأسنان من بينها أسنان شديدة الالتواء ومشوهة، وأفواه بها فجوات بسبب فقدان بعض الأسنان‎.‎

لكن المثير للدهشة أن هذه الصور تحولت لتظهر وجود ذات أسنان ناصعة البياض ترتسم عليها ‏الابتسامات مثل نجوم هوليوود، وكُتب فوق هذه الصور عبارة “طبيب أسنان سوري‎”‎‏.‏

شاهدتُ الأمر ذاته في هرجيسا، عاصمة أرض الصومال. لقد كان وقت الصلاة في المسجد القريب مني ‏بعد أن دخلت إلى مبنى كُتب عليه لافتة خدمات طبيب أسنان سوري‎.‎

كانت هناك فتاة صومالية تقف خلف طاولة مملؤة بفرش الأسنان وخيط تنظيف الأسنان وغيرها من ‏الأدوات التي لم أعرفها لكنها ترتبط بشكل واضح بصحة الفم. وطلبت مني هذه الفتاة الجلوس‎.‎

بعد انتهاء الصلاة، دعاني رجل سوري بابتسامة واسعة وكان يرتدي قميصا أخضر للجلوس معه في ‏غرفة الاجتماعات. كان هناك كرسي أبيض حديث للأسنان وعليه وسائد بلاستيكية زرقاء اللون. شاهدتُ ‏ملصقات على الحائط تُظهر تقاطعات الأسنان واللثة‎.‎

كانت هناك خزانة خشبية ذات واجهة زجاجية تحتوي على أدوات ثقب وملاقيط وغيرها من أدوات علاج ‏الأسنان المثيرة للقلق، وبجانب الحوض كان يوجد قالب لفم وأسنان أحد الأشخاص‎.‎

وجه الرجل حديثه إلي قائلا: “اسمي حسام، وأنا من (مدينة) حلب‎.”‎

وحينما سألته كيف انتهى به المطاف ليصل إلى أرض الصومال، فأوضح أنه لم يكن من المفيد الذهاب إلى ‏تركيا ولبنان وأوروبا بسبب المصاعب التي تواجه المهاجرين في العثور على عمل يناسب مهاراتهم‎.‎

وقال: “دخلت إلى الانترنت، وبحثت في غوغل عن أماكن لا يوجد فيها أطباء أسنان، وأول شيء ظهر ‏أمامي كانت مقديشو (عاصمة الصومال). ذهبت إلى هناك مع زوجتي وابني دون أن أعرف شخصا واحدا ‏لاكتشف فقط أنها مثل حلب. لكن كان هناك اختلاف واحد، لقد زادت مكاسبي ثلاثة أضعاف‎.”‎
وأضاف: “سمعنا أن هناك وضعا آمنا في هرجيسا وسوريين آخرين يعيشون هناك، ولذا جئنا إلى هنا. لدينا ‏هنا مجتمع صغير من الأطباء وأطباء الأسنان والمهندسين‎.”‎

طبيب سوري آخر

التقيت بطبيب أسنان آخر لكنه من العاصمة دمشق، كانت علامات الحزن ترتسم على وجهه الطويل‎.‎

وقال: “أتذكر تحذيرا لمسؤول بارز في الأمم المتحدة بأن سوريا ستصبح الصومال المقبلة. وقد أصبحت ‏الآن هنا من بين جميع الأسنان‎.”‎

نظر إلي هذا الطبيب وجها لوجه وسألني: “أنتِ بريطانية، أليس كذلك؟ شعبك لا يريدونا، لكن الصوماليين ‏يريدوننا‎.”‎

وهذا الأمر حقيقة، إذ أنني لم ألتق صوماليا واحدا يريد من السوريين أن يغادروا بلده. وأكد الصوماليون ‏الذين التقيتهم أن ذلك هو نفس شعورهم تجاه اليمنيين، وقالوا إنه خلال الحرب الأهلية في أرض الصومال ‏لجأ العديد منهم إلى اليمن عبر البحر، وبعضهم بنى حياة جديدة له في سوريا‎.‎

لكن الأوضاع انقلبت رأسا على عقب، وبدأ الناس ينتقلون في الاتجاه المعاكس‎.‎

وقال صديق صومالي بينما كنا نتحرك بالسيارة عبر طريق جديد رُصف حديثا يربط مدينة هرجيسا ‏بالساحل: “الحرب في سوريا واليمن أمر مؤسف‎.”‎

وأضاف: “لكن بطريقة ما كانت هذه الصراعات أمرا جيدا للصوماليين، إذ أنها دفعت إلينا بأشخاص لديهم ‏مهارات نفتقدها، فهذا الطريق السلس والمذهل على سبيل المثال شيده لاجئون سوريون‎.”‎

وتابع: “إذا أردت أن تستمتع بأفضل وجبة في البلدة، يجب عليك أن تتجه لمطعم يمني‎”‎‏.‏

من بين الأشياء الأخرى التي لاحظتها في أرض الصومال هي المطاعم اليمنية الجديدة‎.‎

لا يوجد أشياء تلفت الانتباه في هذه المطاعم، التي كان يوجد على مفارش موائدها آثار الشحوم وعلى ‏جدرانها آثار الأدخنة، لكن وجبة الفول في الطبق القديم المصنوع من الصفيح الذي تقدمه هذه المطاعم ‏كانت مذهلة‎.‎

يقول فايز وهو مواطن يمني يعمل في أحد المطاعم في أرض الصومال “كنا نسمي (بلدنا) اليمن السعيد، ‏لكن لا يوجد أي شيء يدعو للسعادة الآن في اليمن‎.”‎

أوضح عمال المطعم إنهم لم يجدوا أي مشكلة في إنشاء مشروع تجاري في أرض الصومال‎.‎

وقالوا: “يجب أن يكون لدينا شريك محلي، وكما هو الحال في أي مكان في العالم، فإن المال هو العنصر ‏الأهم. لكن مواطني أرض الصومال رحبوا بنا بالفعل، لقد عانوا الحرب ويريدون الآن أن يشاركوا ‏سلامهم معنا‎”‎‏.‏

‎”‎اشتقت إلى حلب‎”‎

امتلأت معدتي عن آخرها، لكن الفتى الصغير، الذي يخدم في المطعم، أصر على أن يقدم لي شيئا مميزا، ‏وهي الحلوى اليمنية الرائعة‎.‎

وبينما كنت أتناول الحلوى اللذيذة، خطر على ذهني حديث طبيب الأسنان السوري الذي ينحدر من مدينة ‏حلب‎.‎

لقد قال لي الطبيب السوري: “كنت أتمنى أن تتحدثين العربية، بدلا من التواصل من خلال صديقك ‏الصومالي اللطيف الذي يتحدث لغتي‎.”‎

وأضاف: “ولأن الشعور بما أقوله مفقود فإنني أريدك أن تشعري به. أريدك أن تعرفي أن حلب لم تفارق ‏ذهني وقلبي، حلب ستكون دائما وطني‎”.‎

المصدر: بي بي سي

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال