ضياع خلاوي القرآن الكريم فى الصومال
يوسف حسن محمود
آخر تحديث: 4/07/2018
على مدى التاريخ الإسلامي الطويل اشتهرت الصومال بخلاوي القرآن المنتشرة في الحضر والبدو؛ حيث كانت لهذه الخلاوي أهمية كبرى في نفوس الصوماليين في الفترة التي سبقت إنشاء المدارس النظامية الحالية فى عهد الاستعمار، ويرجع اهتمام المجتمع بحفظ القرآن الكريم كون الصوماليين مسلمين جميعاً على مر العصور، وقد يطلق الصوماليون على المدارس القرآنية اسم الدكسي، وهو اسم مشهور فى جميع ربوع الصومال؛ لأن أطفالنا قبل ذهابهم إلى المدرسة يذهبون إلى الخلوة لتحفيظ القرآن الكريم، وهذه ميزة خاصة خصها الله سبحانه وتعالى علينا؛ لأن حفظ القرآن الكريم انشراح للصدر حتى يستطيع الطفل حفظ كل شيء؛ لأن القرآن الكريم أثقل وأفضـل من كل مادة علمية.
ليس للدكسي أو الخلوة نظام قبول وتسجيل خاص يميزه عن القبول في المدارس النظامية، فنظامها يقبل فيه كل الأعمار، وأما اسم الطلاب فيطلق عليهم (كتاب) بضم الكاف، وبعد بلوغ الطفل الصومالي أربع أو خمس سـنوات من العمر يذهب به الوالد إلى الخلوة ليتعلم القرآن الكريم، لكن غالبية الأطفال في مثل هذه السـن لا يجيدون التلفظ ببعض الكلمات.
والوالد يقنع الطفل بأن يتعلم القرآن الكريم؛ لأنه يلتقي هناك الرحمة والرفق والحب في دين الله، ويوم دخول الخلوة يأتي ولي أمر الطالب – أبوه أو أمه – فيجلس أمام المعلم، ويقدم ابنه ويشفع تقديمه بكلمات تقليدية يخاطب بها المعلم ويقول علمه 114 سورة من القرآن الكريم، وعلمه أيضاً مكارم الأخلاق والآداب، ثم يوصي الوالد للمعلم ويقول له: لك اللحم ولي العظم! يعنى اضرب جسده ولحمه كما تشاء إن لم يحفظ القرآن، أو إن كذب، ولكن لا تكسر عظامه، ولا تسقط عينه، وبعد اكتمال الاتفاق بين المعلم وولي الأمر لإلحاق الطفل بالخلوة يقدم ولي الأمر لمعلم القرآن مبلغا من النقود يسمى حق الجلوس، ثم يدعو المعلم للطالب ويقول ربنا يعلمه ويحفظه القرآن الكريم، وبعد ذلك يعطى الطالب (لوحاً)، وهو عبارة عن قطعة مستطيلة من الخشب تصنع من أشجار خاصة الأشجار الكبيرة الموجودة في القرى والأرياف.
وبعد أيام يرى الطفل الصغير في الخلوة بخلاف ما سـمعه من والده؛ لأنه يشاهد معلماً غاضباً عنده عصا طويلة يضرب الطلاب واحداً تلو الآخر، وإذا غاب الطالب عن الخلوة دون سبب شرعي أو أخطأ في آية من القرآن الكريم يقول له المعلم: اجلس، وأعصب عينيك، ويأمر الطلاب بأن يضربوه جماعة يرفعون تلاوة سورة الشـمس، وهذه عادة للصوماليين منذ زمن بعيد وقريب فى القرى والمدن، وبعد ذلك يبقى الطـفل في الخلوة لن يذهب إلى البيت، ولن يأكل الطعام، ولا يسـتطيع الوالد أن يفعل منه شـيئاً؛ لأن الاتفاق بين الوالد والمعلم كان لك اللحم ولي العظم، ولذلك يشـعر الطفل الصغير بالخوف والحزن بسبب الضرب الذي يتعرض له والأطفال الآخرون.
والمشكلة هي أن بعض المعلمين والآباء يعتقدون أن الضرب يساعد الأطفال على التحلي بالأخلاق الحميدة والفاضلة، ولا عجب في ذلك؛ لأن الآباء الذين يضربون أبناءهم تعرضوا للضرب وهم صـغار، ولكن اليوم تغير العالم، وهناك مؤسـسات تربوية تنصح المربين بعدم تكرار الضرب للأطفال حتى لا يتعرض الطفل للاكتئاب، ولكن الضرب بطريقة صحيحة وفي الوقت المناسب كان نافعاً، أما الضرب بطريقة غير صحيحة، وفي وقت غير مناسب يضر ويفسد.
من أسباب ضياع خلاوي القرآن الكريم فى الصومال
1. عدم تخطيط الأماكن التي تبنى بها خلاوي القرآن الكريم، ونراها دائماً أماكن عشوائية وفي الطرق العامة.
2. ليس من ثقافة مجتمعنا وقف أماكن مخصصة لخلاوي القرآن الكريم، غالباً ما توجد أوقاف مخصصة للمساجد والمقابر فقط.
3. عدم وجود رغبة أو اهتمام للحكومات المتعاقبة، وخاصة وزارة الأوقاف فى البلد بشأن خلاوي القرآن الكريم حتى يتم ترميمها وتطويرها؛ ليستريح بها حفظة القرآن الكريم.
4. عدم تأسيس مظلة أو نقابة عامة يجتمع فيها خير من في الأمة، وهم معلمو القرآن الكريم لتعلو أصواتهم، وليحصلوا على حقوقهم الشرعية.
5. أكثر مباني الخلاوي القرآنية غير ملائمة للتدريس، إذا نظرت إلى جانب الضوء والمساحة، والهواء في الخلوة لا تتناسب مع مجموعة الطلاب الموجودين فيها.
وأخيرا أوجه ندائي إلى الشعب الصومالي المسلم 100% أن يرفع شأن الخلاوي القرآن الكريم على تاريخ تاريخه ومكانته في حفظ القرآن الكريم؛ لأن الصومال كما نعلم بلد المليون حافظ للقرآن الكريم بعد ما أصبحت الجزائربلد المليون شهيد، وموريتانيا بلد المليون شاعر.