صوماليلاند: قراءة في الانتخابات الرئاسية المقبلة
الصومال الجديد
آخر تحديث: 24/10/2017
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 10
• تمهيد
يعتبر إقليم صوماليلاند إقليما يتمتع بحكم ذاتي أعلن انفصاله عن باقي أقاليم الصومال بعد الإطاحة بالحكومة العسكرية بقيادة اللواء الراحل محمد سياد برى مطلع عام1991. وكان الإقليم أول المناطق في البلاد التي اندلعت فيها المعارك بين الجبهات المعارضة المسلحة وبين الحكومة المركزية بقيادة سياد بري، وذلك عندما دار صراع عنيف بين المتمردين من الحركة الوطنية الصومالية SNM)) والقوات الحكومية في نهاية الثمانيات من القرن الماضي، مما أسفر عن عشرات الآلاف من القتلى والجرحى.
وعلى الرغم من أنها غير معترف بها دوليا، إلا أن لديها نظاما سياسيا مستقرا يعمل، ومؤسسات حكومية وقوات شرطة وعملة خاصة بها، وهي بهذا نجت عن الكثير من الفوضى والاضطرابات والعنف السياسي التي شهدها الكثير من الأقاليم الأخرى في الصومال(1)
• الحياة السياسية في الإقليم
يشهد الإقليم حالة من استقرار الحياة السياسية منذ انتخاب محمد حاج إبراهيم عقال رئيسا لها في الخامس من شهر مايو1993؛ والذي استطاع إنهاء الصراع بين العشائر المتقاتلة على السلطة في الإقليم لصالحه(2).
ومنذ ذلك الحين وحتى كتابة هذه السطور لا يزال الإقليم يتمتع باستقرار نسبي لا يوجد له مثيل في باقي أقاليم البلاد، اللهم إلا ما كان من بونت لاند التي تشهد حالة مشابهة لحالة صوماليلاند، وإن لم تكن إدارة انفصالية.
وفي عام 2001 عندما صوت الشعب لصالح الديمقراطية ونظام الأحزاب القائم على التعددية الحزبية السياسية تأسس الحزب الديمقراطي الشعبي المتحد، والمعروف اختصارا بـ “أُودُبْ “أول الأحزاب السياسية القائمة في إدارة أرض الصومال، وقد خرج من المشهد السياسي كليا بعد هزيمته في انتخابات عام 2010، ولم يعد له وجود سياسي في الساحة الآن، ويليه من حيث التأسيس حزب العدالة والرعاية، والمعروف اختصارا بـ ” أُوعِدْ ” ثم حزب التضامن “كُلْمِيِه” الحاكم حاليا.
وفي أبريل من عام 2003 أجريت أول انتخابات رئاسية حرة تنافست فيها الأحزاب الثلاث، وعلي الرغم من التقارب الشديد في نتائج الانتخابات الرئاسية تلك بين حزب “أودب” الذي فاز زعيمه في الانتخابات وبين حزب “كلميه” الذي كان ثاني أكبر حزب سياسي في الإقليم، بينما كان حزب ” أُوعِدْ ” أضعف من الحزبين بكثير(3).
وفي عام2005 جرت في الإقليم الانتخابات البرلمانية، وشاركت فيها الأحزاب السياسية السالفة الذكر، وكانت النتيجة بين الأحزاب كما يلي:
حصل الحزب الديمقراطي الشعبي المتحد”أودب” على 33 مقعدا، وحصل حزب التضامن “كلميه” على28 مقعدا، بينما حصل حزب العدالة والرعاية “أوعد” على 21 مقعدا، وذلك من مجموع المقاعد البالغة 82 مقعدا يتألف منها مجلس النواب في إدارة أرض الصومال، وكما هو واضح فقد حل حزب “أوعد” المرتبة الثالثة من بين الأحزاب التي خاضت الانتخابات البرلمانية(4).
• ظاهرة الانشقاقات الحزبية
كلما قرب موعد الاستحقاق الانتخابي تشهد الأحزاب السياسية خلافات، غالبا ما تنتهي بالانشقاقات، وبما أن الدستور لا يسمح بوجود أكثر من ثلاثة أحزاب في آن واحد؛ فإن المنشقين ينضمون إلى الأحزاب المسموحة، وكان حزب العدالة والرعاية الأكثر تعرضا لعواقب تلك الظاهرة، لما حدث من خلاف بين قادته الكبار حول كيفية تنظيم وعقد المؤتمر الرابع للحزب؛ مما تسبب في انشقاق داخل الحزب، الأمر الذي أدي إلى التحاكم إلى المحكمة العليا، التي قضت ملكية الحزب للمهندس فيصل علي “ورابي” وأسس القادة المنشقون حزبا جديدا تحت اسم “وطني” وقد تأهل الحزب الجديد لأن يكون من بين الأحزاب المعترفة بها بعد أن حل محل حزب “أودب” المنحل(5).
وتعرض حزب “أوعد” لانشقاق مماثل؛ حيث انشقت عنه مؤخرا مجموعة من القيادات، من بينها المرشح الرئاسي السابق للحزب المهندس جمال علي حسين؛ وانضمت هذه المجموعة إلى الحزب “كلميه” الحاكم بحيث لم يعد بإمكانهم تأسيس حزب جديد.
ولم يسلم حزب “كلميه” الحاكم من تلك الانشقاقات والانشطارات؛ التي أصابت بالأحزاب السياسية هناك، فقد شهد في بداية نوفمبر من عام 2015 أسوأ موجة للخلافات السياسية داخل الحرب، وذلك أثناء الانتخابات الحزبية الداخلية لتحديد مرشح الحزب للانتخابات الرئاسة؛ حيث أعلن أفرد من القيادات الحزبية البارزين عدم ثقتهم باللجنة التي عينها الرئيس أحمد محمد سيلانيو، وكان من بين تلك القيادات وزير الخارجية السابق محمد بيحي يونس وعبد العزيز سمالي ووزير الرئاسة السابق حرسي حاج علي، وطالب هذه القياديات بالتأكد من وجود أخطاء داخل قوائم مجلس الشورى لحزب “كلميه” الحاكم، وكذلك التأكد من القاعة التي يمكن عقد اجتماع الحزب فيها(6).
والجدير بالذكر أن هذه القيادات انتهى بها المطاف إلى الانضمام بحزب “وطني” والذي يعتبر حاليا من بين أقوى الأحزاب السياسية في إدارة أرض الصومال، الأمر الذي يجعل الانتساب إليه – مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية – على أنه حزب الغد الصاعد وفق نظام التداول السلمي بين القبائل.
• التداول السلمي للسلطة
تتميز إدارة أرض الصومال عن باقي أقاليم الصومال بوجود شكل من أشكال عملية التداول السلمي للسلطة بين الأحزاب السياسية الثلاثة، وإن كانت ذات طابع قبلي، وذلك منذ تأسيسها وإعلانها الانفصال من طرف واحد بعد انهيار الحكومة المركزية عام1991.
وقد شهدت في مراحلها الأولى فترة حرب أهلية بين القبائل القاطنة في إقليم توغطير وبين النظام، وهي حرب انتهت بالمصالحة والوفاق في نهاية الأمر بقيادة الرئيس الأسبق لصوماليلاند محمد إبراهيم عقال، والذي كان سياسيا محنكا استطاع بكل جدارة أن يؤسس نظاما قويا مهد الطريق أمام التداول السلمي للسلطة في مرحلة ما بعد الحرب.
وبعد وفاة ذلك الزعيم أصبح نائبه طاهر ريالي كاهن رئيسا مؤقتا لصوماليلاند حسب الدستور، ثم خاض الأخير انتخابات رئاسية حامية الوطيس جرت في الإقليم في الـ 15 نيسان أبريل من عام2003، وفاز على منافسه الرئيس الحالي المنتهية ولايته أحمد سيلانيو.
يذكر أن السيد ريالي لم يكن من القبائل الكبرى التي ترى لنفسها الأحقية قي الاستئثار بمنصب الرئيس، لكن الظروف الاستثنائية التي كانت تمر بها صوماليلاند وقتئذ أقنعت معظم السياسيين المنحدرين من العشائر الكبرى بتوليه السلطة، كما يعتقده المحللون.
وقد أشاد معظم المراقبين الدوليين بتلك الانتخابات التي فاز بها ريالي علي سيلانيو، وإن كان الفارق بينهما بسيطا، ووصفوها بأنها كانت نزيهة وحرة، وإن شابتها بعض المخالفات والتجاوزات البسيطة، بحسب بعض المراقبين، وبذلك يمكن اعتبار السيد ريالي المؤسس الحقيقي للنظام الديمقراطي السائد الآن في إدارة أرض الصومال.
وعندما حان موعد انتخابات عام 2010 كان صبر السياسيين المعارضين – والذين كان من بينهم الرئيس الحالي سيلانيو – قد نفد نهائيا؛ حيث كان زعيم حزب “كلميه” في ذلك الوقت يتوعد النظام بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا لم يفز هو في الانتخابات الرئاسية، وهو ما تفهَّمه الناخب المحلي؛ حيث لم يصوت لـ “ريالي” الذي حقق إنجازات لم يستطع كل رؤساء صوماليلاند السابقين، ومن ذلك بناؤه نظاما سياسيا مستقرا للإقليم، واسترجاعه كل الأراضي التي كانت ضمن المحمية البريطانية إلى تحت سيطرة النظام.
تجدر الإشارة إلى أن التداول السلمي الذي نتحدث عنه الآن شكل من أشكال الممارسة السياسية في النظم الديمقراطية المعاصرة، لكن مرجعيته هنا تسند إلى النظام القبلي القائم، والذي استطاع الحفاظ على هذه المظاهر السلمية لانتقال السلطة، فتمديد الفترة الرئاسية على سبيل المثال تقليد لا يتعارض مع المصالح القبلية ولا النظام المتبع، رغم معارضة الأحزاب السياسية المعارضة له، وبالتالي فإن التناقضات في هذا المقام لا يمكن فهمها بمعزل عن الممارسة السياسية الديمقراطية القبلية التي تحميها سلطة القبائل التي لا تشترك في وشائج القربى والرحم فقط، وإنما في المحافظة على النظام الذي بذلت القبائل من أجله الغالي والنفيس؛ مما يبعث التشبث به والدفاع عنه حتى وإن لم يحظ باعتراف المجتمع الدولي؛ لأنه يحقق لها مصالح ذاتية أهمها الأمن والاستقرار في حين تنغمس باقي الأقاليم البلاد في بحر من الفوضى السياسية حتى بعد تشكيل الولايات الفدرالية فيها.
• الدروس المستفادة
كما أسلفنا فإن إدارة أرض الصومال عندها تجربة ناجحة إلى حد الآن في مجال انتقال السلطة وتطبيق بعض الأسس الديمقراطية، وإن كانت لا تخلو من عيوب وانتقادات، وهناك دروس مستفادة من تلك التجربة السياسية، ويمكن حصرها فيما يلي:
1. إن الإقليم – وإن لم يحصل على اعتراف من المجتمع الدولي لأسباب موضوعية لا يمكن استعراضها في هذا المقام – أثبت للجميع بما لا يدع مجالا للشك بأنه نموذج يمكن الاقتداء به في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مباشرة يدلي بها الشعب صوته، وهذه التجربة الفريدة شجّعت العالم على الاحترام بهذا النظام الانفصالي والتعامل معه بشكل إيجابي.
2. إن المعارك الانتخابية والاتهامات المتبادلة بين الحكومة وأقطاب المعارضة في الموسم الانتخابي لا تعدو كونها مظهرا من مظاهر الممارسة الحزبية، وهدفها هو التأثير على الناخبين، ولا يؤثر في أي حال من الأحوال على مجريات الأحداث، وستجري الانتخابات في موعدها المقرر، ويضاف إلى ذلك جاهزية النخب السياسية للتنازل والتحاكم إلى صوت العقل عند بروز خلافات تمس بالمصالح العليا للإقليم.
3. القبيلة والولاء لها هي التي تحدد الرئيس المقبل، وليست البرنامج السياسية والوعود المقدمة من قبل المرشح وحزبه، على سبيل المثال في انتخابات عام 2010 كانت الشعارات التي يرفعها “ريالى” وبرنامجه الانتخابي أقوى بكثير من برنامج منافسه “سيلانيو” إلا أن العامل القبلي وفقدان حزب “أُودُب” برئاسة “ريالي” بريقه، وملل الشعب من قيادة الحزب التي كانت تحكم الإقليم في أطول فترة أدى إلى خسارته أمام منافسه الرئيس الحالي أحمد سيلانيو.
4. رغم كل ما يوجه للأحزاب السياسية من انتقادات، وخاصة اتهامها بممارسة القبلية واستخدامها عندما تأتي مواسم الانتخابات، إلا أن ذلك لا يؤثر على الانتخابات؛ لأن القبيلة مكون أساسي في الإدارة، وتسييسها أمر طبيعي في المجتمعات القبلية، وهي سمة بارزة تشترك معها الإدارات الإقليمية الأخرى التي لم تصل إلى مستواها بعد في النضج والاستقرار.
5. إجراء الانتخابات بسلام ودون حدوث مشاكل أمنية، مما يقود صوماليلاند إلى مزيد من الازدهار والاستقرار السياسي، كما يرسل ذلك رسائل إيجابية للمجتمع الدولي، مفادها أن إدارة أرض الصومال في طريقها نحو الديمقراطية الحقيقية.
وعلى ما يبدو فإن الانتخابات والعرس الديمقراطي الذي تشهده هذه الإدارة الانفصالية لا يقودها إلى الاعتراف الدولي، وأن الرئيس القادم مهما كانت خبرته في مجال الدبلوماسية من المستبعد أن يجلب لصوماليلاند الاعتراف الدولي، كما يراه بعض المراقبين.
• تكهنات
إن إدارة أرض الصومال على موعد مع انتخابات رئاسية في الثالث عشر من شهر نوفمبر المقبل، ويعقبها الانتخابات البرلمانية، وقد تأجلت هذه الانتخابات عدة مرات، كان آخرها في شهر آذار مارس من هذا العام، وذلك بسبب موجة الجفاف التي ضربت بالإقليم مؤخرا.
ويرى كثيرون من المراقبين أن هذا الموسم الانتخابي يكون الأصعب منذ تأسيس الجمهورية الانفصالية حتى الآن؛ لأسباب تعود إلى احتدام الصراع السياسي والتنافس القبلي– الحزبي، وانعدام الثقة بين الأطراف، وخاصة أنها تأتي بعد تأجيلات متكررة.
ويقول المحللون أن الانتخابات القادمة ستكون علامة فارقة في تاريخ هذه الجمهورية غير المعترف بها، مؤكدين أنه إذا ما نجت هذه المرة فستكون دليلا دامغا على نضجها السياسي، ويقوي ذلك أيضا مكانتها في المنطقة.
ثمة تفاهمات بين القبائل الكبرى في الإقليم بشأن تداول السلطة فيما بينها، وإن لم تكن هذه التفاهمات مكتوبة ومعلنة، ولذا تشير التكهنات إلى إمكانية فوز زعيم حزب “وطني” عبد الرحمن عبد الله عِرْرُو في رئاسة الإقليم، وهذه التكهنات تستند إلى مرتكزات واقعية قوية على الأرض، من بينها ارتفاع شعبية الحزب، وانضمام قيادات من ذوي الخبرة الواسعة إليه، إضافة إلى الاعتقاد السائد لدى كثير من سكان الإقليم بأن الاستحقاق هذه المرة لعشيرة هبر يونس التي ينحدر منها “عِرْرُو”.
وهناك من يتهم عِرْرُو بأنه يحمل توجهات وحدوية؛ لكن برزت هذه الاتهامات إلى السطح في غمار التنافس الانتخابي، مما يجعلها ضعيفة لا تصمد طويلا أمام الحقائق حول الرجل.
ومهما يكن الأمر فمن المتوقع أن يصبح عبد الرحمن عِرْرُو الرئيس القادم لصوماليلاند حسب التكهنات والاستطلاعات غير الرسمية، غير أنه ليس من المستبعد في الوقت نفسه أن تأتي النتائج على عكس ما ذهبت إليه هذه التكهنات. ومن المحتمل أن يشهد الإقليم بعد الانتخابات المقبلة مزيدا من الهدوء والاستقرار الذي يتمتع به الآن، مما يشجع المجتمع الدولي على دعم المؤسسات الدستورية لإدارة أرض الصومال بشكل أكثر فعالية.
المراجع:
1. http://www.bbc.com/news/world-africa-14115069\ Somaliland profile
2. نفس المرجع.. بتصرف.
3. مقال، كتبه مختار عبدي علمي على الرابط التالي: http://somalilandlive.com/2017/06/16/falanqaynta-siyaasadda-xisbiyada-qaranka-somaliland-iyo-sooyalkoda-taariikheed/
4. المرجع السابق، بتصرف يسير.
5. مقال كتبه بشير علي نور: حزب العدالة والرعاية تحت المجهر، المنشور في الصومال الجديد بتاريخ 16 يوليو2016 على الرابط التالي: http://alsomal.net/archives/10567
6. وحول انضمام قيادات من حزب كلمي إلى الحزب وطني يراجع: http://www.bbc.com/somali/war-37565734