صندوق النقد العربي يُصدر دراسة بعنوان “دور الإصلاحات الاقتصادية في دعم النمو في الدول العربية”
الصومال الجديد
آخر تحديث: 27/02/2018
في إطار الجهود التي يبذلها صندوق النقد العربي على صعيد الأنشطة البحثية لدعم متخذي القرار في البلدان العربية، أعد الصندوق مؤخراً دراسة حول “دور الاصلاحات الاقتصادية في دعم النمو في الدول العربية”. اهتمت الدراسة بتقييم دور إصلاحات الاقتصاد الكلي والإصلاحات الهيكلية والمؤسسية في دعم النمو الاقتصادي في البلدان العربية خلال الفترة (2016-2000).
أشارت الدراسة إلى أن الاقتصادات العربية قد تأثرت بمجموعة من التطورات العالمية والتحولات الإقليمية خلال الفترة (2016-2000)، التي يمكن تقسيمها حسب التطورات التي شهدها الاقتصاد العالمي والاقتصادات العربية إلى فترتين رئيسيتين. تتمثل الأولى في الفترة (2008-2000) والثانية في الفترة (2016-2009). سلكت المؤشرات الاقتصادية الأساسية للدول العربية (النمو الاقتصادي، التضخم، رصيد الموازنة العامة ، رصيد ميزان المعاملات الجارية) خلال هاتين الفترتين مسارات مختلفة تأثراً بتغيرات اقتصادية إقليمية ودولية انعكست على التوازنات الداخلية والخارجية لتلك البلدان.
إزاء هذه التطورات تبنت الدول العربية مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية التي تنوعت ما بين إصلاحات استقرار الاقتصاد الكلي وحزم أخرى للإصلاحات الهيكلية والمؤسسية بهدف دفع النشاط الاقتصادي والقضاء على التحديات الاقتــصادية التي تواجه هذه البلدان على صعيد تحقيــق النـمو الشـامل والمستدام. في هذا الإطار، شهــد الإصلاح الاقتــصادي في البــلدان العربيــة زخماً قويــاً ومتـسارعاً خـلال الفتـرة (2008-2000) حيث قامت العديد من البلدان العربية خلال تلك الفترة بمواصلة تنفيذ برامج التصحيح الاقتصادي والإصلاح الهيكلي التي بدأت تطبيقها منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي بهدف تحقيق التوازنات الاقتصادية الداخلية والخارجية من خلال تنفيذ سياسات الاستقرار الاقتصادي. كما تحول جانباً من الزخم الإصلاحي في هذه الدول باتجاه الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى تحسين كفاءة استخدام الموارد وتحرير التجارة ودعم القطاع المالي بمساندة عدد من المؤسسات الدولية.
في المقابل، شهدت الفترة الثانية (2016-2009) تغيراً في نمط السياسات الإصلاحية في البلدان العربية، بحيث تم التركيز بشكل أكبر على التدابير والسياسات الهادفة إلى احتواء تأثير الصدمات الاقتصادية التي شهدتها عدة بلدان عربية في تلك الفترة وأثرت على أدائها الاقتصادي. جاء على رأس هذه السياسات تدابيرضبط أوضاع المالية العامة، وزيادة مستويات كفاءة السياسة النقدية ونظم الصرف في امتصاص أثر الصدمات الخارجية، مع تحول جانب كبير من الاهتمام إلى برامج وإصلاحات تنويع الهياكل الاقتصادية كانعكاس لتأثر الاقتصادات العربية المُصدرة للنفط بالتراجع المسجل في الأسعار العالمية للنفط بداية من النصف الثاني عام 2014.
على ضوء ما سبق، تهدف الدراسة إلى تقييم دور الإصلاحات الاقتصادية في تعزيز ورفع معدلات النمو الاقتصادي في الدول العربية خلال الفترة (2016-2000)، حيث تتعرض إلى الأدبيات السابقة والدلائل التطبيقية (Empirical Evidences). كما تتطرق إلى تقييم أداء الاقتصاد الكلي في البلدان العربية خلال الفترة المشار إليها. كذلك تتناول الدراسة تجربة الإصلاح الاقتصادي في الدول العربية سواءً على صعيد إصلاحات استقرار الاقتصاد الكلي، أو الإصلاحات الهيكلية، أو الإصلاحات المؤسسية.
في محاولة لقياس أثر الإصلاحات الاقتصادية على النمو الاقتصادي، قامت الدراسة بتطبيق نموذج قياسي يحاول الربط ما بين بعض الدلائل المرتبطة بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، ومعدل النمو الحقيقي في البلدان العربية باستخدام نموذج البيانات المقطعية (Panel Data) للوصول إلى نتائج توضح ماهية الإصلاحات الأكثر قدرة على دعم النمو في البلدان العربية. أظهرت النتائج الخاصة بالنموذج ما يلي:
ظهور تأثير معنوي لإصلاحات استقرار الاقتصاد الكلي الهادفة إلى خفض العجوزات في الموازنات العامة واحتواء الضغوط التضخمية على النمو الاقتصادي.
ظهور تأثير معنوي للإصلاحات الهيكلية على النمو الاقتصادي لا سيما إصلاحات تحرير التجارة الخارجية، وتطوير القطاع المالي، وإصلاحات أسواق العمل والمنتجات، وحفز الابتكار.
ظهور تأثير معنوي للإصلاحات المؤسسية على النمو الاقتصادي، لا سيما تلك الهادفة إلى تهيئة البيئة المواتية لجذب الاستثمارات.
على مستوى كامل فترة الدراسة كانت إصلاحات البيئة المؤسسية الأكثر تأثيراً على النمو في البلدان العربية.
ظهور تأثير معنوي للعوامل الحاكمة المُختارة ممثلةً في حجم القطاع العام، ومستوى التنمية البشرية على معدلات النمو الاقتصادي، حيث يدعم الانفاق الرأسمالي الحكومي مستويات الناتج المُحققة شريطة أن تتسم عملياته بالكفاءة وعدم مزاحمة الاستثمار الخاص، كما يُمكن التطور الإيجابي المُحقق في مستوى التنمية البشرية البلدان العربية من تحقيق معدلات نمو أعلى.
بناءً عليه، أكدت الدراسة على أن البلدان العربية تواجه تحديات اقتصادية تستوجب توجيه السياسات والإصلاحات الاقتصادية باتجاه تحقيق زيادة ملموسة في معدلات النمو الاقتصادي كفيلة بتوفير فرص العمل الكافية لخفض البطالة خاصة بين أوساط الشباب والنساء. يمكن من خلال ما تطرقت له الدراسة الوقوف على توصيات مهمة على صعيد صنع السياسات على النحو التالي:
أهمية تبني خطط قومية لتنويع الهياكل الاقتصادية للبلدان العربية تندرج في سياق استراتيجيات تستهدف زيادة التنويع الاقتصادي بالتركيز على القطاعات عالية القيمة المضافة والقطاعات التصديرية وقطاعات الاقتصاد المعرفي مع ضرورة تبني برامج تنفيذية لتحقيق هذه الاستراتيجيات تتضمن توزيعاً واضحاً للمسؤوليات وتصور لآليات التنفيذ والتمويل، مع التأكيد على أن إصلاحات تنويع وتقوية الهياكل الاقتصادية لابد من أن تُنفذ بشكل مستمر ووفق أهداف كمية وأدوار مناطة بالجهات المسؤولة.
أهمية مواصلة إصلاحات الاستقرار الكلي الهادفة إلى توفير بيئة مواتية للنمو الاقتصادي. من بين إصلاحات تحقيق الاستقرار الاقتصادي يُحسن أن تٌمنح الإصلاحات التي من شأنها تقوية قدرة البلدان العربية على مواجهة الصدمات الخارجية ودعم الحيز المالي (سياسات الانضباط المالي، الاستقرار السعري، تقوية الاوضاع الخارجية) الاهتمام الكافي بما يساعد على توفير الوقت الكافي لتنفيذ تدابير أخرى على صعيد الإصلاح الهيكلي والمؤسسي يحتاج تنفيذها لسنوات حتى تؤتي الإصلاحات ثمارها الداعمة للنمو.
التركيز على تنفيذ إصلاحات السياسات الاقتصادية الكلية المواتية للنمو والتشغيل وخفض مستويات تباين الدخل، خاصة فيما يتعلق بالسياسات المالية مع أهمية التركيز في هذا الصدد على سياسات الانضباط المالي ولكن مع ضرورة الاتجاه إلى الاعتماد على التدابير الأقل تأثيراً على النمو الاقتصادي منها على سبيل المثال تفضيل تدابير خفض الانفاق العام على تدابير رفع معدلات الضرائب، حيث أن خفض مستويات الانفاق العام أقل تأثيراً على النمو الاقتصادي مقارنة برفع مستويات الضرائب، وتفضيل تدابير استخدام الضرائب غير المباشرة على الضرائب المباشرة، وتفضيل تدابير استخدام ضرائب القيمة المضافة والضرائب على العقارات على الضرائب على الدخول وأرباح الشركات لكون المجموعة الأولى من التدابير أقل تأثيراً على النمو الاقتصادي من المجموعة الثانية.
دمج بعض الإصلاحات الهيكلية مثل إصلاحات تحرير التجارة الخارجية وتطوير القطاع المالي في سياق الاستراتيجيات والخطط الوطنية للإصلاح الاقتصادي نظراً لتأثيرها الداعم للنمو الاقتصادي في البلدان العربية. كذلك هناك ضرورة لتركيز إصلاحات التجارة الخارجية على استكمال جهود البلدان العربية الرامية إلى تحرير التجارة البينية للخدمات وذلك نظراً لما يرتبط بها من مكاسب كبيرة على صعيد زيادة مستويات الاستثمار والقيمة المضافة والتشغيل في ظل تسارع وتيرة نمو تجارة الخدمات حالياً مقارنة بتجارة السلع. كذلك من الأهمية بمكان تركيز إصلاحات القطاع المالي على زيادة مستويات الشمول المالي لا سيما للأفراد والمشروعات الصغيرة والمتوسطة لرفع النمو.
الاهتمام بإصلاحات الاقتصاد الجزئي لا سيما إصلاحات أسواق العمل والمنتجات من خلال تدابير تساعد على زيادة مستويات مرونة هذه الأسواق ودعم الانتاجية والتنافسية، مع أهمية البدء بإصلاحات أسواق المنتجات قبل إصلاحات أسواق العمل كي تخفف المكاسب الناتجة عن تطبيق النوع الأول الأثر غير المواتي للنوع الثاني من الاصلاحات على النمو في الأجل القصير. إضافة إلى ضرورة الاهتمام بالإصلاحات القطاعية المرتبطة بتحسين جودة التعليم والنفاذ لأسواق العمل وفق رؤى متكاملة وجهود متواصلة لتحقيق هذا الهدف.
دعم دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي عبر مواصلة الاصلاحات المؤسسية الهادفة إلى تهيئة البيئة المواتية لنمو أنشطة القطاع الخاص والتدابير التي تستهدف خفض تكلفة إنجاز المعاملات مثل تبسيط وتيسير إجراءات البدء في ممارسة الأعمال وضمان حقوق الملكية، إنفاذ العقود، حماية المنافسة وغيرها من الإصلاحات الأخرى لجذب الاستثمارات اللازمة لدعم النمو في العقود المقبلة لا سيما الاستثمارات الأجنبية المباشرة. إضافة إلى أهمية إصلاحات ضمان الشفافية والنزاهة وحوكمة الشركات والمؤسسات.
التركيز على توفير البيئة المواتية لنمو أنشطة المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتمكين تلك المشروعات من المساهمة بفاعلية في أنشطة الانتاج والتصدير وخلق فرص العمل.
يحسن أن تتزامن الاصلاحات الاقتصادية مع الإصلاحات الاجتماعية الهادفة إلى تحسين مستويات التعليم والصحة، مع أهمية إيلاء الاهتمام الكافي بباقي جوانب الإصلاح الأخرى حتى تُحقق الإصلاحات مكاسبها المأمولة على صعيد النمو.