رجل المرحلة القادمة بالصومال (3/2)
الصومال الجديد
آخر تحديث: 11/05/2022
بقلم/ عبد الله الفاتح
كاتب صحفي متخصص بالشأن الإفريقي
وفي سياق التفكير المنطقي في مستقبل الدولة الصومالية، يجب أن نطرح على أنفسنا سؤالا بديهيا: ما هو شكل النظام السياسي الذي نريده؟ هل حقا نريد نظاما ديمقراطيا تشاركيا يحد من هيمنة رئيس الجمهورية وانفراده بالسلطة، ويعطي البرلمان صلاحياته الدستورية؟ أم نحن فعلًا – كما يقول مارينز فرماجو – ما زلنا في حنين إلى “المونقراطية” المثالية المنشودة؟ باعتبارها الطريقة الأسهل في سبيل استبدال مفهوم سلطة الدولة بالسلطة الشخصية “الفردية” ونظام الفرد الواحد والقائد الملهم الذي يفرض أفكاره وطريقة حكمه على الشعب وفقا لرغباته؟ ويكون كل ما يصدر منه أحكام ووصايا “مقدسة” واجبة التنفيذ من أجل نيل رضا الزعيم الأوحد وثوابه والنجاة من عظيم سخطه وعقابه.
ولعله من المفيد هنا أن نجري مقاربة موضوعية سريعة ومختصرة بين الديمقراطية والمونقراطية ونلخصها فيما يلي:
-الديمقراطية تعني شعب حرّا ينتخب ويراقب وبرلمان يحاسب وصحافة مستقلة تنتقد وتوجه.
-أما المونقراطية “المنشودة” فهي شعب يهتف ويسبح بحمد مولاه الزعيم الأوحد، وبرلمان يصفق ويمرر وصحافة تغني وترقص.
-الديمقراطية هي بحث وعلم وابتكار ونقاش وحوار ورؤية استراتيجية لبناء مستقبل مزدهر ومستدام.
-أما المونقراطية فهي أوهام وأكاذيب ودجل وخداع وخطابات عاطفية وتحليلات سطحية، وطبول لا تسكت ومزامير لا تتوقف.
-في الديمقراطية العقول تفكر وتخطط وتبدع والأيد تعمل وتبني وتكتب وتصنع.
-وفي المونقراطية عقول الشعب مغلقة بأغلال الجهل وقيود العصبية والتفكير بعقول بديلة ليست بعقولهم والأيد مشغولة بالتصفيق والحناجر تدوي بالهتاف وتمجيد القائد الأسطوري (أدام الله ظله الوارف).
-النظام الديمقراطي يهتم بالعلوم التنظيمية المعاصرة ويجعل القائد من المهام الرئيسية تجاه تنظيمه هي “صناعة القادة والكوادر المؤهلة” الذين يعينونه في حضوره ويخلفونه في غيابه.
-بينما النظام المونقراطي لا يعير أي أهتمام بـ”صناعة القادة” وإنما يهتم ” بصناعة الأتباع” الذين يجيدون التلقي والتنفيذ الفوري والإيمان بأوامر القائد وحكمته.
-والنظام الديمقراطي يحتاج إلى مفكرين وخبراء وباحثين ومبدعين وعلماء متخصصين في شتى مجالات المعرفة.
-بينما بناء الحكم المونقراطي لا يحتاج إلا بعض المنجمين والمتسولين والمغنين النشاز والشعراء الزائفين وقارعي الطبول ونافخي المزامير.
-وأخيرا وليس آخِرا فإن النظام الديمقراطي فيه مقاعد تتسع لآلاف القادة والمفكرين والعلماء والخبراء.
-لكن النظام المونقراطي فالمقاعد لا تتسع إلا للزعيم الأوحد وشرذمة قليلة من المدّاحين والمشعوذين وعابري السبيل والانتهازيين، بحسب وصف ابن خلدون في مقدمته.
-وهنا ينبغي الإلتفات مرة أخرى إلى أن ممارسة السياسة تحت الحكم المونقراطي هي لعبة قذرة لا يجيدها إلا القذرون والمتصعلكون وقارئو الطالع والنازل.
-لكن مع النظام الديمقراطي فإن ممارسة السياسة مقيدة بقواعد ومبادئ اعتبارية ما يجعلها حقا فن التغيير وتحويل المستحيل إلى ممكن وترويض التحديات وقهر الصعاب، وتحقيق مفهوم دولة القانون ومقاومة كافة أشّكال الظلم والاستبداد والتمييز.
-نعم فالسياسة هي رقعة شطرنج ، الحركة والسكون فيها بحسبان فالعبرة أن تكون قطعة الشطرنج الصحيحة في المربع الصحيح لكن أيضا في زمن الصحيح.