دول القرن الأفريقي: دورها وتأثيرها في القضية الصومالية (الجزء السادس)
الصومال الجديد
آخر تحديث: 18/07/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 39
o الدور الكيني في الصومال
• مقدمة:
كينيا والصومال دولتان من دول القرن الإفريقي، يقعان على الساحل البحري للمحيط الهندي، وبينها تاريخ حافل من النزاعات؛ حيث تنازعا على منطقة شمال الشرق، والتي يقطنها الصوماليون بعد أن قدمتها بريطانيا لكينيا على حساب الصومال، ومنذ ذاك الوقت فإن التجاذبات السياسية بين البلدين قائمة، وتتراوح بين المد والجزر.
على الرغم من أن الشعب الصومالي في تلك الأراضي صوَّت بأغلبية ساحقة لصالح الانضمام إلى الصومال الكبير، بيد أن الحكومة الكينية وبمباركة من المملكة المتحدة ألغت النتائج وعكستها، وأصبح هذا بؤرة التوترات السياسية بين البلدين. ولم يكن لكينيا أي دور سياسي في الصومال ما قبل انهيار الحكومة المركزية باستثناء تلك الأدوار المتبادلة بين البلدين، والتي تربط لكل بلد بجاره.
يُذكر أن كلا من الدولتين عضو في منظمات إقليمية أو عالمية، ومنها المنظمة الإقليمية (إيغاد)، والتي تضم أيضا كلا من السودان وإثيوبيا، وجيبوتي، وإريتريا، وأوغندا، وكانت من بين الدولتين مصالح متشابكة تارة، ومآرب متناطحة تارة أخرى.
• الدور السياسي
عاصمة كينيا كانت تمثل العاصمة الفعلية للصومال في وقت من الأوقات؛ حيث أصبحت مقرا للهيئات الإغاثية، ومقرا لمبعوث الأمم المتحدة إلى الصومال، كما تمّ نقل مكتب الهيئة المسؤولة عن الملاحة الجوية الصومالية التابعة للأمم المتحدة إلى نيروبي، بالإضافة إلى السفارات الأجنبية وقنصلياتها المهتمة في الشأن الصومالي.
لأجل هذا وغيره أصبحت العاصمة الكينية العاصمة الثانية للبلاد، إلى أن استضافت المؤتمر الوطني للمصالحة الصومالية عام 2003، والذي تمخضت منه الحكومة الانتقالية برئاسة الرئيس الراحل عبد الله يوسف أحمد، ومنذ ذاك الوقت كانت الحكومة الكينية من أوائل المهتمين بالقضية الصومالية، فالدور السياسي الكيني سلاح ذو حدين، سلبي وإيجابي، ومن الطبيعي في سياسة كل بلد أنه يقدم مصالحه قدر الإمكان على مصالح غيره.
هذا، بالإضافة إلى أن نيروبي تمثل مقرا للسياسي الصومالي، وتُعقد فيها غالبا المؤتمرات المناهضة للسياسات المحلية، ومنها تنطلق زوابع المعارضة لتعصف البيت الصومالي، وتعطي كينيا مأوى وملجأ للسياسي المعارض ليتحرك فيها بكل حرية. واستغلالا من سياساتها النشطة بالنسبة إلى جارتها بدأت تعارض تكوين جيش وطني قادر على استتباب الأمن في الصومال من خلال استخدام السياسيين المقربين منها للتحكم على المفاصل الأمنية والإدارية للحكومة الصومالية مقابل مكاسب ذاتية. وفي السياق ذاته صرح الرئيس الكيني الأسبق أرب موي في عام 2004 أن قيام دولة صومالية قوية ذات سيادة كاملة تثير القلاقل في المنطقة برمتها.
• الدور الإنساني
منذ انهيار الحكومة المركزية في الصومال على أيدي الجبهات كانت كينيا تحتضن أحد أكبر مخيمات اللاجئين في العالم – مخيم داداب – ويأوي هذا المخيم نصف مليون لاجئ صومالي فروا من ويلات الحرب في بلد مزقته الحروب، وحولته إلى قطعة أرض تحكمها مجموعات متناحرة بمنطق شريعة الغابة. وقد هيّأت الحكومة الكينية منذ ذاك الوقت ظروفا إنسانية وأمنية للنازحين من تلك الحروب إلى داخل أراضيها؛ حيث استقبلتهم وأعطتهم الحماية الأمنية؛ لتستمر حياتهم بشكل طبيعي.
بعد أن تأقلمت شريحة كبيرة من اللاجئين العيش في الأراضي الكينية عزمت السلطات في ذاك البلد إغلاق المخيم، وإبعاد ساكنيه إلى بلادهم، وذلك “في أعقاب الهجوم الدامي- الذي استهدف جامعة غاريسا- ولكن قوبل القرار برفض رسمي وشعبي في الصومال، كما حذرت الأمم المتحدة من مخاطر التداعيات التي ستلحق باللاجئين الصوماليين في حال إصرار كينيا على المضي قدما في تنفيذ قرارها، وفي أبريل من 2015 توجه رئيس الوزراء الصومالي آنذاك عمر عبد الرشيد علي شرمأركي إلى العاصمة الكينية نيروبي، والتقى نائب الرئيس الكيني وليام روتو، وأعقبه إعلان وزير الخارجية الصومالي تفهم كينيا موقف الصومال حيال اللاجئين”
وأثناء تواجد اللاجئين الصوماليين في مخيمات كينيا تمكنوا من رفع مستواهم التعليمي، واندمج كثير منهم في الشعب الكيني، وانتقلوا من المخيم إلى عاصمة البلاد نيروبي، وإلى بعض المدن الأخرى، مثل ممباسو لمواصلة التعليم هناك، كما بدأ البعض العمل في المنظمات الإنسانية، وهذا كله بموافقة من الحكومة الكينية.
على الرغم من أن آلاف مؤلفة من الشعب الصومالي وصلوا إلى مخيمات للاجئين في كينيا، لكن لم يحدث ذلك كله بدون مقابل بل كانوا يتلقون الابتزاز على أيدي قوات الشرطة أحيانا، وعلى أيدي العصابات الأخرى أحيانا أخرى على حد تعبير جيري سيمسون – مساعد مدير منظمة الشؤون اللاجئين، مؤكدا أن “الشرطة تقول إنها تحمي كينيا من الإرهابيين، وإنها تطبق قوانين الهجرة عندما تعترض اللاجئين”. وأضاف: “لكن في واقع الأمر فهي تبتز الصوماليين كي يدفعوا النقود مقابل المرور عبر نقاط التفتيش ومقابل عدم التعرض للاحتجاز؛ مما يوحي باهتمامهم بملء الجيوب أكثر من حماية الحدود”، ويضاف إلى ذلك الإجلاء القسري الذي تعرضت له الجالية الصومالية في كينيا، رغم أن القانون الكيني يعطي جميع ملتمسي اللجوء مهلة 30 يوماً بعد دخول كينيا للانتقال إلى أقرب سلطة للتسجيل كلاجئين، بغض النظر عن كيفية دخولهم البلاد أو متى دخلوها. كما أن القانون الدولي يحظر الإعادة القسرية للاجئين إلى حيث يتعرضون للاضطهاد أو التعذيب أو حالة عنف معممة.
وبعد مذكرة تفاهم تم إبرامها بين الحكومتين عادت الأحوال في المخيم كما كانت، وهدأت الأمور هدوءا مؤقتا، وبدأ بعض اللاجئين العودة الطوعية إلى بلادهم،”وأعلنت مفوضية اللاجئين السامية التابعة للأمم المتحدة عودة 78،661 لاجئا صوماليا بشكل طوعي من مخيماتهم في كينيا منذ ديسمبر عام 2014 إلى ديارهم. و أنها قدمت الدعم لـ 75،620 لاجئا كانوا في مخيم “دداب” شمال شرق كينيا، بينما دعمت آخرين كانوا في مراكز أخرى، وأضاف التقرير أن المفوضية قدمت في النصف الأول من عام 2018 دعما لـ 2،908 لاجئا لتمكينهم من العودة إلى الصومال”
• العلاقة الثقافية بين البلدين
العلاقة الثقافية بين البلدين تتجسد في الجامعات والمدارس؛ حيث ترتبط علاقات ثنائية بين بعض الجامعات الصومالية والكينية، وتم إبرام عدة اتفاقيات بين تلك الجامعات. إذ تولي الجامعة اهتماما كبيرا للعلاقات والتواصل بين المؤسسات العلمية، وذلك إيمانا منها بأهمية التواصل والتفاعل الثقافي البناء بين الشعوب المختلفة من أجل خدمة القضايا الإنسانية المشتركة، وبهدف تقوية أواصر التعاون والتكامل في مختلف الأصعدة، وذلك عبر المؤتمرات العلمية، وتبادل الأساتذة، والأنشطة الطلابية، والندوات والدورات العلمية التخصصية، وكذا الدراسات العليا التي توفرها الجامعات الكينية لطلاب الدراسات العليا القادمين من الصومال، ويضاف في هذا السجل إلى أن مدارس وعددا من الجامعات الصومالية تستقطب أساتذة من كينيا.
• العلاقة التجارية بين البلدين
هناك علاقة تجارية رسمية وغير رسمية بين البلدين؛ حيث تحول كثير من رجال الأعمال الصوماليين إلى نيروبي لأسباب أمنية بعد أن شهدت الأراضي الصومالية سلسلة من الاضطرابات والتوترات، وأنشؤوا هناك عقارات ومبان سكنية تابعة لشركات صومالية بالإضافة إلى مئات المشاريع المقامة سنويا في نيروبي، وممباسو وغيرها من المدن الكينية.
وتجدر الإشارة إلى أن القطاع التجاري لا يقل أهمية من غيره؛ لأن مئات من رجال الأعمال الذي ينحدرون من الصومال يستوردون من الخارج إلى كينيا ثم يقومون بتوزيع بضائعهم في داخل كينيا وخارجها.
وعلى الصعيد نفسه لا يمكن تجاهل مناطق شمال الشرق التي تعتمد كليا على البضائع المستورة عبر ميناء كسمايو بجنوب الصومال؛ حيث تدخل البضائع إلى تلك المناطق عبر الحدود البرية؛ مما يؤثر سلبا على واردات ميناء ممباسو الكينية. ومن بين البضائع التي تصدِّرها كينيا إلى الصومال القات؛ حيث يصل إلى الصومال يوميا عشرات الطائرات المحملة بأكياس معبئة بالقات، ويوزع القات على طول البلاد وعرضه باستثناء عدد من المدن في المناطق الجنوبية التي تسيطر عليها حركة الشباب.
• الدور الأمني
بعد أن أصبحت الغابات الاستوائية في المناطق المتاخمة لكينيا مثل غابات رأس كمبوني الإستراتيجية مأوى لعناصر من القاعدة وحركات جهادية أخرى توجست كينيا بالخطر ، وكانت تراقب تحركات تلك الجماعات عن كثب، وبدأت تعمل ليلا ونهارا، ولم تسنح لها الفرصة في التدخل المباشر في المنطقة إلا في اليوم الثامن عشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 2011م، بحجة الدفاع عن النفس بعيدا عن أراضيها، وذلك عقب سلسلة من عمليات اختطاف قامت بها حركة الشباب.
وكوّنت قوات صومالية تعمل مع القوات الكينية جنبا إلى جنب لشن الهجمات على المناطق التي تسيطر عليها حركة الشباب، وذلك بهدف تحرير المناطق التابعة لنظام جوبالاند المدعوم من كينيا ودحر عناصر الشباب فيها. وفي أعقاب تورطها في المستنقع الصومالي الملتهب بحثت عن شرعنة تواجد قواتها في الصومال، والبحث لها تمويلا خارجيا، الأمر الذي استطاعت الحصول عليه في نهاية المطاف من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.
والجدير بالذكر أن كينيا تهتم بأمنها الداخلي أولا، ثم تأتي المرتبة الثانية مساعدة جيرانها إن صح التعبير، وتتبلور جهودها الأمنية في عدة مجالات حيوية بدءا من تشكيلها الحكومة الانتقالية للحفاظ على أمن بلادها أولا، وحفاظ أمن جارتها ثانيا؛ على اعتبار أن الحريق المشتعل في البيت المجاور لها لا بد وأنه ينتشر إليها انتشار النار في الهشيم إذا لم تتدارك الأمر قبل فوات الأوان.
وتوغلها في عمق الأراضي الصومالية، وبناء نظام تابع لها يخوض حربا بالوكالة مع الجماعات المسلحة بعيدا عن أراضيها، ومساندة ذاك النظام بالعدة والعتاد مما يخدم مصالحها أولا، كما يعتبر مساعدة منها لجارتها.
• الخلاصة
ولنجاح التعاون وتكامل الأدوار بين البلدين لا بد من تحقيق الأمور التالية:
أولا: الإدراك بأن التعاون بين البلدين يمثل صمام الأمان لتقوية العلاقات بينهما، والتخلص من دواعي الفوضى، والتصدي لكل ما من شأنه المساس بمصلحة البلدين.
ثانيا: العمل المشترك بينهما فيما يتعلق بالأمن والسياسة، والقضايا الأخرى العالقة بينهما.
ثالثا: على الحكومة الكينية أن تدرك تمام الإدراك أن من مصلحتها قيام كيان صومالي موازن لها.
رابعا: على الشعب الصومالي بأطيافه أن يعمل جهدا للخروج من هذا المأزق الحرج، ويستعدوا للمضي قدما؛ حتى يعود البلد إلى سابق عهده معززا مكرما، يتخذ قراراته بنفسه.