دول القرن الأفريقي: دورها وتأثيرها في القضية الصومالية (الجزء الخامس)
عبد الله الفاتح
آخر تحديث: 30/06/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 37
يتناول هذا الجزء من التقرير، وهو الجزء الخامس، ملامـح السياسـة الإثيـوبيـة وتأثيـرها في الصـومال، وذلك على ضـوء تفاعلهـا حيـال القضيـة الصـومالية خلال الحقـب التاريخيـة المختلفـة بشكل عام، وبعد سقـوط الحكومة المركزيـة في الصـومال عام 1991م، بشكل خــاص.
لقـد سبقت الإشـارة في الجـزء الرابع إلى أن إثيـوبيـا تدخلت مبكـراً وبشكل منفـرد في الأزمـة الصـومالية، من أجل تحقيـق أهـداف خاصـة ودون مرعـاة لاعتبـارات تسـوية الأزمـة واحتواء تداعيـاتها على عوامل الاستقرار في الصومال ودل الجـوار، وهـو مـا أسهـم بـدوره في تأجيـج الصـراع داخـل الصـومال وتمزيـق نسيجهـا الاجتمـاعي والسيـاسي.
وبعـد وفاة محمـد فارح عيـديد، دعـت إثيـوبيا لعقـد مؤتمـر في منتجع سـودري، بدعـم من الولايات المتحـدة الأمريكيـة، وقد حضر المؤتمـر جميـع قيادات الفصائل الصـومالية المسلحـة، باستثناء حسيـن عيـديد ومحمـد إبراهيـم عقال الرئيـس الأسبق لجمهوريـة أرض الصـومال التي أعلنت عن استقـلالها من جانب واحـد عام 1991م، وتدخلـت مصـر في محاولة لتقويض الدور الإثيـوبي المتنامي في الصـومال، واحباط ما تقـوم به إثيـوبيا حيـال الأزمـة الصـومالية، وذلك في إطـار التنافـس المحموم بيـن القاهرة وأديس أبابـا لزعـامة المنطقـة.
وبالفعـل كان هـذا المؤتمـر يهـدف إلى تسـوية الأزمـة الصـومالية ولكن على النحـو الذي يخدم الاستراتيجية الإثيـوبية ويجعل الصـومال كيانا مطواعاً،إلا أنهـا عجـزت عن كسب ثقـة كل الفصائل الصومالية خاصـة رئيس التحالف الوطني الصـومالي، حسيـن عيـديد، الذي رفض كل ما انبثق عن المؤتمر من قرارات ولجان، معتبراً ذلك نمطاً من أنماط التدخـل الإثيـوبي في الشؤون الصـومالية، ولذلك انحصـرت نتائج المؤتمر على تكوين مجلس أطلق عليـه مجلـس “الإنقاذ الوطني الصـومالي” ضم العديد من الفصائل المسلحة، ومن أبرز رجاله عثمـان عاتو وعبد الله يوسف أحمـد.
ومن جهـة أخـرى لم يقتصـر الدور الإثيـوبي فقـط بالاستحـواد على ملف تسـوية الأزمـة الصوماليـة، استنـاداً إلى هـذا التفـويض الممنـوح لهـا من قبـل منظمتي الإيجـاد الاتحـاد الإفريقي، بل إن أديـس أبابـا، قـد رأت أنه من حقهـا أن تمارس كافـة الوسائل المتاحـة بما فيهـا العسكـرية على ما تسميـه بمجالها الحيـوي للتأثيـر على مجريـات الأزمـة الصـومالية، والصفحات التاليـة تعكـس جانـب من دوامـة تدخلهـا عسكـرياً في النـزاع الصـومالي.
إثيـوبيا: ودورها العسكـري في الصـومال
في أغلـب فترات تاريخهـا الحديـث، لم يكن الخيـار العسكـري غائبـاً في السياسـة الإثيـوبية تجـاه الصـومال، ولكن ذلك ظهـر على الساحـة بشكـل أكثـر سطـوعاً، في بدايـة حقبـة التسعينـات من القرن الماضي، وبالأخص بعـد فشـل مسـاعيها لجمـع الفصائل المسلحـة من أجـل تشكيـل حكـومة مواليـة لها في مقـديشـو.
وتجـدر الإشـارة إلى أن تنامـي دور الحـركات الإسـلامية في الساحـة الصـومالية، ظـل يشكـل هاجسـاً لإثيـوبيا، وهي تخشى من ارتباطها بالحركات الإثيوبيـة المسلحـة المناؤئـة للحكـومة، مما يمثـل تهـديداً خطيـراً لأمنهـا القـومي، ولذا بـدأت تلجـأ إلى التدخل العسكـري المباشـر، من أجل تقليـص واحتـواء دور ونشـاط الحركات الجهاديـة المتزايـد في الصـومال.
لقـد بدأت تظهـر ملامـح هذا التوجـه بجـلاء من خلال العمليـة العسكـرية الكبيـرة التي نفـذتها القـوات الإثيـوبية في 19 أكتـوبر عام 1996م، في مدينـة “لوق” الحدوديـة ـ إحـدى معاقل حـركة الاتحـاد الإسـلامي والتي جـرت بالتعـاون مع مليشيـات الجنـرال عمـر حاج “موصلي” وأسفرت عن سيطرتها على المدينـة بشكل كامـل.
ولم يتوقف الأمـر إلى هـذا الحـد، فقد شنت القـوات الإثيـوبية في يونيـو عام 1999م، هجـوماً واسعـاً داخـل العمـق الصـومالي، أدى إلى السيطـرة على مدينـة “بيـدوا” حاضـرة محافظـة “بـاي” جنـوب غرب الصـومال، والتي كانـت معقـلاً لمليشيـات التحالف الوطني الصومالي بقيـادة حسيـن فارح عيـديد، وقد تمثـل الهـدف الإثيـوبي المعلـن وراء الهجـوم، بطـرد عناصـر “جبهـة تحـرير أورومـو” التي كان لها وجـود عسكـري في بعـض مناطق جنـوب الصـومال خاصـة محافظة “بـاي” جنـوب غرب الصـومال.
ولكـن التدخـل العسكـري الأكبـر قـد جاء في نهايـة عـام 2006م، عنـدما قامـت القـوات الإثيـوبية باجتيـاح واسـع للصـومال وبدعـم مبـاشر من الولايات المتحدة الأمريكيـة، من أجـل اسقـاط نظـام المحاكم الإسـلامية وقلـب موازيـن القـوة لصالح الجهـات المحليـة الموالية لها.
ولم يكـن متوقعـاً من المحاكم الإسـلامية أمـام الزحف الإثيـوبي، إلا إخـلاء مواقعهـا في البـلاد، لأنـه كان من المحال أن تواجـه جيشـاً نظاميـا مدربـا ومسلحـاً بأحـدث العتاد العسكـري، بقـوات محـدودة من المليشيات ذات أسلحـة خفيفـة.
ولهـذا انسحبـت من جميـع المدن التي كانت تسيطـر عليها بصـورة سريعـة ودون قتـال في أغلب الأحيـان، فيمـا أعلنت أن انسحابها السـريع هو تكتيك جـديد اتخذته أمام التفـوق في العتـاد والتسليـح للقـوات الإثيـوبية مؤكدة أنها ستخـوض حربـاً مغايرة لما تتوقعـه القوات الإثيوبية.
ورغـم تمكـن القـوات الإثيـوبية من تحقيق تقـدم سريع على الأرض، إلا أنهـا لم تنجـح في تطـويع الحركات الإسـلامية والوطنيـة الرافضـة لسياساتها العدوانيـة في الصـومال، فقـد أشعلـت مقاومـة صـومالية شـرسة ومتمترسة بالعقيـدة، إلى درجـة أصبحت فيه الصـومال ساحـة جاذبـة للشباب المتطرف من أماكن قصية ليـس من الدول العربيـة والإفريقيـة كاليمن والسعودية والسـودان وكينيـا فحـسب، بل من الدول الغربيـة كالولايات المتحـدة الأمريكيـة وبريطانيـا وغيرهـا، وبذلك عـاد شبـح التنظيمـات الجهـادية التي تستظل بمظلـة تنظيـم القاعـدة يهـدد أمـن دول القرن الإفريـقي والقوى الدوليـة ذات المصالح الاستراتيجيـة في المنطقـة.
وبذلك فتـحت إثيـوبيا أعيـن العديـد من المتربصيـن لها، ووسعـت من الجبهـة المناؤئـة لها في داخـل الصـومال وخارجهـا، كمـا أنها من خلال تورطهـا عسكـرياً في الصـومال، قـدمت خدمـة جليلـة لإريتريـا في تعـزيز دورهـا في الصـومال ودعم الجناح المتشـدد من المحاكم الإسـلامية والحـزب الإسـلامي وحركـة الشبـاب، من أجل إضعاف وتشتيـت الدور الإثيـوبي في الصـومال والمنطقـة، وكل هـذا ضيـق فرص المصالحـة بين الفرقاء الصـوماليين وإعادة الأمـن والاستقـرار في البـلاد، كما جعـل الصـومال سـاحة مفتوحـة لتسـوية النـزاعات الإقليميـة والدوليـة.
وفي أوخـر عام 2009م، اضطرت القـوات الإثيـوبية بالانسحاب من الصـومال، وتزامـن ذلك بتوفيـع اتفاقيـة جيبـوتي بيـن الحكـومة الانتقاليـة والتحالف من أجل إعادة تحـرير الصـومال جنـاح الشيـخ شريف شيخ أحمـد.
في ديسمبر 2013م، أعربت إثيـوبيا عن استعدادها لنشـر قواتها في الصـومال، ولكن هـذه المرة في إطـار قـوات حفظ السـلام الإفريقيـة “الأميصوم”، وقد انضمت القوات الإثيوبية رسميـاً لمهمة بعثـة الاتحاد الإفريقي في الصـومال 22 ينايـر 2014م، بعد موافقـة مجلـس الأمن الدولي بموجب قراره رقـم 1224، الذي نص على إرسال قوات إضافيـة إلى الصـومال.
ويتضح من الاستعراض السابق للأحـداث، أن إثيـوبيا ما زالت قلقـة من تنامي دور التيارات الإسـلامية في الصـومال، حيث لا يمكن لها أن تتحمل وجـود نظـام إسـلامي في القرن الإفريقي يلاصقها شـرقاً، ولذا فإن وجـود حكـومة موالية لهـا في مقديشـو يعد مطلباً ضرورياً بالنسبـة لإثيـوبيا وحلفتها الولايات المتحدة الأمريكيـة.