دول القرن الأفريقي: دورها وتأثيرها في القضية الصومالية (الجزء الرابع)
الصومال الجديد
آخر تحديث: 6/06/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 34
لقـد تنـاول هـذا التقـرير في الحلقات السابقة الاستعمار الأوروبي وتقسميه الصومال والتنافس الدولي على المنطقة بسبب موقعها الاستراتيجي، كما سلطت الأضواء على أهميـة الصـومال بالنسبـة لدول الجـوار الإفريـقي بشكـل عـام، ولجيبـوتي على وجـه الخصـوص، بحكـم ارتبـاطها بالصـومال عـرقياً وثقـافياً ودينيـاً، وكشف عن اهتمـامها الكبيـر بتسـوية وحـل الأزمـة الصـوماليـة النابـع من هـذا الارتبـاط، وفي هـذا الجـزء يستعـرض التقرير السمـات العامـة للسيـاسة الإثيـوبية تجـاه الصـومال، على ضـوء تفاعـل دورهـا حيـال الأزمـة الصـوماليـة.
• مدخـل: جذور الصـراع الإثيـوبي الصـومالي:
من الصعـوبة بمكـان فهـم طبيعـة اهتمـام إثيـوبيا بالصـومال، دون العـودة إلى التـاريخ لسبـر غـور دورهـا التاريخـي ومشـاركتها المباشـرة في مخططـات الاستعمـار لتقسيـم منطقـة القـرن الإفريـقي وإعـادة تشكيـل أوضـاعها وحـدودها السيـاسية قبـل قرنيـن من الزمـان.
وكانـت هـذه المنطقـة محـل تنافـس بيـن الـدول الاستعمـارية الكبـرى، وهـذه القـوى قامـت برسـم حـدود دول المنطقـة وفق مصـالحها الاستراتيجيـة مثيـرة للتناقضـات العرقيـة والجهـوية والنـزاعات داخـل كل دولـة ومـع جيـرانها.
وقـد استفـادت إثيـوبيـا من تقسيـم الاستعمـار للمنطقـة، وقامـت بحملـة توسعيـة على حسـاب جـارتها الصـومال، واستمـرت محـاولاتها لتقسيـم الصـومال واخضاعهـا لسلطانهـا بكـل الوسـائل الماديـة والمعنـوية.
ولهـذا فإن طبيعـة الصـراع التاريخـي بيـن الصـومال وإثيـوبيا، ليـس نـزاعاً على الحـدود السيـاسية، ولا مجـرد قضيـة تتعلـق بأقليـة عرقيـة صـومالية، بقـدر ما هـو صـراع ضـد إثيـوبيا الإمبرياليـة التي استـولت على أجـزاء واسعـة من الأراضـي الصـومالية نتيجـة لمشاركتهـا في تقسيـم الاستعمـار للمنطقـة.
وهـذا يعـد إحـدى العـوامل التي أسهمـت في تأجيـج الصـراع بالمنطقـة، كمـا أن تناقـض المصـالح وتراكـم الخـلافات بيـن البلـدين، لعـبت دوراً محـورياً في نشـوب سلسلـة من الصـراعات والحـروب بيـن الصـومال وإثيـوبيا وذلك منـذ العقـد السـادس من القـرن الماضـي.
وظـل حلـم توحيـد الأراضي الصـومالية حاضـراً في الوعـي الجمعـي الصـومالي، وهـو الأمـر الذي أفـرز حـرباً ضـروساً بيـن إثيـوبيا ودولـة الصـومال الوليـدة، عـام 1964م، نجحـت فيـه الصـومال باستعـادة أجـزاء من أراضيهـا التي اقتطعتـها بريطـانيـا ومنحتـه لإثيـوبيـا، وقـد تطـور النـزاع إلى حـرب شـاملة دارت رحاهـا بيـن عـامي 1977م ـ 1978م، بسـبب مطالبـة الصـومال بإرجـاع إقليـم الصـومال الغـربي (الأوغاديـن).
والغـريب وغيـر المسبـوق في هـذه الحـرب، التي دارت أحـداثها أثنـاء ذروة الاستقطـاب التي تميـزت خارطـة السيـاسة الدوليـة خـلال فتـرة الحـرب البـاردة، إلا أن كـلاً من الاتحـاد السـوفيتي والولايات المتحـدة الأمريكيـة نحيـا خـلافاتهما السيـاسية والأيدولوجيـة جانبـاً ليقفـا معـاً وراء النظـام الإثيـوبي ضـد الصـومال.
وإذا كـانت الولايات المتحـدة وقفـت خـلال تلك الفتـرة إلى جانـب إثيـوبيا، بعـدم دعمهـا الصـومال، فإنهـا باركـت تحـالف الكيـان الصهيـوني ومنظـومة الدول الشيـوعية الدئـرة في فلـك الاتحـاد السـوفييتـي في دعمهـا السيـاسي والعسكـري لأديـس أبابـا.
والمـلاحظ أن عـلامات الدهشـة لا تتوقـف عنـد هـذا الحـد من التحالـف الذي جمـع بيـن الأضـداد، حيـث انضـم لهـذا التحالـف المعادي للصـومال بعـص الدول العربيـة مثـل اليمـن الجنـوبية وهـم أقـرب الأشقـاء العـرب للصـومال، بالإضـافـة إلى حـركات عربيـة أخـرى من بينهـا الجبهـة الديمقـراطية لتحـرير فلسطيـن، وأدى هـذا التحالـف غيـر المسبـوق إلى هزيمـة قاسيـة للصـومال.
ومنـذ ذلك لم ينكبـح جمـاح العـدواة الإثيـوبية للصـومال، حيـث امتـدت أياديهـا بالسـلاح والتدريـب لحـركات التمـرد والجبهـات المسلحـة، بغـرض تأجيـج الصـرعات داخـل الصـومال وتمـزيق دولتهـا.
• إثيـوبيا: واستراتيجيـة ملء الفـراغ:
مـع استيـلاء الجبهـة الديمقـراطية الثـورية للشعـوب الإثيـوبية (EPRDF)، على مقاليـد السلطـة في إثيـوبيا، بعـد دحـرها قـوات نظـام الرئيـس الإثيـوبي منغستـو هيـلا مريـام عـام 1991م، دخـل الصـراع الإثيـوبي الصـومالي مرحلـة تاريخيـة مفصليـة، تميـزت بعـدد من الأحـداث المهمـة التي تركـت آثـارها البالغـة على مجمـل العـلاقات الإثيـوبية الصـومالية.
ومنهـا التحـولات الكبـرى التي شهـدت خارطـة السيـاسة الصـومالية مـع بـداية حقبـة التسعينـات من القـرن العشـرين، المتمثلـة في سقـوط نظـام سيـاد بـري في مقـديشـو عـام 1991م، وما تـلا ذلك من اضطـرابات سيـاسية وحـرب أهليـة خطيـرة أدت إلى الانهيـار الكامـل لجميـع مؤسـسات الدولـة الصـومالية، فيمـا لم تتمكـن فصـائل المعارضـة الصـومالية من مـلء هـذا الفـراغ الذي خلفـه اسقـاط الحكـومة المركـزية، بسـبب كونهـا قائمـة على أسـس قبليـة وجهـوية، فضـلاً عـن افتقـارها لأي مشـروع سيـاسي وطنـي قـادر على إخـراج البـلاد من أزمتهـا الوطنيـة، ممـا جعلهـا هي نفسهـا جـزءاً من المشكلـة وليـس الحـل.
لقـد كـان لهـذه التطـورات والتداعيـات التي سـادت تلـك المرحلـة تأثيـراتها العميقـة في تغيـر خارطـة التوزنـات بمنطقـة القـرن الإفريـقي، ووضـح ذلك بجـلاء في تصـاعد دور إثيـوبيا وتنامـي نفـوذها في الصـومال ودول الجـوار الأخـرى، حيـث بـدأت كقـوة إقليميـة جـديدة تتحسـس خطهـا نحـو تأكيـد أحقيتهـا في قيـادة القـرن الإفريـقي.
ومـع أن الاستـراتيجيـة الإثيـوبية تجـاه الصـومال، ظلـت محـل إجمـاع جميـع الحكـام الإثيـوبييـن، إلا أن القيـادة الإثيـوبية الجـديدة، نجحـت أيمـا نجـاح في تفجيـر الجسـم الصـومالي من الداخـل لتجعـل منـه أشـلاء متناثـرة.
وأوضـح المستشـار الأسبـق لرئيـس الوزراء الإثيـوبي للشـؤون السيـاسية والأمنيـة السيـد/ أبـاي سهـاي “أن السيـاسة الخارجيـة كانت التحـدي الأكبـر التي واجهـت حكـومة الجبهـة الديمقـراطية الثـورية (EPRDF) بعـد وصـولها للسلطـة، إلا أننـا استطعنـا أن نحقـق العـديد من الانجـازات وعلى كافـة المستـويات والأصعـدة، وذلك بفضـل قيـادات الجبهـة أمثـال رئيـس الوزراء الراحـل مليـس زينـاوي، التي كان لهـا دور كبيـر في تحقيـق هـذه الأهـداف.
وقـد جـاء ذلك خـلال تعقيبـه على ورقـة بعنـوان “نضـال شعـب تغـراي من البدايـة حتى المؤتمـر التأسيسـي الأول” قـدمها وزيـر الخارجيـة الإثيـوبي الأسبـق السيـد/ سيـوم مسفـن، ضـمن فعاليـات الاحتفـال بالذكـرى الأربعيـن لتأسيـس جبهـة تحـرير تغـراي (TPLF) بمدينـة مقـلي عاصمـة إقليـم تغـراي.
• تفـاعل إثيـوبيا ودورها حيـال الأزمـة الصـومالية:
كانـت القيـادة الإثيـوبية الجـديدة قـد أعلنـت فـور الإطـاحة بنظـام سيـاد بـري في مقـديشو عام 1991م، مبـادرة سيـاسية لتسـوية النـزاع داخـل الصـومال، وكـانت هـذه المبـادرة واحـدة من أولى المبـادرات الإقليميـة لاحتـواء هـذه الأزمـة، وكانـت تهـدف إلى عقـد مؤتمـر موسـع تشـارك فيـه كـل الفصـائل الصـومالية المسلحـة وكافـة الأطـراف المعنيـة الأخـرى.
وفي أبريـل 1992م، أنشئـت اللجنـة الدائمـة للقـرن الإفريـقي بواسطـة الدول المجـاورة للصـومال، وانتخبـت إثيـوبيا رئيـساً لهـذه اللجنـة، ونظمـت اللجنـة أول اجتمـاع للفصـائل الصـومالية بمدينـة بهـر دار بإثيـوبيا في الفتـرة ما بيـن مايـو ويونيـو 1992م، حيـث ناقـش المشاركـون مختلـف أبعـاد النـزاع الداخلـي، ووافقـت الفصـائل المشـاركة على توزيـع المسـاعدات الإنسـانية وفتـح الموانـئ والمطـارات، كمـا وافقـت على أن تواصـل اللجنـة الدائمـة مشـاوراتهـا مـع كافـة الفصـائل الصـومالية لإنهـاء الصـراع، إلا أن هـذه الجهـود لم تتكلـل بنجـاح.
وقد تبـاينت القـراءات والتحليـلات حـول مضاميـن المبـادرة ودوافعهـا الحقيقيـة، كمـا اختلفـت الآراء حـول الأسبـاب الموضـوعية التي أدت في نهـاية المطـاف إلى فشـلها.
ويـرى بعـض المحلليـن أن ذلك يـرجع للظـروف الإقليميـة والدوليـة السـائدة خـلال تلك الفتـرة، حيـث لم تكـن الـدول الكبـرى الفاعلـة في المشهـد الإقليمـي، مستعـداً لحـل الأزمـة الصـومالية، ولهـذا لم تحـظ المبـادرة الإثيـوبية بالدعـم والمسـاندة الكافيـة من المجتمـع الدولـي، بينمـا يشيـر الآخـرون إلى أن تدخلهـا بشكـل منفـرد في الأزمـة الصـومالية لتحقيـق أهـداف خاصـة دون مرعـاة لاعتبـارات تسـوية واحتـواء الأزمـة، ممـا أسهـم في تأجيـج النـزاع داخـل الصـومال وتمزيـق نسيجهـا الاجتمـاعي والسيـاسي.
رغـم فشـل مبـادرتهـا إلا أن منظمـة الإيغـاد فوضـت رئيـس الوزراء الإثيـوبي الراحـل مليـس زينـاوي، ليقـوم بـدور المنسـق لعمليـة السـلام الصـومالية بالتشـاور مـع الدول المجـاورة، وقـد أكـد مؤتمـر القاهـرة عـام 1993م، هـذا التفويـض، ولهـذا فإن إثيـوبيا اضلعـت بـدور رئيسـي في الأزمـة الصـومالية، وقـد ظلـت تتابـع كافـة تطـورات المسـألة الصـومالية.
وتجـذر الإشـارة إلى أن كافـة التحـركات التي قامـت بهـا إثيـوبيا على صعيـد عمليـة تسـوية الأزمـة الصـوماليـة، جـاءت استنـاداً إلى هـذا التفـويض الممنـوح لهـا من قبـل منظمـة الإيغـاد ومنظمـة الوحـدة الإفريقيـة.