دلالات تقديم مقترح سحب ثقة ضد رئيس مجلس الشعب الصومالي
الصومال الجديد
آخر تحديث: 16/03/2018
أصبح الشعب الصومالي صباح الأربعاء الخامس عشر من شهر آذار/مارس الجاري بنبأ تقديم مقترح سحب ثقة ضد رئيس مجلس الشعب محمد شيخ عثمان جوارى إلى النائب الأول لرئيس المجلس عبد الولي شيخ إبراهيم مودي، فجأة وبدون أي مقدمات، مما أثار سخط واستياء عدد من السياسيين والنواب ومتابعي المشهد السياسي الصومالي المضطرب. وعلى الرغم أن التهم الموجهة للرجل -ومن بينها تأجيل عملية مراجعة الدستور الانتقالي- مطاطية الا أن محاولة إلصاقها به في هذا التوقيت بالذات تثير شوكوكا وتساؤلات حول أهداف مذكرة سحب الثقة المقدمة.
وللوقوف على مجمل مجريات الأحداث السياسية حول محاولة زعزعة استقرار المؤسسة الدستورية في البلاد ودلاتها نقدم للقراء الكرام هذا التحليل الموجز.
وقبل الخوض إلى تفاصيل هذه القضية الخطيرة ينبغي الإشارة إلى أن مذكرة سحب الثقة من رئيس مجلس الشعب لم تأت من فراغ كما يتصوره البعض، وإنما جاءت في إطار استراتيجية سياسية يتبناها سياسيون في فيلا صوماليا تهدف إلى زعزعة استقرار البرلمان الاتحادي من خلال تغيير القيادات التي لا تقبل الإملاءات ومحاولة إعادة صياغ القيادات على قالب مابات يعرف “بالموالاة”، وهذه السياسة كشف عنها زعيم حزب ودجر السياسي المعارض عبد الرحمن عبد الشكور؛ الذي قال إن المسؤلين في فيلا صوماليا اختاروا أسلوب المواجهة بدلا من الاستقرار السياسي مع الولايات الإقليمة، ثم المعارضة السياسية، وأخيرا مع رئيس مجلس الشعب.
من المفارقات العجيبة واللافت للنظر وجود حملة معادية لرئيس مجلس الشعب تهدف إلى تشويه سمعته وإلصاقه بتهم ملفقة عبر وسائل الإعلام، وهذا ما تجلى بشكل واضح للمتابعين عند ما عرض الرسام الشهر أمين عامر صورة مسيئة لجواري، أثارت غضب المواطنين الصوماليين، الذين هاجموا الرسام في تعليقاتهم على الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي كشف عن حقيقة ما كان يرويه الكثير من المتابعين من وجود علاقة قريبة بين الرسام وبين القصر الرئاسي لخدمة المصالح السياسية للمجموعة الحاكمة، وإن كانت مباينة للمصالح الوطنية العامة.
أما مقترح سحب الثقة من رئيس مجلس الشعب فيحمل دلالات، منها:
• محاولة صرف الأنظار عن الحكومة ورئيس الوزرء: يعتقد كثير من المحللين والمتابعين للشأن الصومالي أن مكتب رئيس الوزرء يقف وراء المذكرة ضد جواري؛ الذي يقودها نواب مقربون من مكتبي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. ويصف البعض المذكرة بأنها تأتي في إطار محاولة لصرف الأنظار عن الحكومة ورئيس الوزراء، كما أنه ليس من المستبعد أن ثمة أهدافا لتغيير قيادة مجلس الشعب وخاصة جوارى ضمن مشروع يهدف إلى تطويع المجلس ليكون أداة في يد الحكومة.
• خلق حالة من الانقسام بين أعضاء المجلس: يرى بعض المحللين أن هناك أهدافا خسيسة لخلق حالة من الانقسام بين أعضاء مجلس الشعب لينشغل عن محاسبة الحكومة أوتعطيل عمله إن صح التعبير. وهذه المغامرة السياسية غير محسوبة العواقب تنطوى على مخاطر، لعل أهمها إضعاف المؤسسة الدستورية المخولة لسن وتشريع القوانين. هناك أنباء تتحدث عن حضور عدد من أعضاء الحكومة في المؤتمر الصحفي الذي عقده ليلة الخميس النائب الأول لرئيس مجلس الشعب عبد الولي إبراهيم مودي، والذي قال فيه إن المذكرة ضد جواري قانونية، وهذا خير دليل على صحة ماتداولته وسائل الإعلام من تورط مكتب رئيس الوزراء في القضية.
• عرقلة أعمال المؤسسة الدستورية: اذا استمرت المناكفات السياسية على هذا النحو فإن مجلس الشعب سيكون على موعد مع حالة من الانقسام والتوتر الداخلي التي تعيق المجلس من أداء مهامه الدستورية. ويبدو أن النواب المقدمين للمذكرة مصممون على اسقاط جوارى مهما كان الثمن بغض النظر عن دستوريتها وقانونيتها، فهم سيظلون كذلك غير آبهين مما تؤول اليه هذه القضية من مآلات لاتحمد عقباها.
• مسرحية سياسية لتضليل الرأي العام: وعلى الرغم من أن بعض التحليلات تشير إلى توحد رئيس الجمهورية محمد عبد الله فرماجو ورئيس الوزراء حسن علي خيري وتورط مكتبيهما بشكل مباشر في الحملة السياسية ضد جواري، إلا أن التقارير تشير إلى مساع أطلقها الرئيس فرماجو لتهدئة الوضع السياسي المتأزم، وأجرى لقاءات منفصلة مع كل من رئيس الوزراء حسن علي خيري ورئيس مجلس الشعب محمد شيخ عثمان جواري، لإنهاء ما سمي بخلاف بين الرجلين. ويعتبر بعض المحللين ما يجري في الساحة السياسية بأنه ليس إلا مسرحية سياسية يمثلها أبطال من مكتبي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء لتفجير أزمات سياسية بين الحين والآخر ثم الإسراع إلى إخمادها لتضليل الرأي العام في الشارع وتسليته بروايات سياسية، كلما تنتهي حلقة تبدأ حلقة أخرى. فعلى كل حال فالأيام حبلى وقد تجرى الرياح بما لاتشتهي السفن.