حوار خاص مع الناشط الصومالي البارز جبريل إبراهيم
الصومال الجديد
آخر تحديث: 6/05/2016
خاص بالصومال الجديد
أجرى الحوار محمد عبد الله طالي
أجرى موقع الصومال الجديد التابع لمؤسسة الصومال الجديد للإعلام والبحوث والتنمية حوارا مطولا مع الناشط الصومالي جبريل إبراهيم عبدلي رئيس مركز البحوث والحوار، والذي عمل في مجال السلام والمصالحة وبناء الإدارات في السنوات الخمس والعشرين الماضية. وسبق أن نشر الموقع جزءا من الحوار في نهاية الأسبوع الماضي، ويسره نشر الحوار كاملا وتقديمه إلى القراء الكرام بعد ترجمته إلى اللغة العربية، وفيما يلي نص الحوار:
الصومال الجديد: بما أنك ناشط كبير في منظمات المجتمع المدني وخبير في القضايا الصومالية ما رأيك حول التطورات السياسية التي يمر بها الصومال حاليا:
جبريل إبراهيم: ننظر إلى الأوضاع السياسية الراهنة في البلاد من خلال التطورات الواقعة وتطلعات الشعب الصومالي حيال الخروج من محنة استمرت 25 عاما. الشعب يريد التغيير والتقدم والازدهار. هناك تطورات اقتصادية، وظهرت في الساحة مشاريع تجارية كبيرة. وهناك آمال بعد أن تشكلت أول حكومة مركزية معترف بها دوليا. العالم ينظر إلى الصومال بعين الاهتمام بسبب الظروف الحالية. والمواطن الصومالي يريد الخروج من المأزق. لكن للأسف إن رغبات الشعب لا تتماشى مع الخطوات التي تتخذها القيادة من أجل إنجاح المسيرة. الحكومة والإدارات الإقليمية في البلاد لم تخلق مؤسسات قادرة على تحمل المسؤوليات، وعلى العموم، هناك إيجابيات من جانب، ومن جانب آخر القدرة المطلوبة لتحقيق تطلعات الشعب غير موجودة.
الصومال الجديد: البلاد انتقلت إلى النظام الفيدرالي وهناك عقبات في تطبيق ذلك النظام ما هي رؤيتك للفيدرالية والضجة التي أثيرت حولها؟
جبريل إبراهيم: فيما يتعلق بالقضية الفيدرالية، فإن البلاد أخذت ذلك النظام من الحكم منذ 12 عاما في مؤتمر امبغاتي وأصبح ذلك منصوصا عليه في الدستور. غياب ثقة الشعب بالحكومات المركزية بسبب الاضطهاد الذي تعرضت له شرائح من المجتمع في مناطق مختلفة بالصومال وانعدم الثقة بين القبائل كانت سبب اختيار الفيدرالية. تطبيق الفيدرالية قد يستغرق مئآت السنين في بعض الدول. العموم الصومال الآن دولة فيدرالية، لكن يجب أن نذكر أن مسيرة تطبيق الفيدرالية – أعنى تشكيل الإدارات الإقليمية في السنوات الماضية – تمت بسرعة وفي وقت قصير، ولم يجد تشكيل تلك الإدارات الوقت الكافي، إذ كان ذلك من واجبات الحكومة، والتي كان أمامها تنفيذ ثلاث مهام رئيسية: استكمال الدستور وإيصال البلاد إلى الانتخابات وتطبيق الفيدرالية. بالنسبة لموضوع الفيدرالية فإن العديد من الولايات تشكلت على أساس غير متين بسبب التركيز على قيام الولايات فقط، لكن من الممكن تصحيح الأخطاء الواقعة في تشكيلها في المستقبل من قبل سكان الولايات إذا حصلوا على فرصة في تحقيق ذلك.
وبالرغم من قيام العديد من الولايات الإقليمية إلا أن هناك إشكاليات تواجهها من بينها تقاسم السلطة والحدود والضرائب وإدارة الموانئ والثروات الطبيعة. المشكلة أنه تم التركيز عند تشكيل الولايات على اختيار رئيس الولاية وتشكيل البرلمان دون توسيع الإدارة وإيصالها إلى جميع المديريات التي تمثلها، ومن القضايا العالقة التي لم يتم البت فيها تحديد مقام العاصمة مقديشو من النظام الفيدرالي، ولدي مخاوف من أن يؤدي النظام الفيدرالي إذا لم تتم إدارته بشكل جيد إلى تجدد الحروب الأهلية مثلما حدث نهاية العام الماضي في مدينة جالكعيو. واعتقد أن هناك حاجة إلى إجراء مزيد من المناقشات لجعل تطبيق الفيدرالية ناجحا ومؤديا إلى تماسك الصوماليين.
الصومال الجديد: هناك خلافات في عملية تشكيل ولاية إقليمي شبيلى الوسطى وهيران، ما هي أسباب المشكلة؟
جبريل إبراهيم: كان المفروض أن تمنح الحكومة سكان الإقليمين فرصة لتشكيل الولاية لكنها تدخلت في شئونها مما جعل الأمور أكثر تعقيدا. ومعلوم أنه لا يمكن تشكيل ولاية من دون وجود مصالحة بين سكان المناطق التي تمثلها، والمشكلة أن الحكومة اتخذت قرارات مصيرية تتعلق بتشكيل ولاية الإقليمين تتمثل في تحديد مكان انعقاد مؤتمر تشكيلها وعاصمة الولاية دون التشاور مع المعنيين بالأمر.
والخلاف في تشكيل ولاية إقليمي هيران وشبيلي الوسطى ليس بين القبائل وإنما بين السياسيين في الإقليمين، الرئيس الصومالي يريد نصب حليف له رئيسا للولاية، بينما السياسيون المعارضون له يرفضون ذلك، وكنا نتوقع أن تكون قيادة الدولة مرجعا لحل الخلافات حول تشكيل الولاية لكنها أصبحت جزءا من المشكلة، وهناك توقع بتدخل جهة ثالثة كالأمم المتحدة لتجاوز العقبات أمام تشكيل ولاية إقليمي هيران وشبيلي الوسطى، كما أن هناك مخاوف إذا استمرت الأمور علي ما هي عليه من الإعلان عن إدارة في مدينة جوهر وإدارة موازية في مدينة بلدوين وأن تؤول الأمور إلى البحث عن حل بين إدارتين تتنازعان في الإقليمين مثلما هو الحال في الأقاليم الوسطى التي تتنازع فيها ولاية جلمدج وإدارة الأقاليم الوسطى التابعة لتنظيم أهل السنة والجماعة.
الصومال الجديد: هل يمكن أن تقع الانتخابات المرتقبة في وقت لاحق من العام الجاري في موعدها؟
جبريل إبراهيم: إجراء الانتخابات ليست مهمة صعبة، فإن أساسها أربعة بنود، الأول دستور يحدد سير الانتخابات، الثاني تهيئة الأجواء الأمنية، الثالث توفير الموارد المالية، الرابع اللجان التي تدير الانتخابات، وكان المفروض أن تبدأ الاستعدادات للانتخابات قبل عامين لكن ذلك لم يحدث بسبب الخلافات التي شلت أعمال الحكومة. هناك ترتيبات تجري وجداول زمنية محددة لأعمال الانتخابات.
الصومال: كيف ترى قرارات قيادة منتدى التشاور الوطني وهل تتماشى مع رغبات الشعب الصومالي؟
جبريل إبراهيم: لا شك أن تلك القرارات في مجملها تترجم عن رغبات قادة المنتدى ومصالحهم السياسية لكن رعاية المصلحة العامة أهم. ويبدو أن قيادة البلاد لم تبذل أي جهد لشرح ما تم الاتفاق عليه للشعب الصومالي حتى أصبح 12 مليون صومالي لا يعرفون مستقبلهم السياسي، ومما يدعو إلى الاستغراب أن تكلفة الانتخابات يمكن أن تصل إلى أكثر من 50 مليون دولار، ولا أحد يعلم حتى الآن من أين يأتي هذا المبلغ.
الصومال الجديد: هناك في الأوساط الشعبية والسياسية من ينتقدون النظام الحالي ويخافون من محاولة قيادته العودة إلى السلطة أو التشبث بها كيف ترى ذلك؟
جبريل إبراهيم: هذا الشعور لدي ولدى كثير من الصوماليين لكن الشعب الصومالي متيقظ لا يمكن أن يخدع بعد 25 من المعاناة، ولن يقبل أي محاولة لاستغلال السلطة وتوظفيها في تحقيق المصالح الخاصة. للأسف لم تبذل الحكومة الحالية جهودا لترك بصمات في التاريخ كما فعلت الحكومات التي سبقتها مثل حكومة الرئيس الصومالي الراحل عبد الله يوسف أحمد التي نجحت في إدارة البلاد من القصر الرئاسي في مقديشو وحكومة الرئيس السابق شريف شيخ محمد التي نجحت في طرد حركة الشباب من العاصمة.
إن على القيادة الحالية تهيئة الأجواء لإجراء انتخابات وإفساح المجال أمام الصوماليين لاختيارهم إذا ساعدهم الحظ أو اختيار غيرهم. أما محاولة العبث بمستقبل الشعب فلن يكتب لها النجاح.
الصومال الجديد: عملت وقتا طويلا في منظمات المجتمع المدني وشاركت في جهود بناء الوطن والولايات الإقليمية هل تعتقد أن المجتمع المدني وجد فرصة خلال فترة النظام الحالي للمشاركة في رسم مستقبل البلاد ؟
جبريل إبراهيم: كنا نتوقع أن قيادة البلاد الحالية التي انبثقت من منظمات المجتمع المدني ستعطي فرصة لتلك المنظمات لكن بالعكس اعتبرتها عدوا وحصرت السلطة في يد مجموعة أغلقت الأبواب دون الصوماليين بمن فيهم الناشطون الاجتماعيون الذين لم يأخذوا دورهم، وأعتقد أن الوضع لكان أفضل لو أخذت منظمات المجتمع المدني دورها في العمل الوطني.
الصومال الجديد: تناولت وسائل الإعلام أخيرا أنك مرشح للانتخابات الرئاسية القادمة هل هذا صحيح ؟
جبريل إبراهيم: الشعب الصومالي واجه تحديات كبيرة خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية ويريد التغيير، وبالتالي يأمل ظهور قيادة قادرة على إحداث ذلك التغيير. يمكن أن رغبات الشعب هي السبب وراء الأنباء المتداولة حول ترشحي للرئاسة، لكنني لم أعلن حتى الآن عن ترشحي، وأشاطر الشعب الصومالي في البحث عن التغيير وأشعر بنفس الضغوط التي يشعرون بها. الحقيقة أن الصومال يمر بمرحلة انتقال سياسي، وهناك فرص محددة تسمح بإيصال الصومال إلى الاستقرار والتقدم، وأعتقد أن الوطن يتطلب في الفترة القادمة قيادة ذات كفاءة وقادرة على التعامل مع القضايا الداخلية والخارجية المعنية بالصومال. أرجو من الحكومة الحالية أن تمنح الشعب فرصة لاختيار قيادة تحظى باحترامه وتقديره ويتم اختيارها لأدائها لا لانتمائها القبلي وتمكنه من تقييم الشخص الذي يقلده المسئولية وأتمنى أن يشارك في الانتخابات القادمة كثير ممن كانوا خارج اللعبة السياسية.
الصومال الجديد: كمتابع للسياسة الصومالية منذ أكثر من عقدين من الزمان وشاهد على تجارب الحكومات السابقة من القائد الذي تحتاج إليه البلاد؟
جبريل إبراهيم: هذه قضية مهمة فالعديد من الدول في القارة الإفريقية وغيرها والتي عانت من الحروب الأهلية تجاوزت مشاكلها بعد حصولها على القيادة المناسبة، ومن هذه الدول ليبيريا وسيراليون وغيرهما، وهناك تطورات جديدة في البلاد يجب أخذها بعين الاعتبار مثل تبني النظام الفيدرالي وانعدام الثقة بين الصوماليين وكثرة القضايا الخلافية، لذلك فإن الصومال في حاجة إلى قائد قادر على الحفاظ على وحدة البلاد وتحقيق المصالحة بين القبائل ويحظى بثقة الشعب.
كما أن محاربة الفساد حاجة ملحة، حيث إن الفساد يدمر الدول التي تتعافى من الحروب الأهلية، ومن الضروري بناء مؤسسات الدولة لتجاوز القبلية وإعادة بناء قوات وطنية قادرة على النهوض بالمسئولية الأمنية، ومعلوم أن بعثة الاتحاد الإفريقي تقوم حاليا بحماية الميناء والمطار والرئاسة وغيرها من المرافق الحيوية وأن انسحابها يعني انهيار الدولة مما يجعل إعادة بناء القوات المسلحة الصومالية ذات أهمية كبيرة. وعلى كل حال فالصومال بحاجة إلى قيادة قادرة على تشكيل القوات المسلحة لتتحمل المسؤولية الأمنية في البلاد.
من ناحية أخرى الصومال يحظى باستراتيجية عالمية، فقد تحقق أن لديه نفطا، كما أن فيه إرهابيين وقراصنة، وهما من القضايا التي تحظى بالاهتمام الدولي، بالإضافة إلى وجود فرص اقتصادية فيه، مما يجعل من الضروري أن يكون القائد المقبل شخصية قادرة على تحسين السياسة الخارجية بما في ذلك التعاون مع دول المنطقة والدول العربية التي لها مصالح في الصومال، ولم تحصل على قيادة يمكن التعامل معها.
ولا شك أن الشعب الصومالي يرفض أن تكون قيادة البلاد حكرا على جماعة دينية كما أن من الأهمية بمكان إزالة الفجوة بين الشباب الذي يشكل 70% من المجتمع وبين قيادة البلاد المقبلة.
الصومال الجديد: كثير من العرب والناطقين باللغة العربية سيقرأون هذا الحوار الذي أجرته معك مؤسسة الصومال الجديد فما هي رؤيتك للعلاقات بين الصومال والأمة العربية ؟
جبريل إبراهيم: للصومال علاقات تاريخية مع الأمة العربية لكن تلك العلاقات ضعفت خلال سنوات الحرب الأهلية، فبعض الدول العربية المهتمة بالقضية الصومالية لم تحصل على قيادة يمكن التعامل معها، كما أننا نحن الصوماليين نعتقد أن جهود أشقاءنا العرب في مساعدة بلادنا لم ترق إلى المستوى المطلوب، لكنني أعتقد أن الصومال لن يقدر على القيام بقدميه بدون دعم الدول العربية، كما أن غياب صومال قوي عن الساحة العربية يعتبر ثغرة، وأرى أن الوقت قد حان لتقوية علاقات الصومال بالدول العربية التي بإمكانها الاستثمار في الصومال الذي يتمتع بموقع استراتيجي وموارد اقتصادية. الوضع في الصومال مختلف تماما عما كان عليه قبل 15 عاما أو قبل 20 عاما، وبوسع الدول العربية الاستثمار في الصومال. وأتمنى أن يأخذ إخواننا العرب إجازاتهم الصيفية في المزارع الصومالية وما علينا إلا تهيئة الأجواء لذلك.
وأود أن أؤكد ارتباط الأمن العربي بالأمن الصومالي فالطائرات التي تقلع من مطار مقديشو مثلا تهبط في دبي أو الرياض أو الدوحة وأن حدوث أي خلل أمني في الصومال يمكن أن ينعكس سلبا على الدول العربية الشقيقة، لذلك آمل من تلك الدول أن تساهم في إحلال السلام في الصومال وأن لا يتركوا القضية الأمنية الصومالية لدول أجنبية بعيدة عن الصومال، وللأسف فإن دولا غربية تنفق الكثير في تحسين الأمن في الصومال لكننا نلاحظ أن الدول العربية بدأت مساعدة الصومال في الأمن وغيره، فها هي دولة الإمارات العربية المتحدة تدفع جزءا من رواتب الجيش الصومالي وتقدم التدريبات له كما تقدم مساعدات أخرى للحكومة الصومالية، كما أن الممكلة العربية السعودية بدأت أيضا منح مساعدات مالية مباشرة للحكومة الصومالية، وقد قدمت بالفعل عشرين مليون دولار للحكومة. وأتمنى اختيار قيادة ستفتح آفاقا جديدة للعلاقات الصومالية والعربية، كما أتمنى أن يقدم الأشقاء العرب الدعم إلى المؤسسات الصومالية لا إلى شخصيات أو حركات إسلامية.
ولا يسعنا إلا أن نقدم الشكر الجزيل إلى المنظمات العربية التي بقيت في الصومال بعد انسحاب القوات الدولية والهيئات الإغاثية الغربية عام 1995 ولولا بقاء تلك المنظمات لحصلت كارثة إنسانية كبيرة في البلاد.
الصومال الجديد: ما هي رسالتك إلى الشعب الصومالي؟
جبريل إبراهيم: ادعو الشعب الصومالي الذي عانى كثيرا إلى معرفة الفرق بين بناء المؤسسات الوطنية وبين الرغبات الشخصية، وأن يدركوا أن المصلحة الخاصة تتحقق في إطار المصلحة العامة، وأشجعهم على العمل في بناء مستقبل بلادهم وعدم ترك مصالح البلاد لفئة معينة وأن يشارك الجميع بمن فيهم رجال الأعمال والمغتربون في ذلك. أتوقع أن يكون تعافي الصومال سهلا وأن يتبوأ مكانة مرموقة من بين دول منطقة القرن الإفريقي خلال السنوات العشر المقبلة، وأعتقد أن كل ما يحتاج إليه الصومال هو قيادة رشيدة والتعاون والصبر، وأوجه أخيرا دعوة خاصة إلى علماء الدين، وأطلب منهم أن يدعو الله في أن تخرج بلادنا من مشاكلها.
الصومال الجديد: شكرا جزيلا