توترات محافظة هيران .. الأسباب والتداعيات والنتائج المتوقعة
الصومال الجديد
آخر تحديث: 5/12/2020
تشهد مدينة بلدوين حاضرة محافظة هيران اليوم السبت هدوءا نسبيا، بعد يوم من المواجهات المسلحة والاحتجاجات الشعبية المصاحبة بأعمال شغب، تعبيرا عن موقف سكّان المدينة المعارض لنتائج انتخابات هيرشبيلي الأخيرة، والرافض لزيارة كانت محتملة أن يقوم بها يوم أمس الجمعة إلى مدينة بلدوين علي غودلاوي حسين رئيس هيرشبيلي الجديد.
وتتواصل جهود يبذلها شيوخ عشائر وسياسيون منحدرون من محافظة هيران لتسوية الأوضاع هناك، إذ يقيم حاليا في بلدوين كل من الجنرال مختار حسين أفرح، وزير داخلية الصومال، يوسف أحمد هغر دباغيد نائب رئيس هيرشبيلي، وعبدالحكيم لقمان رئيس برلمان هيرشبيلي.
وتفيد الأنباء الواردة من بلدوين إلى أن وزير الداخلية الجنرال مختار حسين أفرح قد توصل يوم أمس الجمعة مع أعيان المدينة ووجهائها إلى اتفاق مبدئي يتكون من 4 بنود أساسية هي:
1.تأجيل زيارة الرئيس علي غودلاوي للمدينة ريثما تُحل الخلافات السياسية حول زيارته.
2.تعدم مواجهة القوات الحكومية للمتظاهرين السلميين في بلدويني ضدّ إدارة هيرشبيلي بالقوة والحديد والنار.
3.مشاركة شيوخ العشائر ووجهاء المدينة في إنهاء التوترات وإعادة فتح الطرقات المغلقة بسبب المظاهرات والمواجهات.
4.أن يقدّم وجهاء المنطقة قائمة بشكاواهم إلى الوزير ليقدّمها إلى قادة الحكومة الفيدرالية، وخاصة إلى الرئيس فرماجو.
ما الّذي يحدث في هيران؟
في الـ 23/نوفمبر/2020م، تناقلت وسائل إعلام محلية أن رئيس هيرشبيلي قام بتأجيل زيارة مرتقبة له إلى بلدوين بعد إعلان جبهة مسلحة تتمركز في منطقة عيل غال خارج مدينة بلدوين رفضها لزيارة الرئيس وتهديدها بشن هجوم على المدينة إذا ما أصر الرئيس على الوصول إليها.
ويتزعم هذه الجبهة الجنرال أبوبكر ورسمي حود أحد المرشحين المنسحبين من السباق الرئاسي لهرشبيلي احتجاجا على طريقة إدارة هذه الانتخابات ودور الحكومة الفيدرالية فيها.
ويصف عبدالرحمن عبدالشكور ورسمي زعيم حزب ودجر المعارض أحداث مدينة بلدوين بثورة شعبية ناجمة عن عدم إصغاء الحكومة الفيدرالية لدعوات إجراء مصالحة حقيقية بين سكّان هيرشبيلي قبل بناء الإدارة الجديدة لها، مما أدى إلى الوضع الحالي المأزوم في بلدوين.
وقال عبدالرحمن عبدالشكور ورسمي في منشور نشره يوم أمس الجمعة على صفحته في الفيس بوك: “إن الثورة الشعبية في هيران هي نتاج إهمال السلطات لإجراء مصالحة حقيقية بين أبناء المنطقة، كما أنها تمثل تفسيرا أوّليا للنفق المظلم الّذي تتّجه إليه الصومال، وعليه فإني أدعو إدارة هيرشبيلي وسياسييها ووجهاءها إلى السعي لحل الأزمة ومواجهتها على قدر من المسؤولية والاحترام والابتعاد عن كلّ ما يزيد الطين بلة والأمور تعقيدا”.
أما عبدالله محمد سنبلولشي الرئيس السابق لجهاز المخابرات والأمن الوطني والعضو البارز في منتدى الأحزاب الوطنية المعارض، فيصف ما يجري في هيران بثورة شعبية ضدّ تدخلات الحكومة الفيدرالية.
وقال سنبلولشي في مقابلة تلفزيونية مع قناة 5 TV الصومالية: “يشتكي سكّان هيران من الإدارة الجديدة لهيرشبيلي التي يعتقدون أنهم لم يشاركوا في بنائها و لم يشاورهم أحد حول عمليات بنائها”.
أما عبدالله غوذح بري وزير التعليم السابق في الحكومة الفيدرالية فيصف بما يجري في هيران بأنها عملية استهداف عشيرة معينة من عشائر ولاية هيرشبيلي، متهما الرئيس فرماجو وعلي عبدالله غودلاوي رئيس هيرشبيلي بتهميش دور إحدى عشائر محافظة هيران.
أسباب التوتر في محافظة هيران وتداعياتها:
يمكن حصر أسباب التوتر في محافظة هيران بالنقاط الآتية:
–شعور عشيرة من عشائر الولاية بتهميش دورها في بناء إدارة هيرشبيلي، وسلب حقوقها الأساسية في إدارة هيرشبيلي، إذ إن سياسيي هذه العشيرة يتمسكّون بأن منصب رئيس الولاية من حقّها تبعا لنظام المحاصصة القبلية المعروف في الصومال لتقاسم السلطة، ووفقا لهذا النظام فإنّ الرئيس الحالي للولاية ينحدر من قبيلة منحها النظام القبلي منصب نائب رئيس الولاية إلى جانب اتخاذ إحدى مدن هذه القبيلة عاصمة للولاية، ومن أبرز القائلين بهذا الرأي السيد علي عبدالله عوسبلي أول رئيس لهذه الولاية.
–تدخّلات الحكومة الفيدرالية: يشتكي معظم سياسيي محافظة هيران من تدخلات الحكومة الفيدرالية في عملية إدارة هيرشبيلي دون منح السكان الأصليين القدر الكافي من المشاورات والجهود الهادفة لبناء إدارة جديدة، وفي هذا يقول السيد غوذح برّي وزير التعليم السابق أن القيادة الفيدرالية لم يكن يهمها عند تشكيل إدارة هيرشبيلي الجديدة مصير سكان الولاية بقدر ما كان يهمها إيصال شخصيات موالية لها إلى رئاسة هيرشبيلي ليساعدوها في إقناع النواب المنحدرين من الولاية في البرلمان الفيدرالي على التصويت لصالح قادة الحكومة الحالية في الانتخابات القادمة.
–محاولات رئيس هيرشبيلي لزيارة مدينة بلدوين: مما أثار القضية من جديد وأوصلها إلى درجة الاحتجاجات الشعبية والمواجهات المسلحة محاولة الرئيس علي غودلاوي لزيارة بلدوين قبل تسوية الخلافات مع السياسيين المنحدرين من هيران وإقناعهم باعترافه رئيسا لهيرشبيلي.
النتائج المتوقعة:
ليست هذه المرّة هي المرّة الأولى التي تشهد فيها ولاية صومالية فيدرالية توترات بسبب تورّط الحكومة الفيدرالية في الانتخابات الولائية، فقد شهدت ولاية جنوب غرب الصومال أواخر 2018م ، توتّرات أمنية أدت إلى مقتل العشرات من المدنيين المتظاهرين واعتقال بعض المرشحين، لضمان فوز عبدالعزيز لفتاغرين الرئيس الحالي لجنوب غرب الصومال الموالي للحكومة، مما دعا نيكلاس هايسوم المبعوث الأممي السابق إلى الصومال آنذاك بإجراء تحقيق جاد حول ما حدث في مدينة بيدوة، ولربما، ذلك هو ما دفع الحكومة الفيدرالية بأن تصفه بشخصية غير مرغوب فيها وبالتالي ينبغي عليه مغادرة البلاد، وهو ما تم فعلا مع مطلع عام 2019م.
كذلك شهدت ولاية غلمذغ مطلع عام 2020 مواجهات مسلحة بين مقاتلي تنظيم أهل السنة والجماعة وقوات حكومية في مدينة طوسمريب، مما أدى إلى سحق مقاتلي التنظيم – الشريك السياسي القوي في الولاية- وحمل قادتهم على الاستسلام، ومن ثم مغادرتهم البلاد. ولربما كان هدف هذه المواجهات إقصاء معارضي أحمد قورقور الموالي للحكومة الفيدرالية الذي انتخب رئيسا لغلمذغ.
فإنه وانطلاقا من هذه القرائن وبناء على تلك المعطيات، فإن النتائج المتوقعة من الأحداث الجارية في هيرشبيلي ستكون مؤلمة – لا قدر الله- ما لم يأت الطرفان بتنازلات كبيرة تقدّم المصالح العامة على المصالح الخاصة، مع الأخذ بعين الاهتمام والاعتبار بتركيبة الجغرافية السكانية لهذه المنطقة التي تضم مزيجا من القبائل والعشائر التي ينبغي العمل على التقريب فيما بينها وطرد كل ما من شأنه أن يحدث فرقة أو اصطداما بينها.
إن الاستماع لدعوات التهدئة وتقدير جهود الساعين لإنهاء الأزمة سلميا، يعتبر فرصة كبيرة لإنهاء الخلافات سلميا ولتعزيز التعايش السلمي بين أبناء المنطقة، وعليه فإنه يتحتّم على جميع الأطراف السعي إلى إثمار هذه الجهود وإنجاحها لتجنيب البلاد والعباد من مغبة تصرفات شخصية وحزبية ضيقة طائشة.