تناقضات وإشكاليات تكتنف تشكيل ولاية جلمدج
الصومال الجديد
آخر تحديث: 28/06/2015
عبد الحكيم علي
أحرز مؤتمر تشكيل ولاية جلمدج تقدما بانتخاب رئيس برلمان الولاية ونائبيه أمس بعد تشكيل البرلمان والمصادقة على دستور الولاية، إلا أن تناقضات وإشكاليات تكتنفه منذ بدايته.
فقد كشفت جهود تشكيل ولاية جلمدج عن تناقضات في مواقف الحكومة الفيدرالية حيث نص البند الأول من اتفاقية تشكيل ولاية وسط الصومال التي أشرفت عليها الحكومة الصومالية بحضور ممثلين من الأمم المتحدة ومنظمة الإيقاد والاتحاد الإفريقي والتي تم التوقيع عليها في مقديشو في 30 يوليو 2014 على أن تكون تلك الولاية مكونة من إقليمي مدج وجلجدود لكنها تراجعت عن ذلك إثر اعتراض ولاية بونت لاند على الاتفاقية، وتوصل رئيس الوزراء السابق عبد الولي شيخ أحمد مع إدارة بونت لاند في أكتوبر 2014 إلى اتفاقية أنهت توتر العلاقات بينها وبين الحكومة الصومالية التي وافقت على جعل ولاية وسط الصومال مؤلفة من إقليم جلجدود وجنوب مدج منتهكة بذلك دستور البلاد الذي ينص على أنه لا يمكن تشكيل ولاية من أقل من إقليمين من الأقاليم لصومالية الـ18.
وعززت الاتفاقية المبرمة بين الحكومة الفيدرالية والولايات والتي تم التوقيع عليها في جروي في 2 مايو 2015 بحضور الرئيس حسن شيخ محمود موقف الحكومة السابق من تشكيل ولاية وسط الصومال حيث نص البند الـ4 من الاتفاقية المذكورة على جعل تشكيل الولايات قائما على أساس الدستور المؤقت واحترام االبند الـ 13 من الاتفاقية الموقعة في 14 أكتوبر 2014 بين الحكومة الفيدرالية وولاية بونت لاند والذي قضى ببقاء الأجزاء الشمالية من مدج تحت إدارة بونت لاند.
والبند الوارد في اتفاقية مايو الماضي رغم أنه يناقض نفسه لأن جعل تشكيل الولايات قائما على أساس الدستور لا يتماشى مع تشكيل ولاية وسط الصومال من إقليم جلجدود وجنوب مدج، إلا أنه كان صريحا في التزام الحكومة بما توصلت إليه مع بونت لاند رغم مخالفته للدستور غير أن الحكومة تراجعت عنه بعد المصادقة على دستور ولاية جلمجد في 17 من يونيو الجاري والذي تضمن بندا ينص على أن الولاية الجديدة ستتكون من إقليمي جلجدود ومدج بالكامل، حيث رحب وزير الداخلية والشئون الفيدرالية عبد الرحمن محمد أودوا بالمصادقة على الدستور الجديد وقال إنه سيكون أساس تشكيل إدارة جلمدج.
هذا الموقف الجديد أغضب ولاية بونت لاند التي اعتبرته تملصا من الاتفاقية المبرمة بينها وبين الحكومة الفيدرالية، وأصدرت عدة تصريحات اتهمت فيها الحكومة بصرف النظام الفيدرالي عن مساره الصحيح كما اتهمت رئيس البرلمان محمد شيخ عثمان جواري الذي شارك في أولى جلسات برلمان جلمدج بمعاداة ولايتي بونت لاند وجوبا، وأشارت إلى أن إدارة جلمدج ستقود المنطقة إلى حرب أهلية وأبدت استعدادها لاستخدام القوة للدفاع عن أراضيها.
وابتعد كل من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في الصومال السفير نيكلوس كاي عن الإشارة إلى معارضة بونت لاند لدستور ولاية جلمدج ورفضها ضم الأجزاء الشمالية من مدج إلى تلك الولاية واكتفيا بالترحيب بتشكيل برلمان جلمدج الذي ذكر الرئيس أنه يترجم عن التقدم المحرز في تنفيذ النظام الفيدرالي واعتبره طلوع فجر جديد لسكان المناطق الوسطى، وبعث رسالة طمأنة إلى بونت لاند، بقوله إن الحكومة الفيدرالية قائمة على مبادئ المصالحة وإنها لن تدعم ولاية تشكل تهديدا على أمن ولاية أخرى قائمة في البلاد.
لكن ترحيب الرئيس الصومالي والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ببرلمان جلمدج اعتبر اعترافا ضمنيا بدستور الولاية الجديدة الذي عارضته بونت لاند لأن البرلمان تم تشكيله على أساس ذلك الدستور، وهذا ربما يفسر انتقاد بونت لاند الحكومة الفيدرالية وبعض الجهات الدولية بانتهاك القوانين الفيدرالية.
وقد فوجئ كثيرون بمعارضة ولاية بونت لاند التي كانت تعتبر نفسها رائد الفيدرالية في الصومال لضم جزء من مدج تابع لها إلى ولاية وسط الصومال وتساءلوا عما إذا كانت الفيدرالية- التي كانت تدعو إليها- فيدرالية قائمة على أساس عشائري ، غير أن السبب الكامن وراء تلك المعارضة هو خوف ولاية بونت لاند من أن يكون اقتطاع الأجزاء الشمالية من مدج منها بداية لتفكك الولاية التي تواجهها أيضا تحديات من أرض الصومال وولاية خاتمة اللتين تنازعانها في إقليمي سول وسناج، فإن خروج شمال مدج وإقليمي سول وسناج من سيطرتها يجعل بونت لاند ولاية تتكون من إقليمي نجال وبري فقط بمعنى أنها تكون ولاية أقل حجما من ولايتي جنوب غرب الصومال وجوبا اللتين تتكونان من ثلاث أقاليم وهذا مرفوض من قبل قادة بونت لاند لأنه يمس هيبة أقدم ولاية تم تأسيسها في الصومال.
المطلوب من الحكومة الصومالية اتخاذ موقف صريح من الخلاف القائم بين بونت لاند وولاية جلمدج في الأجزاء الشمالية من مدج وتوضيح ما إذا كانت لا تزال تحترم الاتفاقيات التي توصلت إليها مع بونت لاند بشأن بقاء تلك الأجزاء تحت إدارتها رغم خرقها لدستور البلاد أم أنها تراجعت عنها ووافقت على ما نص عليه دستور جلمدج من ضمها إلى ولاية وسط الصومال قبل أن يؤدي ذلك الخلاف إلى تفجر الأوضاع في المنطقة خاصة بعد التهديدات المتبادلة بين بونت لاند وبعض قادة الاقاليم الوسطى، فقد اتهم الجنرال عبدي قيبديد بونت لاند بأنها دأبت على تهديد الحكومة الصومالية وإجبار قادتها على توقيع اتفاقيات حسب هواها، وذكر أن سكان الأقاليم الوسطى لا يعيرون أي اهتمام لتهديداتها، وأشار إلى أن بونت لاند إذا اختارت الحرب فإنهم سيقومون بالرد المناسب.
كما أن على الحكومة أن تبحث عن حل للإشكاليات التي تواجهها من تنظيم أهل السنة والجماعة الذي قاطع مؤتمر عدادو وبدأ في دوسمريب مؤتمرا آخر لتشكيل ولاية للأقاليم الوسطى مكونة من إقليمي جلجدود وهيران وجنوب مدج والذي بدأت تتوافد إليه بعض العشائر التي استشعرت بتهميش دورها في مؤتمر عدادو.
من المتوقع أن يكتمل تشكيل ولاية جلمدج بعد اختيار رئيسها في الـ 4 من يوليو القادم وقيامه بتعيين أعضاء إدارته وستكون تلك الإدارة هي المعترف بها لدى الحكومة الفيدرالية والمجتمع الدولي، لكن تحديات كبيرة سوف تواجهها على الأرض سواء كانت من جانب بونت لاند المجاورة أو من أهل السنة التي تسيطر على عاصمتها دوسمريب وكذلك من حركة الشباب التي ما تزال أجزاء من إقليمي مدج وجلجدود تحت سيطرتها، كما أن الخيارات المطروحة أمام الحكومة الصومالية لجعل الإدارة الجديدة إدارة فاعلة محدودة وهي إما أن تلجأ إلى القوة لهزيمة خصومها عسكريا أو الموافقة على بقائها إدارة شكلية ليس لها سلطة فعلية على إقليمي مدج وجلجدود.