تقارب مثمر للصومال مع الغرب وتصحيح للصورة أمام المنظمات الأممية
الصومال الجديد
آخر تحديث: 29/12/2022
القاهرة: صفاء عزب
منذ تولى الرئيس حسن شيخ محمود مقاليد الحكم في البلاد، حدثت تطورات ملحوظة في علاقة الصومال بالعالم الخارجي وشهدت الفترة الأخيرة تحولات إيجابية مهمة في السياسة الخارجية الصومالية ساهمت في حدوث مزيد من الانفتاح على الدول الكبرى وكسرت حاجز العزلة الذي فرضته ظروف سياسية سابقة على دولة الصومال. ويحسب للرئيس شيخ محمود جولاته المكوكية وتحركاته النشيطة التي أذابت الجليد وأعادت الدفء والحرارة وبثت الحياة من جديد في علاقاتها الدبلوماسية بمختلف دول العالم.
بالنظر إلى المرحلة الحالية نجدها تشهد مؤشرات قوية على استعادة العلاقة الإيجابية مع الدول الكبرى في العالم الغربي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والتي فتحت أبوابها مؤخرا لاحتضان الصومال وغيره من الدول الإفريقية في فعاليات القمة الإفريقية الأمريكية. كما بدا ملحوظا التطور الكبير والتقارب في علاقة الصومال بالدول الأوروبية. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل شهدت هذه الفترة تقاربا وتعاونا كبيرا بين الصومال وكثير من المنظمات الدولية المهمة.
لقد شهدت العلاقات الأمريكية الصومالية مؤخرا تقاربا جيدا بعد فترة سابقة من التباعد والجمود، أكدته بعض الدلائل والمؤشرات الواضحة منها تكرار زيارة مسؤولين صوماليين للولايات المتحدة الأمريكية وانعقاد لقاءات مكثفة بين الطرفين خلال فترة وجيزة، كما تكرر اجتماع الرئيسين الصومالي والأمريكي أكثر من مرة خلال شهور قليلة عقب تولي شيخ محمود السلطة في بلاده، كان آخرها خلال القمة الأمريكية الإفريقية التي عقدت مؤخرا بعد توقف ثماني سنوات وأشاد خلالها رئيس الولايات المتحدة بعمليات تحرير المناطق الصومالية، والتي أظهرت قدرة الحكومة والشعب الصومالي على القضاء على الإرهاب، وأكد دعمه المستمر للحكومة الصومالية. يذكر أن واشنطن حرصت على توجيه الدعوة للصومال في الوقت الذي استبعدت فيه دولا أخرى بالمنطقة، ما يشير إلى تطور كبير في العلاقة انعكس واضحا على التصريحات الأمريكية الرسمية فيما يخص الشأن الصومالي. حيث عبّر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عن تقدير بلاده للعلاقات القوية مع دول إفريقية منها الصومال وثمن مشاركتهم وقيادتهم المستمرة في دعم الأمن الإفريقي والإقليمي. وكانت السفارة الأمريكية بالصومال قد أكدت على استمرار دعمها للشعب الصومالي لتوفير الأمن والسلام له ووعدت واشنطن بإعادة إمداد قوات الجيش الصومالي الذي يقوم بحملة كبيرة على حركة الشباب. ونقضا للقرار السابق في عهد الرئيس ترامب، قرر الرئيس جو بايدن إعادة مئات الجنود الأمركيين لقتال جماعات العنف التي تمارس نشاطها بالصومال، وسط تأكيدات على التصميم على تعويض ما فات خلال فترة سحب القوات الأمريكية من المنطقة.
وفي أعقاب الزيارة الأولى للرئيس الصومالي لواشنطن خلال شهر سبتمبر الماضي وقعت الحكومتان الأمريكية والصومالية اتفاقية تنموية بقيمة 86.7 مليون دولار أمريكي وذلك بهدف تعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد والاستقرار الأمني بالصومال ودعمه نحو تحقيق الانتعاش الاقتصادي.
وقد شهدت سنة 2022 حصول الصومال على ما يقرب من 707 ملايين دولار من المساعدات الإنسانية على خلفية أزمة الجفاف، بحسب ما أعلنته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وكانت الوكالة قد قدمت مساعدات إنسانية وتنموية بقيمة 476 مليون دولار في شهر يوليو الماضي كجزء من مساعداتها التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي جو بايدن في يونيو الماضي وقدرها 2.76 مليار دولار، للبلدان التي تعاني من أزمات خطيرة في الغذاء ومنها الصومال.
كما أثمر التقارب عن امتداد التعاون الصومالي الأمريكي إلى الجوانب الأمنية، حيث عقد الرئيس الصومالي خلال زيارتيه للولايات المتحدة لقاءات مهمة مع كبار المسؤولين الأمريكيين ومنهم وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي وقادة وزارة الخزانة الأمريكية وقد بحث شيخ محمود في لقائه مع جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي، تعزيز الشراكة القوية بين الولايات المتحدة والصومال. وقدم الرئيس الصومالي الشكر للحكومة الأمريكية على التعاون العسكري والمدني المستمر لبناء صومال قوي ومستقر ومسالم.
من جهتها اتخذت الحكومة الأمريكية إجراءات صارمة دعما للحكومة الصومالية في حربها ضد الإرهاب، وأعلنت عن أسماء كبار مسؤولي حركة الشباب وزعمائها المدرجين في قائمة الإرهاب في بادرة فريدة من نوعها تعكس التعاون الكبير بين البلدين والتوافق في الأمور الأمنية. كما فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات على مجموعة من الميسرين الماليين لحركة الشباب والذين يعملون ككبار مفاوضي الحركة مع الشركات الإقليمية في الصومال، وسط تأكيدات رسمية لوزارة الخزانة الأمريكية على لسان بريان إي نيلسون، رئيس قسم الأمن المالي بالوزارة بمواصلة بلاده اتخاذ اجراءات ضد تهريب الاسلحة وأنشطة جمع الأموال لحركة الشباب وغيرها من المنتسبين للقاعدة، وهو ما يتوافق مع تحذيرات الحكومة الصومالية لرجال الأعمال الصوماليين الذين يتعاملون مع حركة الشباب، والتهديد بإيقاف الأعمال التجارية لكل تاجر يدفع الأموال لمقاتلي الحركة.
وعلى الصعيد الغربي الأوروبي شهدت الفترة الأخيرة العديد من اللقاءات التي جمعت بين مسؤولين صوماليين وأوروبيين، حيث التقى رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي في مكتبه بسفيرة الاتحاد الأوروبي في الصومال تينا إنتلمان وتركز اللقاء حول القضايا الأمنية والإنسانية والتنموية بالإضافة إلي تعزيز الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي للصومال، والذي يهدف إلى تحقيق الاستقرار بالبلاد وتوفير الخدمات الأساسية للشعب الصومالي.
وفي هذا الإطار التقى رئيس مجلس الشعب الصومالي الشيخ آدم محمد نور “مدوبي” بالسفيرة البريطانية في الصومال كيت فوستر في مكتبه في مقديشو حيث تم مناقشة دعم تطوير البرلمان الفيدرالي الصومالي واجتماع المصالحة بولاية الجنوب الغربي وكذلك أهمية البرلمان في التقدم بالتشريعات الحيوية.
ومن أقصى الشمال الأوروبي جاءت دول اسكندنافيا لتبدي حرصها على التعاون وتعميق علاقاتها بالصومال القابعة في القرن الإفريقي وهو ما عكسته اللقاءات المتنوعة بين الطرفين. وتعد النرويج من أكثر الدول الأوروبية التي تتمتع بعلاقات طيبة مع الصومال، وهي تعتبر إحدى 9 دول غربية تقدم التمويل إلى الصندوق الصومالي متعدد الشركاء الذي تكون في عام 2013 . وقد شهدت الفترة الأخيرة تعاونا ملحوظا بين الطرفين حيث أعلنت النرويج عن مساهمتها بمبلغ 30 مليون دولار في تمويل المشاريع الصومالية وذلك في الصندوق الصومالي متعدد الشركاء الذي يديره البنك الدولي، وتم ذلك بعد اجتماع بين وزير المالية الفيدرالي الصومالي ووزير التنمية الدولية النرويجي في مقديشو.
وكانت قضايا الدعم النرويجي للصومال في تحقيق التنمية الاقتصادية والاكتفاء الذاتي من الغذاء وتحسين الأمن والاستقرار، هي محور اللقاء بين الطرفين. كما كانت هناك محاولات نرويجية للتوسط بين الصومال وأرض الصومال وقد أشاد الرئيس الصومالي بهذه الوساطة، مجددا التعهد بإحيائها.
وتحظى العلاقات السويدية الصومالية بتطور إيجابي أيضا مع تولي الرئيس شيخ محمود مقاليد الحكم في بلاده حيث تعتبر السويد من الشركاء الدوليين الداعمين للصومال في مختلف المجالات المتعلقة ببناء الدولة وإصلاح المؤسسات الحكومية بما فيها القضائية والدستورية، وهو ما كان محور اللقاء الذي جمع مؤخرا بين وزير العدل والشؤون القضائية في الحكومة الفيدرالية الصومالية حسن المعلم بالسفير السويدي لدى الصومال بير ليندجاردي.
كما يتمتع الصومال بعلاقات طيبة مع فنلندا حيث تدعم الحكومة الفنلندية قضايا التنمية الاجتماعية، وخاصة التعليم والصحة بالصومال وكانت هناك لقاءات رسمية جمعت بين مسؤولي البلدين مؤخرا حيث التقى رئيس وزراء الحكومة الفيدرالية الصومالية، حمزة عبدي بري، وسفير فنلندا لدى الصومال بيركا تابيولا وتمت مناقشة القضايا المتعلقة بتعزيز العلاقات الثنائية.
ولا شك أن جولات الرئيس شيخ محمود المكوكية وانفتاحه على العالم تسهم في تسليط الضوء على الهموم الصومالية وقضايا بلاده الحيوية وتعريف العالم بالتطورات التي يشهدها الصومال. وبطبيعة الحال فإن للعالم الغربي نصيبا كبيرا من هذه الجولات كما دعمتها لقاءاته المهمة في المؤسسات الأممية والدولية الكبرى والتي تشمل أعدادا كبيرة من دول العالم الغربي والشرقي أيضا وهو ما يصب في صالح تصحيح صورة الصومال أمام الجميع والحيلولة دون غيابه عن المحافل الدولية. وفي هذا الإطار كان للصومال نشاط دولي مكثف خلال شهر سبتمبر الماضي حيث ألقى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خطابا مهما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وتناول قضايا الإرهاب والجفاف والتغير المناخي وآثاره على بلاده. وأشار إلى أن الصومال شكل لأول مرة وزراة جديدة للبيئة وتغير المناخ للتعامل مع الآثار الكارثية للتدهور البيئي، مشيرا إلى أن بلاده محاصرة بين الفيضانات والجفاف سنويا بسبب تغير المناخ وضعف البنية التحتية. كما شارك في افتتاح الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بحضور وزير الخارجية والتعاون الدولي في حكومة الصومال الفيدرالية، أبشر عمر جامع، مع وفد رفيع المستوى، عقد اجتماعات هامشية مع عدد من رؤساء الدول ووزراء الخارجية وممثلي المنظمات الدولية والإقليمية، بهدف توطيد علاقات الصومال مع هذه الدول والمنظمات لتعزيز التعاون والشراكة الاستراتيجية. وخلال هذه الفعاليات الأممية أجرى الرئيس حسن شيخ محمود محادثات مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس حول أهمية الاستجابة العاجلة لحالة الجفاف والمكاسب من الانتفاضة الشعبية ضد حركة الشباب الإرهابية.
وفي نفس الإطار شارك وفد صومالي برئاسة قائد الشرطة الجنرال عبدي حسن محمد “حجار” في مؤتمر للشرطة الدولية بمدينة ليون الفرنسية، وذلك بحضور 20 دولة حيث تمت مناقشة سبل مكافحة الإرهاب والجرائم العابرة للحدود وتهريب المخدرات بالإضافة إلي التدفقات المالية غير المشروعة. كما عقد قائد الشرطة الصومالية الجنرال “حجار” لقاء خاصا مع الأمين العام للإنتربول يورغن ستوك وبحث معه تعزيز العلاقات بين الشرطتين الصومالية والدولية.
لاشك أن هذه التطورات في علاقات الصومال الخارجية مع أوروبا وأمريكا ومختلف المنظمات الدولية الكبرى، بفضل التحركات الذكية والحكيمة للإدارة الصومالية الحالية، تسهم في توسيع آفاق التعاون بين الصومال والدول الكبرى بما يعود بالنفع على الشعب الصومالي وبما يؤدي إلى تخفيف الأعباء عن كاهله ورفع مستوياته المعيشية بتحسين الأوضاع بشكل عام.