تعافي الإقتصاد الصومالي مشروط بالإستقرار السياسي والأمني
صفاء عزب
آخر تحديث: 15/09/2019
القاهرة- أثبت الصومال أنه بلد يحمل العديد من الخيرات لأهله ولدول المنطقة حينما تتوفر الظروف المناسبة وتستقر أحواله السياسية والأمنية، وهو ما أكدته أحدث إحصائيات صادرة عن البنك الدولي والتي تكشف عن مؤشرات إيجابية مبشرة لأداء الإقتصاد الصومالي هذا العام حيث أفادت تقارير البنك بحدوث ارتفاع معدل نمو الإقتصاد الصومالي من 2.8% عام 2018 إلى 2.9% عام 2019، وعلى الرغم مما قد يبدو من أن الزيادة الحادثة هذا العام مقارنة بالعام الماضي، صغيرة نسبيا حيث تبلغ 1. % إلا أنها تعكس تقدما إيجابيا للأمام وليس تراجعا بالقيمة السلبية للخلف كما كان يحدث في فترات الأزمات الشرسة التي هاجمت الإقتصاد الصومالي. ولا شك أن الحالة الأمنية والإستقرار السياسي يلعبان دورا محوريا في دفع هذا النمو قدما نحو المزيد من التطور وهو ما أكد عليه تقرير البنك الدولي حينما أشار إلى حدوث نوع من التعافي الملحوظ في الإقتصاد الصومالي من أزمة الجفاف السابقة وكذلك تطبيق سياسات اقتصادية جديدة أهمها ما يتعلق بمجال الضرائب الحكومية والتي ارتفعت نسبة تحصيلها بمعدل 29% مقارنة بالعام الماضي.
يحسب للصومال نجاحه في الإستمرار في تحقيق معدلات نمو إيجابية – حتى لو صغيرة- في ظل الظروف الصعبة والأزمات العسيرة التي يمر بها داخليا، خاصة ما يرتبط بالخلافات القبلية والصراعات السياسية بين الحكومة الفيدرالية في مقديشيو وبين بعض الولايات والتي من شأنها أن تهدد حالة الإستقرار التي يتطلبها النمو الإقتصادي، فضلا عن المشكلات الأمنية الخطيرة التي تتهدد البلاد بين وقت وآخر وما يصاحبها من عمليات اغتيال تشيع الخوف وتتسبب في إرهاب السكان، وهو ما يؤدي لهروب المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال وتحويل دفة مشروعاتهم إلى وجهة أخرى خارجية حيث يعرف رأس المال بأنه “جبان” ولا يستطيع الصمود طويلا في وجه مثل هذه الظروف الصعبة. وقد حذر الخبراء من التأثيرات السلبية لأي تدهور أمني يحدث بجانب التقلبات المناخية ودورها في إحداث تراجع للإقتصاد، لذلك لابد من العمل على تهيئة البيئة الداخلية في الصومال لتكون جاذبة وليست طاردة للإستثمار وذلك من خلال إجراء إصلاحات إقتصادية خلال خطة ثلاثية أو خمسية وفقا لنصيحة خبراء البنك الدولي حتى يتحسن أداء الإقتصاد ويتحسن معه معدل النمو بشكل ينعكس إيجابيا على الحالة المعيشية للشعب الصومالي الذي يعاني كثيرا رغم ثراء موارده.
بطبيعة الحال فإن التطور المنشود في الإقتصاد الصومالي لن يحدث بين يوم وليلة كما أنه لا يرتبط فقط بالقرارات السياسية والإصلاحات الإقتصادية وإنما يستلزم أيضا مجموعة من الإجراءات الإصلاحية في مجالات التعليم والصحة وهي المجالات التي كشف تقرير البنك الدولي عن عجز الحكومة عن توفيرها للمواطنين وهي أساسيات ضرورية لحركة منظومة الحياة وعصبها الإقتصادي. ولكي يتم الإهتمام بتوفير هذه الخدمات فإن الأمر يحتاج لتمويل كبير لتغطية كافة الإحتياجات الخاصة بهذه المجالات، وهنا يأتي دور الجهات المانحة والمساعدات الدولية غير المشروط والدخول في علاقة استثمار وتعاون دولي مع دول الجوار والدول الصديقة. ومن ثم تأتي أهمية التحركات الصومالية الإقليمية والدولية والتي من شأنها أن تفتح الآفاق لتحقيق الإنطلاقة الإقتصادية المنشودة. وكان انعقاد منتدى الأعمال المصري الصومالي مؤخرا بحضور وزراء ومسؤولين ورجال أعمال من البلدين، خطوة مهمة على هذا الطريق، خاصة في ظل رئاسة مصر للإتحاد الإفريقي واهتمامها بالعمل على ضخ استثمارات في البنية الأساسية للدول الإفريقية ومنها الصومال.
لقد أثبت الصوماليون جدارتهم في العمل والإنتاج وتحقيق نجاح كبير في إدارة مشروعاتهم الخاصة في مختلف مناطق العالم التي اضطرتهم ظروف الحرب والجفاف للسفر إليها، ومن ثم فإن أولئك الصوماليين مدعوون لاستنفار طاقتهم واستثماراتهم وأفكارهم الخلاقة لتكرار تجاربهم الناجحة لمساعدة بلادهم بمشروعات كبيرة وطنية تسهم في خلق فرص عمل ورفع مستويات المعيشة، كما ستعد قدوة للمستثمرين الأجانب وتشجيعا لهم على القدوم للإستثمار في الصومال والإستفادة من مزاياه الكبيرة دون خوف أو قلق على مصيرأموالهم، ويظل ذلك مرتبطا بشكل أساسي بالحالة الأمنية. كما أن المجتمع الدولي منوط بتقديم يد العون والمساعدة للصومال سيما وأن المشكلات المزمنة التي تهدد اقتصاده لاتخصه وحده وإنما تمتد تأثيراتها لدول الجوار وعلى رأسها مشكلة الجفاف التي تحتاج إلى تضافر الجهود الدولية لمواجهتها بالطرق العلمية الحديثة. كما تستلزم مشكلة الإرهاب علاجا أكثر فعالية من ضرب الناس عشوائيا بالطائرات دون نتيجة سوى مزيد من الضحايا من الأبرياء سكان المناطق المنكوبة بجماعات العنف المسلحة. ولا شك أن الإرتقاء بمستوى معيشة الشعب سوف يسهم كثيرا في تجفيف منابع العنف والتطرف ويضمن اندماج الشباب في المجتمع بشكل صحي يكفل مشاركته الإيجابية في بناء بلاده وتنمية اقتصادها.
إن الصومال لا يزال على بداية الطريق بعد عقود طويلة من الحروب والدمار، لكنه يمتلك إمكانيات كثيرة يمكن أن تخلق بيئة مشجعة للإستثمار وحاضنة له في ظل تبنيه لإصلاحات اقتصادية فعالة، وهناك من يمتلك أقل مما يمتلكه الصومال بكثير من الموارد المتنوعة والأراضي الشاسعة الخصبة والسواحل البحرية الممتدة، ونجحوا في تحقيق التقدم بالتعاون على تهيئة المناخ المطلوب للعمل والإنجاز. ومن أجل ذلك فإنه يجدر بالكبار في المجتمع الصومالي والقيادات على كافة الأصعدة والمستويات أن يتحركوا بدافع واحد هو مصلحة الوطن ومواجهة كل من يريد النيل منه داخليا وخارجيا بإصرار وتصميم على السير قدما نحو الأمام وعدم الإرتداد ثانية للخلف مهما كانت المحاولات.