تطور إيجابي وتوافق متبادل في العلاقات الصومالية الصينية
الصومال الجديد
آخر تحديث: 2/04/2023
القاهرة: صفاء عزب
مواقف وتصريحات صينية إيجابية داعمة لصالح الصومال شهدتها الفترة الأخيرة بالإضافة إلى لقاءات ثنائية متكررة بين مسؤولي البلدين على أعلى المستويات مقرونة بقرارات من الحكومة الصينية لدعم الشعب الصومالي من خلال مساعدات متنوعة بجانب مناقشات حول أوجه التعاون وخاصة العسكري والاقتصادي يضاف إلى ذلك الموقف الصيني الداعم للصومال في المحافل الدولية خاصة في قضايا مكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار ودعوة المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم للشعب الصومالي في هذا الأمر.
لا خلاف على أن الصين من الدول الكبرى التي تحرص على التواجد بقوة في منطقة القرن الإفريقي وفي الصومال بشكل خاص لما تراه من أهمية كبرى لهذه المنطقة تنعكس إيجابيا بقوة على مصالحها وهو ما يزداد وضوحا في ظل حالة التنافس المحموم بين الصين والعالم الغربي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية في تلك المنطقة الحيوية والاستراتيجية من العالم، والتي تعد منطقة منافسة بل وصراع في بعض الأحيان بين قوى الشرق والغرب. ولذلك تحرص الصين على إيجاد موضع قدم لها داخل الصومال بكافة السبل الأمنية والاقتصادية وذلك من خلال تقديم الخدمات الأمنية وضخ استثمارات عملاقة في مجالات البنية التحتية وصولا للتدخل الدبلوماسي ومحاولة التوسط لحل أزمات سياسية لإثبات وتأكيد أهمية دورها بالمنطقة وتعميق تواجدها وترسيخه في مواجهة القوى الدولية المنافسة.
وإذا كانت هناك علاقة طيبة للصين بالصومال والقرن الإفريقي منذ سنوات طويلة سابقة، فإن الفترات الأخيرة، وخاصة مع تولي الرئيس حسن شيخ محمود مقاليد الحكم في البلاد، قد شهدت تقاربا واضحا وتعاونا كبيرا بين الصومال والصين في ظل حرص الأخيرة على مد يد العون وتقديم الدعم الممكن لمساعدة الصومال والاستفادة من طاقاته الاستثمارية لتحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة ومشتركة، وهو ما جعل جمهورية الصين الشعبية واحدة من الدول الصديقة الداعمة للصومال في مختلف المجالات. كما كان الصومال أول دولة في شرق إفريقيا أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين.
خلال شهر مارس الجاري كان هناك أكثر من لقاء جمع بين مسؤولين من الصومال والصين حيث التقى السفير الصيني لدى مقديشو بكل من وزير الدفاع في الحكومة الفيدرالية الصومالية، عبد القادر محمد نور “جامع” وناقش معه تعزيز العلاقات الثنائية كما بحث المسؤولان أجندة الحكومة الصومالية في مكافحة الإرهاب وأهمية رفع حظر السلاح عن الصومال. وكذلك التقى السفير الصيني مؤخرا مع وزير الخارجية والتعاون الدولي في الحكومة الفيدرالية الصومالية أبشر عمر جامع الذي استقبله في مكتبه، وبحثا معا سبل تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات خاصة ما يتعلق بالدعم السياسي والتعليمي والاستثماري والإنساني. وفي فترة سابقة استقبل السكرتير الدائم لوزارة الخارجية والتعاون الدولي في الحكومة الفيدرالية الصومالية، حمزة آدم حادو، تشين ويندي القائم بأعمال السفارة الصينية بالصومال لتعزيز العلاقات والتعاون بين البلدين.
وقد تزامن ذلك مع إعلان الصين عن تبرعها للشعب الصومالي بأكثر من ألف طن من المساعدات الغذائية الطارئة لمواجهة الجفاف الكارثي الذي يهدد حياة الصوماليين. ولا يقتصر الدعم الصيني للصومال على الدعم العيني وإنما يمتد أيضا ليشمل اتخاذ الحكومة الصينية مواقف سياسية داعمة لدولة الصومال في المحافل الدولية منها تأكيد الرئيس الصيني في أكثر من مناسبة على دعم الصومال ومساندته في قضيته في مكافحة الإرهاب وجهوده لإعادة الإعمار وهو ما برز خلال تصريحاته الرسمية أثناء لقائه بالرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، على هامش انعقاد قمة الرياض الخليجية الصينية للتعاون والتنمية. وقد دعت الصين المجتمع الدولي مرارا إلى اتخاذ مواقف إيجابية داعمة للصومال خاصة فيما يتعلق بالقضايا الإنسانية، كما وجهت الدعوة للقائمين على العمليات العسكرية إلى التركيز على حماية المدنيين، وخاصة الفئات الضعيفة مثل النساء والأطفال. وقد دعا داي بينغ، القائم بالأعمال بالنيابة للبعثة الدائمة للصين لدى الأمم المتحدة، في فبراير المجتمع الدولي إلى مواصلة الاهتمام وبذل الجهد لحل أزمة الصومال الإنسانية ومساعدته في مواجهة الإرهاب والوفاء بالتزامات المساعدة، وضمان إيصال أموال الإغاثة الإنسانية في الوقت المناسب وتوفير ضمان قوي لتلبية الاحتياجات الأمنية والتنموية للشعب الصومالي. وطالب المسؤول الصيني بالأمم المتحدة بتحسين بناء القدرات الأمنية للصومال والاضطلاع بجدية بالمسؤولية الرئيسية لمكافحة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار.
وعلى الجانب الصومالي فإن الصومال يتبنى موقفا سياسيا إيجابيا تجاه الصين بالتضامن معها في قضايا سياسية حيوية مثل قضية تايوان، حيث أكدت الحكومة الصومالية الفيدرالية دعمها الثابت لسيادة الصين واستقلالها السياسي وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية كما دعت إلى الإلتزام بقرارات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ذات الصلة، وأكدت كذلك على موقفها الثابت باحترام سياسة الصين الواحدة، معتبرة تايوان جزءا لا يتجزأ من أراضي الصين. ولاشك أن كل هذه التصريحات والمواقف تعكس التوافق السياسي بين الصين والصومال وتؤكد على التفاهم والتناغم فيما بينهما في مختلف القضايا.
جدير بالذكر أن الصين تولي اهتماما كبيرا بمنطقة القرن الإفريقي لعدة أسباب يلعب فيها البعد الاقتصادي وكذلك العسكري الأمني دورا محوريا في تحريك نشاطها وتوجهاتها ومشروعاتها التي تحرص على ربطها بالمنطقة لدعم تواجدها وزيادة تأثيرها ونفوذها بما يصب في الحفاظ على مصالحها بالقارة السمراء. ولم يكن إقدام الصين على تعيين مبعوث لها خاص بالشؤون الإفريقية إلا تأكيدا على اهتمامها بالشأن الإفريقي وحرصها على التواجد ولعب دور حيوي بالمنطقة لحماية مصالحها وتعظيم مكاسبها.
بالنظر تفصيليا إلى تلك الأبعاد الاقتصادية والعسكرية نجد أن الصين تحرص على تعزيز العلاقات الثنائية مع الصومال للحفاظ على أمن الملاحة في الممرات المائية، وتوفير الحماية لسفنها التي تمر من خلال مضيق باب المندب، ومن ثم تأمين احتياجاتها من المواد الخام والطاقة الضرورية لاقتصادها والتي تم اكتشافها في منطقة القرن الإفريقي. وانطلاقا من ذات الهدف تسعى الصين إلى دعم قدرات المؤسسات الأمنية الصومالية لكفالة الأمن والاستقرار لحماية مصالحها وتجارتها المارة بالمنطقة من مخاطر القرصنة في شرق إفريقيا وهو ما كان دافعا للصين لقيامها بإمداد الصومال بمعدات عسكرية لدعمها في حربها ضد حركة الشباب وغيرها من جماعات العنف المتشددة.
ولا يمكن فصل التعاون والتقارب الصومالي الصيني عن قضية أرض الصومال تلك الولاية الصومالية التي أعلنت استقلالها من جانب واحد دون الحصول على اعتراف دولي بينما تعمل على توطيد علاقتها بالولايات المتحدة – المنافس والخصم السياسي للصين- وكذلك توطيد علاقتها مع تايوان التي تعتبرها الصين جزءا من أراضيها، وهو ما أدى إلى تقارب المصالح ووجهات النظر بين دولتي الصومال والصين، وأثمر عن جهود صينية إيجابية متمثلة في مشروعات واستثمارات للصوماليين على أراضيهم. وقد أثنى الرئيس شيخ محمود على هذه الجهود خلال قمة الرياض وقال إن الجانب الصيني قد ساعد الصومال على بناء أطول طريق سريع ومستشفيات وغير ذلك من المرافق الحيوية للحياة اليومية للناس، معربا عن طموحاته وآمال بلاده في الحصول على دعم متواصل من الصين لحماية الأمن الوطني وإعادة بناء الاقتصاد الوطني، ومشيرا إلى تطلع بلاده إلى العمل مع الصين لمواصلة دفع العلاقات الثنائية بصورة أكبر نحو مزيد من التقدم في المستقبل.
في ظل هذه المعطيات الموجودة على أرض الواقع، نتبين مدى توطد العلاقة بين الصومال والصين وما تشهده من تطورات إيجابية وروح تعاون طيبة تعكسها تصريحات الطرفين المتبادلة وخاصة ما أبداه الرئيس الصيني شي جين بينج من استعداد بلاده لتقديم مزيد من المساعدات من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ودعم جهود إعادة الإعمار وحثه للشركات في البلدين على التعاون في شتى المجالات الممكنة وخاصة الصحة والزراعة.
ولاشك أن هذه الأجواء التوافقية تعد فرصة ذهبية للصومال لاستغلالها بشكل جيد في تحقيق الأهداف الوطنية والاستعانة بها في تحقيق الازدهار الاقتصادي والتنمية المهمة لذلك باعتبار الصين دولة ذات وزن ثقيل اقتصاديا وكذلك سياسيا. كما يجب أن يدرك الصومال أهميته الكبيرة بالنسبة للصين ودوره الحيوي بحكم ما يمتلكه من مقومات ومزايا بحيث يكون هناك توازن في المصالح والاتفاقات بين كافة الأطراف حفظا للحقوق وعدم الإنزلاق في منعطف القروض الخطير حتى لا تتعرض المقدرات الوطنية للخطر عند حدوث تعثر أو أي تغير مستقبلي في المواقف، وأن يكون الاعتماد الأكبر على الاستثمارات التي تمثل قيمة مضافة للبلاد.