تطور إيجابي في العلاقات الصومالية الإثيوبية
الصومال الجديد
آخر تحديث: 6/10/2022
القاهرة: صفاء عزب
تشهد العلاقات الصومالية الإثيوبية تطورا إيجابيا جديدا وتقاربا ملحوظا بعد أن مرت بفترات سابقة غير قصيرة من التوتر وعدم الانسجام في المصالح، حيث تم مؤخرا الإعلان عن توقيع الطرفين لاتفاقية مشتركة من عدة بنود في شتى المجالات بما يعكس استعادة التوافق حول القضايا الملحة التي تهم البلدين ويؤكد دخولهما لمرحلة جديدة من التعاون المشترك، ويأتي ذلك في إطار السياسة الخارجية البراجماتية والمنفتحة على العالم التي تتبناها الإدارة الصومالية الحالية بقيادة الرئيس حسن شيخ محمود والذي نجح في إذابة الجليد المتراكم لسنوات طويلة والذي حجب بلاده عن ساحة العلاقات الدولية فانقشعت الغيوم لتفسح الطريق لشمس الأمل لتبعث الحياة من جديد في التواجد الصومالي القوي على الخارطة الدولية من خلال فتح آفاق جديدة نحو فضاءات أرحب من التعاون مع مختلف الدول وعلى رأسها الجيران بطبيعة الحال.
لقد مرت العلاقة بين الصومال وجارتها إثيوبيا بمنعطفات عديدة ساهمت القوى الاستعمارية فيها بدور كبير بسبب الحدود العشوائية التي وضعتها دون مراعاة لمصالح الشعوب الأمر الذي خلق مشكلات حدودية ألقت بظلالها على هذه العلاقة. وكان إقليم أوجادين سببا في حربين كبيرتين بين إثيوپيا والصومال خلال فترتي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. كما تدخل الجيش الاثيوبي رسميا في نهاية عام 2006 لمساندة الحكومة الصومالية وهزيمة قوات المحاكم الاسلامية التي سيطرت على قسم كبير من وسط وجنوب الصومال، وبررت إثيوبيا هذا التدخل بأن المحاكم الاسلامية تهدد أمنها. وفي مرحلة تالية باشرت إثيوبيا خطة لسحب قواتها بالكامل من الصومال.
وفي عام 2011 انطلقت عملية عسكرية دولية منسقة للقضاء على حركة الشباب في جنوب الصومال، وقد شاركت القوات المسلحة الإثيوبية لاحقا في هذه المهمة وأفاد وقتها مفوض الاتحاد الإفريقي للأمن والاستقرار رامتان لامارما بأن التعزيزات العسكرية الإضافية المستقدمة من إثيوبيا والاتحاد الإفريقي آنذاك ساهمت في مساعدة القوات الصومالية على زيادة رقعة سيطرتها تدريجيا.
وعندما تأسست حكومة الصومال الاتحادية عام 2012 كأول حكومة مركزية دائمة في البلاد منذ دخولها في الحرب الأهلية، وانتخاب حسن شيخ محمود رئيسا جديدا للصومال، رحبت إثيوبيا بالأمر وحضر رئيس الوزراء الإثيوبي وقتها هايلي مريام ديسالين حفل تنصيب محمود وكان ذلك مؤشرا طيبا على تحسن العلاقات الثنائية بين البلدين.
بعد ظهور الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو على الساحة السياسية الصومالية دخل الصومال مرحلة جديدة من التعاون مع الجارة الإثيوبية عندما تم توقيع اتفاق تعاون ثلاثي بمشاركة إريتريا كان الأول من نوعه تعهدت فيه حكومات الدول الثلاث بتعزيز التعاون الشامل الذي يدعم أهداف شعوبها، وتبني روابط سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وأمنية وثيقة بجانب التنسيق لتعزيز السلام والأمن الإقليميين. كما قام الرئيس الصومالي السابق فرماجو خلال عام 2021 بالمشاركة في مراسم تنصيب رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في أديس أبابا وتناول لقاؤهما قضايا المنطقة وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين فضلا عن تكثيف القتال ضد حركة الشباب الإرهابية. وفي المقابل وصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي آحمد إلى مقديشو للمشاركة في تنصيب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود عقب انتخابه كرئيس جديد للبلاد في تأكيد على توجه العلاقات الإثيوبية الصومالية نحو التطور الإيجابي والحرص المتبادل على توطيدها خاصة مع وجود مصالح مشتركة بين البلدين لا تتوقف عند مواجهة خطر حركة الشباب وإنما تمتد لتشمل محاور أخرى مهمة.
واقع الأمر أن العلاقة بين الصومال وإثيوبيا تستند إلى ركائز عديدة تنعكس على المصالح المشتركة للبلدين كما تتشابك وتتقاطع في خطوط عديدة تجمع فيما بينهما. وتأتي علاقة الجوار على رأس هذه الركائز حيث تشترك إثيوبيا مع الصومال في أطول حدود لها بين حدودها مع جيرانها الست في منطقة القرن الإفريقي. كما تدعم إثيوبيا طلب الصومال من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رفع حظر السلاح المفروض على البلاد منذ أكثر من 30 عاما، لتمكين القوات الصومالية من تحرير بلادها من الجماعات الإرهابية التي تهدد الأمن بالبلاد. وتسعى إثيوبيا باعتبارها قوة كبرى في منطقة القرن الإفريقي لتحقيق أهداف حيوية، من خلال توطيد علاقتها بجارتها الصومال.
في إطار ذلك تأتي أهمية اتفاق التعاون الذي أبرمه البلدان مؤخرا في أديس أبابا خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الصومالي شيخ محمود للعاصمة الإثيوبية، لبحث القضايا المشتركة لا سيما مكافحة الإرهاب والتطرف وتعزيز الاقتصاد والتكامل الإقليمي. وتضمن الاتفاق بنودا عشرة تركزت حول زيادة التعاون والجهود لمكافحة التحديات البيئية المشتركة كالجفاف وتوسيع وتطوير التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والاتصالات والسياسة وزيادة المنح التعليمية والتدريبية التي تقدمها إثيوبيا للشعب والعاملين وقوات الأمن والمؤسسات في جمهورية الصومال الفيدرالية. كما تضمنت بنود الاتفاق أيضا التعاون الفعال بين الأجهزة الأمنية المشتركة في مكافحة الإرهاب والتطرف ، باعتباره العدو المشترك لكلا البلدين.
ولا شك أن توقيع هذا الاتفاق يمثل نقطة تحول مهمة في تاريخ العلاقات الصومالية نحو مزيد من التعاون وطي صفحة الماضي بكل ما فيها من صراعات وأزمات تسببت في تعكير صفو العلاقات الثنائية لسنوات طويلة. ومع ذلك تظل هناك بعض القضايا الشائكة التي يخشى المراقبون من تحولها لعقبة تعرقل تطور هذا التعاون.
وتأتي في مقدمتها مشكلة تعامل الحكومة الإثيوبية مع الولايات الإقليمية في الصومال بشكل مباشر دون الحكومة الفيدرالية، كما حدث في شهر يوليو الماضي عندما تسلل مقاتلون من حركة الشباب إلى المنطقة الصومالية في إثيوبيا، حيث زار فد عسكري إثيوبي الولايات الإقليمية وأرض الصومال، وكذلك الموقف من سد النهضة الذي شهد تقاربا مع الطرف المصري بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها شيخ محمود للقاهرة مما شكل مثار قلق لأديس أبابا، وكذلك التعامل مع حركة الشباب التي تهدد أمن كل من الصومال وإثيوبيا، حيث يريد الصومال التعاون في محاربة الجماعة دون انتهاك سيادته، فقد أثار إعلان إدارة الإقليم الصومالي في إثيوبيا اتخاذ منطقة عازلة داخل الصومال غضب الصوماليين الذين اعتبرو ذلك خرقا لسيادة البلاد.
وختاما، فإن إقدام الحكومة الصومالية على إبرام اتفاق تعاون مع جارته، إثيوبيا يعد خطوة جيدة على طريق السلام والتعاون الدولي الذي من شأنه أن يدعم المناخ السياسي الإيجابي الذي يهيئ بيئة جيدة للتنمية والتقدم وتحقيق الازدهار.