تشكيل اللجان الانتخابية .. بين مطالبات القوى المعارضة بتعديلها وإصرار الحكومة عليها
الصومال الجديد
آخر تحديث: 23/11/2020
شكّل رئيس الوزراء محمد حسين روبلي في الــ 4/نوفمبر/2020م لجانا انتخابية مختلفة مهمتها تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة والإشراف عليها.
وكانت اللجان الانتخابية التي عيّنها السيد روبلي تنقسم إلى قسمين هما: اللجنة الانتخابية على المستوى الفيدرالي والمتكوّنة من 25 عضوا، مهمتهم مشاركة اللجان الانتخابية الإقليمية على مهام إشراف الانتخابات وإدارتها، ولجنة حلّ الخلافات وفض النزاعات الانتخابية والمتكونة من 21 عضوا، مهمتهم البحث عن حلول للنزاعات الناجمة عن إجراءات الانتخابات القادمة ونتائجها!
وفجّر تعيين اللجان الانتخابية موجة جديدة من الجدل والخلافات السياسية بين داخل مؤسسات الدولة الصومالية ذاتها، فضلا عن الانتقادات التي وجهتها إليها قوى المعارضة الصومالية.
فقد عارض رئيس مجلس الشيوخ عبده عبدالله حاشي بشدّة طريقة تعيين ممثلي صوماليلاند في هذه اللجان الانتخابية، مشيرا إلى أنه كان من المفترض أن يتم تعيينهم من قبل السياسيين المنحدرين من صوماليلاند.
وقال السيد عبده عبداللله حاشي في بيان أصدره في الـ 7/نوفمبر/2020م: “إن الأعضاء الّذين تم تعيينهم من قبل الحكومة الفيدرالية ليمثلوا صوماليلاند في اللجان الانتخابية على المستوى الفيدرالي والإقليمي لا يتمتعون بثقة قبائلهم، لأن غالبيتهم موظفون في الرئاسة، ومكتب رئيس الوزراء، وبعضهم أعضاء في جهاز المخابرات والأمن الوطني الصومالي، مما يضع علامة استفهام عريضة على مدى اتصافهم بالحياد والتزامهم به“.
لم يكتف السيد حاشي بهذا البيان، بل تخطّى إلى خطوة أكثر جدّية وأكثر تعميقا لهوة الخلافات، وذلك عندما أصدر في الـ 19/نوفمبر/2020م، نظاما انتخابيا خاصا بعمليات انتخاب ممثلي صوماليلاند في غرفتي البرلمان الفيدرالي سماه بالنظام الانتخابي لممثلي صوماليلاند في غرفتي البرلمان الفيدرالي، والّذي يشمل على 7 خطوات أساسية هي:
- تعيين اللجان المنظمة لانتخابات المقاعد البرلمانية للمنحدرين من صوماليلاند.
- تحديد المقاعد البرلمانية للمنحدرين من صوماليلاند.
- نظام تعيين الناخبين المصوتين لممثلي صوماليلاند في مجلس الشعب بالبرلمان الفيدرالي.
- نظام تعيين الناخبين المصوتين لممثلي صوماليلاند في مجلس الشيوخ بالبرلمان الفيدرالي.
- تشكيل اللجنة الإدارية العليا للدوائر الانتخابية لممثلي صوماليلاند في غرفتي البرلمان الفيدرالي.
- مراقبة الانتخابات ومتابعتها.
- تحديد مكان انعقاد الانتخابات وتأمينها.
بعد إصداره لهذا النظام الانتخابي بيومين أي في الـ21/نوفمبر/2020م، شكّل السيد عبده عبدالله حاشي اللجنة المنظمة للانتخابات غير المباشرة لـ 2020/2021م، المختصة بالمناطق الشمالية الصومالية والمتكوّنة من 8 أعضاء، مهمتهم إدارة عملية انتخاب أعضاء البرلمان الفيدرالي المنحدرين من صوماليلاند الانفصالية.
وذكر السيد حاشي في المرسوم الّذي شكله بهذه اللجان أن الحكومة الفيدرالية اخترقت اتفاق اللجنة الوطنية التشاورية حول الانتخابات القادمة والذي صادق عليه مجلسا البرلمان الفيدرالي في 26/سبتمبر/2020م، مما يحتم عليه القيام بمسؤولياته الدستورية والوطنية!
وعلى صعيد آخر توالت صيحات قوى المعارضة المطالبة بحلّ جميع اللجان الانتخابية المكونة على المستويين الفيدرالي والإقليمي، أو على الأقل بإجراء تعديلات عليها، بسبب اشتمالها على موظفين حكوميين ورجال أمن ينتمون إلى جهاز المخابرات والأمن الوطني مما يجعل حيادية هذه اللجان ومصداقيتها على المحكّ.
وكانت مطالبات القوى المعارضة تأتي بشكل فردي ومتفرّق قبل أن تتطور إلى توحيد الجهود وإصدار البيانات المشتركة، وكان السيد عبدالرحمن عبدالشكور ورسمي زعيم حزب ودجر المعارض من أوائل زعماء القوى المعارضة الّذين عبّروا عن مواقفهم تجاه اللجان الانتخابية على المستوى الإقليمي والفيدرالي عندما قال في صفحته على الفيس بوك: “إنّ أعضاء اللجان الانتخابية الإقليمية في كلّ من ولايتي غلمذغ، وهيرشبيلي، ينتمون إلى جهاز المخابرات والأمن الوطني الصومالي، إذ تم تعيين غالبيتهم من مكتب رئيس المخابرات والأمن الوطني الصومالي”، وأردف عبدالشكور قائلا: “إن غالبية أعضاء اللجان الانتخابية على المستوى الفيدرالي من مؤيّدي الرئيس الحالي في وسائل التواصل الاجتماعي الذين عيّنهم نائب مدير مكتبه… وإنه من غير الممكن أن يكون تقرير مصير البلاد بما فيها مصير دوائرنا الانتخابية، مرهونا على يد اثنين من أبناء العمومة!” مشيرا إلى صلة القرابة بين عبدالنور محمد أحمد نائب مدير مكتب الرئيس وفهد ياسين رئيس جهاز المخابرات والأمن الوطني.
وفي خطوة أولية لتوحيد جهودهم أصدر 12 مرشحا رئاسيا في 10/نوفمبر/2020م بيانا صحفيا مشتركا يطالبون فيه بإجراء تعديلات على اللجان الانتخابية وذلك بسحب الموظفين الحكوميين والضباط الأمنيين من التشكيلة الحالية للجان وإلاّ سيقاطعون خوض الانتخابات الرئاسية.
وأكّدالمرشحون في بيانهم المشترك فيما يتعلق باللجنة المنظمة لانتخابات مقاعد البرلمان المنحدرة من صوماليلاند بأنهم “يعترفون فقط بالأعضاء الّذين سيعينهم السيد عبده حاشي لإدارة انتخابات ممثلي صوماليلاند في البرلمان الفيدرالي”.
ثم ارتأت المعارضة بعد ذلك أن توحدّ جهودها أكثر فأكثر، فدعت إلى مؤتمر تشاوري لقوى المعارضة يتم عقده في مقديشو للتشاور حول القضايا السياسية الراهنة في هذالمرحلة الانتقالية، فاستجاب لهذه الدعوة عدد من المرشحين الرئاسيين الّذين عاد معظمهم إلى العاصمة مقديشو في يوم الجمعة الماضي 19/نوفمبر/2020م.
وفي اليوم التالي أي في الـ 20/نوفمبر/2020م، انطلقت في العاصمة مقديشو فعاليات المؤتمر التشاوري لاتحاد مرشحي 2020/2021م، والّذي من المقرر أن تنتهي فعالياته يوم غد الثلاثاء 24/نوفمبر/2020م.
ناقش المؤتمر خلال جلساته السابقة عدّة قضايا تهم الانتخابات، وكانت قضية اللجان الانتخابية العنوان الأبرز في هذا المؤتمر، حيث كُوّنت لجان متعددة تتولى مهمة نقاش تشكيلة هذه اللجان مع رؤساء ولايات هيرشبيلي وغلمذغ، كما تمت فيه توجيه دعوة إلى ولايتي بونتلاند وجوبالاند بشأن تعديل ممثليهما في اللجان الانتخابية على المستوى الفيدرالي، إذ إنهما لم يشكّلا بعد اللجان الانتخابية على المستوى الإقليمي، وهو ما اعتبره البعض بأنه امتعاض الإدارتين عن طريقة سير الأحداث.
في المقابل، أصرّت الحكومة الفيدرالية على موقفها تجاه تشكيل هذه اللجان، ولم تصغ آذانا لدعوات المعارضة ومطالبات رئيس مجلس الشيوخ عبده عبدالله حاشي، بل وصفت بعض تصريحات مهدي محمد جوليد نائب رئيس الوزراء هذه المطالبات بأنه عبارة عن “حالة يأس وإحباط يعيشها أصحابها”.
وفيما نفى مهدي جوليد في بعض منشوراته وجود ضباط أمن في تشكيلة اللجان الانتخابية، أقرّ بوجود موظفين حكوميين فيها وهو ما اعتبره أمرا غير مبتدع في تشكيلة اللجان الانتخابية، قائلا: “إنني أتساءل جوهر الاختلاف بين اللجان الانتخابية على المستوى الفيدرالي وعلى مستوى صوماليلاند لعام 2016م، عن نظيرتها المكوّنة في 2020م، خاصة وأن كليهما يضمان أسماء شابات وشبان موظفين في المكتبين التنفيذيين: مكتب الرئيس ومكتب رئيس الوزراء”.
إن تشكيل اللجان الانتخابية أثار صخبا سياسيا سيكون له تبعاته السلبية على مسيرة بناء الدولة الصومالية ما لم تتصل الأطراف إلى تفاهمات حول إجراء تعديلات على هذه اللجان وتشكيلها من جديد.
وكما جاء في دراسة تحليلية لمعهد هيرتيج للدّراسات السياسية، فإن هذه اللجان تنبئ عن رغبة واسعة لممارسة احتيال سياسي واسع النطاق، لا يختلف عن الاحتيال السياسي الّذي تمت ممارسته في 2016م، ولذلك يدعو المعهد إلى “حلّ هذه اللجان وتشكيل أخرى، يتم اختيار أعضائها من الشخصيات ذات السمعة الطيبة في المجتمع والمتصفة بالحياد، وفي حال تعذّر تشكيل مثل هذه اللجان المحايدة، فالحل يكمن في تشكيل لجان انتخابية تضم ممثلين عن جميع شركاء السياسة الصومالية”.
إن إصرار الحكومة الفيدرالية على موقفها تجاه هذه الانتخابات، واستمرار مطالبات القوى المعارضة بتغييرها أو تعديلها مع صمت المجتمع الدولي قد يؤدّي إلى أزمة سياسية في الصومال قد تؤثر سلبا على مسيرة عملية إعادة بناء مؤسساته الحكومية والدّستورية.
ويرى بعض المحللين المتفائلين أنه مهما تباعدت مواقف القوى السياسية بشأن هذه اللجان فإنها ستلتقي في نهاية المطاف على حلّ وسط، سواء تم الوصول إليه بتقديم تنازلات من الطرفين أو بتدخل المجتمع الدّولي الّذي يعتبر الممول الأكبر للعملية السياسية الصومالية، ولديه من الوسائل الترغيبية والترهيبية ما يساعد القوى السياسية على الوصول إلى تفاهمات حول اللجان الانتخابية تجنب العباد والبلاد من الانزلاق مرّة أخرى في مربّع النزاعات السياسية والصراعات الطائفية!