تساؤلات حول هروب وزير الأمن في جوبالاند من سجن في مقديشو
الصومال الجديد
آخر تحديث: 1/02/2020
في 28/يناير/2020م، نشرت العميدة زكية حسين نائبة قائد الشرطة الصومالية تغريدة على حسابها في تويتر تذكر فيها بأن عبدالرشيد جنان وزير أمن جوبالاند المعتقل لدى السلطات في مقديشو تمكن الهروب من سجن بالقرب من مقرّ جهاز المخابرات والأمن الوطني الصومالي في مقديشو، مطالبة في الوقت نفسه مختلف شرائح المجتمع إخطار مراكز الشرطة بأية معلومات حول الوزير الهارب من السجن.
بعد 3 أيام من تغريدة العميدة، أي في 31/يناير/2020م، ظهرت أنباء تفيد بأن الوزير الهارب من مقديشو وصل إلى مدينة كسمايو الساحلية على متن قارب كان في انتظاره بإحدى المحطات الساحلية في مقديشو.
وفي وقت لاحق من مساء يوم أمس الجمعة، وصل الوزير عبدالرشيد جنان على متن طائرة عسكرية تابعة للجيش الكيني إلى مدينة نيروبي عاصمة كينيا لتلقي العلاج هناك، حيث إنه كان من البداية أثناء اعتقاله من مطار مقديشو نهاية شهر أغسطس 2019م في طريقه إلى أديس أبابا للعلاج.
ويتساءل قطاع عريض من الشارع الصومالي عدّة تساؤلات حول هروب الوزير من السجن، حيث إن المنطق والعقل يؤكّدان على أن السجون في مقديشو تتمتع بحراسة مشدّدة تجعلها من غير الممكن حدوث حالات هروب أشخاص عاديين منها بسهولة، فكيف بوزير معتقل ومحاط بسلك من الحرس والعسكر الذين يراقبونه ليل نهار؟
وللإجابة عن السؤال السابق انقسم الشارع إلى اتجاهين رئيسيين:
أوّلا: أن الفساد الإداري المستشري في مفاصل الدولة – حسب تعبيرهم- هو الّذي مكّن الوزير من الهروب بعد تحضير وتجهيز وسيلة آمنة توصّله إلى مدينة كسمايو، وقد يكون ذلك بعد إمضاء صفقات سياسية كبرى بينه وبين الحكومة الفيدرالية أو بعض قادتها، لعلّ من بين هذه الصفقات محاربة إدارة جوبالاند من الداخل.
ثانيا: أنه تم تصفيته جسديا، ولذلك تسعى السلطات إلى تمويه أهله وذويه، أو تحاول تصوير مقتله بأنه تم بعد هروبه من السجن من قبل مسلحين مجهولين.
وبما أن الوزير قد وصل حيا إلى كل من مدينتي كسمايو ونيروبي، فإن الاتّجاه الثاني لم يعد صالحا في الاستخدام لتفسير هذه القضية، ويبقى جانب من الاتجاه الأول هو الوصف المطابق للحادثة أو الجواب الأنسب للسؤال الوارد أعلاه حتى الآن، هو الجانب المتعلّق بدور الفساد في هروب الوزير من السجن.
صحيح أنه لا يمكن إنكار وجود فساد إداري واسع في مفاصل الحكومة الحالية، إذ إن تقرير منظمة الشفافية العالمية الأخير حول مؤشر مدركات الفساد لعام 2019م، جعل الصومال في المرتبة الأولى عالميا للدّول الأكثر فسادا تليها في ذلك سوريا. وهذا يدل على مدى انتشار الفساد في الأوساط الصومالية ووصوله إلى مستويات عليا وفق المعايير العالمية للنزاهة والشفافية.
ولذلك فإنه يمكن القول بأن قضية هروب الوزير تختصر في الفساد الإداري الّذي يحاول إيجاد حلول للأبعاد السياسية والأمنية والقضائية الشائكة للقضية، والوصول إلى بناء رواية تحفظ ماء وجه الجميع، فكانت رواية هروب الوزير من السجن هي المخرج الوحيد من القضايا الشائكة السابقة.
فمثلا، إنه من المعلوم سياسيا أن وتيرة الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وإدارة جوبالاند لم تهدأ بعد، ولم تكن لتهدأ ووزير الإدارة محتجز لدى السلطات الفيدرالية، وخاصة، في ظلّ مطالبة المجتمع الدولي الحكومة والولايات الفيدرالية بتجاوز الخلافات السياسية فيما بينهما والعمل معا من أجل بناء مؤسسات الدولة الصومالية.
وعليه، فإنّه كان لزاما على الحكومة الفيدرالية إيجاد صيغة تفاهمية تضمن لها مصالحها مع المجتمع الدولي، وتحفظ ماء الوجه لمؤسساتها الأمنية والقضائية التي كانت متورّطة ومتفاعلة مع قضية الوزير المعتقل، حتى يمكن تحسين علاقاتها مع جوبالاند، وإنه من غير المنطق أن تصدر المحكمة بعد 5 شهور من اعتقال الوزير أمرا قضائيا ينص بكل بساطة على براءة الوزير من التهم الموجهة إليه والمتمثلة بارتكابه جرائم ضدّ الإنسانيةفي إقليم غدو التابع لولاية جوبالاند في جنوب الصومال!
أما ما يتعلّق بالجزء الثاني من الاتجاه والّذي يشير إلى إمكانية تبادل صفقات سياسية كبرى بين الوزير الهارب والسلطات الفيدرالية، فإنه من المبكر جدّا تناول شيء من ذلك بنوع من التحليل المنطقي، إذ إن الوزير لم يمكث سوى ساعات قليلة فقط في كسمايو التي انتقل منها إلى نيروبي التي يمكن أن تكون طرفا في تحديد مستقبله السياسي فيما بعد الاعتقال.
بوادر أزمة دبلوماسية جديدة بين الصومال وكينيا:
تداول نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي تغريدة للعميدة زكية حسين، تطالب فيها السلطات الكينية بتسليم الوزير الهارب إلى السلطات في مقديشو لتمثيله أمام العدالة والقضاء.
ورغم أن كينيا لم ترد بشكل صريح ورسمي على طلب الحكومة الفيدرالية، إلاّ أن كل المعطيات والقرائن المتعلّقة والمساعدة لمعرفة ما سيكون عليه رد كينيا، تشير إلى أنها لا تستجيب لطلبات الحكومة الفيدرالية، وذلك استنادا إلى تاريخها السياسي في التعامل مع خلافات الحكومة الصومالية وإدارة جوبالاند، حيث اشتهرت كينيا بالوقوف إلى جانب إدارة جوبالاند، وخير مثال لذلك: كسرها الحصار الجوي المفروض على كسمايو منذ أغسطس 2019م، وإرسالها في أكتوبر 2019م، وفدا برلمانيا كينيا للمشاركة في مراسم تنصيب أحمد مذوبي رئيسا لجوبالاند في ولايته الثالثة رغم عدم اعتراف الحكومة الفيدرالية بالانتخابات التي فاز بها أحمد مذوبي.
كلّ هذا وغيره، يؤكّد على أن كينيا التي يتواجد فيها الآن رئيس جوبالاند، لا تستمع إلى مطالب الحكومة الفيدرالية ضدّ إدارة جوبالاند، وبالتالي فإنه من الممكن اندلاع أزمة دبلوماسية جديدة بين الصومال وكينيا اللتين اتسمت علاقتهما الدبلوماسية في الآونة الأخير بالتوتّر والتصعيد، بسبب امتناعها عن تسليم الوزير إلى السلطات في مقديشو، فهل سيشعل وصول الوزير جنان إلى نيروبي العلاقات بين الطرفين بمزيد من التوتّر والاحتقان؟