تاريخٌ يستحق التصحيح: التمييز بين الشيخين عبدالرحمن وداود ابني إسماعيل الحبرتي
التحرير
آخر تحديث: 8/05/2025

علي أحمد محمد المقدشي
كثيرًا ما تؤدي التشابهات الاسمية في المصادر التاريخية إلى التباس في تحديد الهُويات، خاصةً حين يتعلق الأمر بشخصيات ارتبطت بالحراك الديني أو الاجتماعي في مناطق متعددة من العالم الإسلامي. ومن ذلك ما وقع في بعض المؤلفات المعاصرة من خلط بين شخصيتين بارزتين، هما: الشيخ داود بن إسماعيل الجبرتي العقيلي الزبيدي، والشيخ عبدالرحمن بن إسماعيل الجبرتي الزيلعي، أحد أعلام زيلع في القرن الإفريقي.
وقد زاد هذا الخلط حين نُسبت وفاة كل منهما إلى سنة 897هـ، دون تحقق دقيق من السياقات الجغرافية والنَسَبية والتاريخية المحيطة بكل شخصية.
من هنا تبرز الحاجة إلى تفكيك هذا الالتباس، والتمييز بين الشخصيتين، عبر تحليل منهجي يستند إلى المصادر المخطوطة والمرويات الموثقة، مع مراعاة النسب، والبيئة، والسياق السياسي والديني الذي نشأ فيه كل منهما.
وقد ورد في كتاب “الشجرة الزكية في أنساب بني هاشم” للسيد اللواء الركن يوسف بن عبدالله جمل الليل (جـ1، صـ324) ذكر أن: “داود بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبدالصمد الجبرتي العقيلي، رحل من زبيد إلى بلاد زيلع، ثم استقر في منطقة ميجورتين، وتزوج هناك، وخلف عقبًا.”
كما أورد أنه تُوفي سنة 897هـ، وهو نفس التاريخ الذي تُنسب فيه – دون تحقق كافٍ – وفاة الشيخ عبدالرحمن الجبرتي الزيلعي، مما أدى إلى وقوع بعض الباحثين في خطأ الخلط بين الشخصيتين.
غير أن هذا الخلط مردود عليه جملة وتفصيلًا، لعدة اعتبارات علمية دقيقة:
- الاختلاف الجغرافي: داود من زبيد باليمن، بينما تُجمع المخطوطات والروايات المحلية على أن عبدالرحمن من زيلع في القرن الإفريقي، وهو فارق جوهري يعكس اختلاف البيئتين العلمية والاجتماعية.
- الاختلاف في النسب: نسب داود الجبرتي العقيلي يختلف اختلافًا بيِّنًا عن نسب عبدالرحمن الجبرتي الزيلعي، سواء في تسلسل الأسماء أو الانتماء القبلي، كما أثبتت ذلك مخطوطات متعددة، أبرزها ما دوّنه الشيخ علي المجيرتيني والسلطان يوسف كينديد.
- الاختلاف الزمني والسياقي: تدل المصادر على أن عبدالرحمن عاش في زمن يسبق عهد السلطان أحمد غُرَي (أحمد غازي) بكثير، وأن أبناءه شاركوا في صراعات زيلع قبل قيام سلطنة عدل. أما داود، فتثبت المصادر وفاته سنة 897هـ/1491م، أي قبل ميلاد أحمد غازي بنحو 15 عامًا (المولود قرابة 1506م)، مما يظهر معاصرته له ويؤكد اختلاف السياقين السياسي والدعوي.
- شهادة السياق التاريخي: تثبت الروايات أن قبيلة الدارود بن إسماعيل كانت ضمن جيوش المسلمين التي واجهت الأحباش في زيلع قبل وبعد عهد أحمد غازي، مما يدل على رسوخ وجودها في المنطقة قبل ميلاد داود بن إسماعيل الربيدي، ويُعزِّز أن الشيخ عبدالرحمن ينتمي إلى جيل أسبق، وهو الذي تنتسب إليه قبيلة الدارود على الصحيح.
تنبيه: وأما الادعاء بأن اسم (الدارود) مشتق من (داود)، فهو ادعاء باطل لا يستقيم، إذ إن أهل الصومال – وهم أهل قرآن ولسان فصيح – لا يلتبس عليهم تمييز اسم (داود) عن غيره،
ولفظ (الدارود) إنما هو لقب اشتهر به الجد عبدالرحمن، كما أن (السمال) لقب اشتهر به الجد عثمان، وليس كما يُزعم من تأويلات باطلة مثل “ذومال” أو “وسع مال” وغيرها من التفسير المشوه.
وبناءً على هذه المعطيات وتحليل الروايات والمخطوطات ذات الصلة، يتبين بجلاء أن الخلط بين الشيخ داود بن إسماعيل الجبرتي العقيلي والشيخ عبدالرحمن بن إسماعيل الجبرتي الزيلعي لا يقوم على أساس علمي متين، بل نشأ من تشابه الأسماء وتقارب التواريخ دون التفات إلى الفروق الجوهرية في النسب، والموقع الجغرافي، والحقبة التاريخية، والسياق الدعوي والسياسي.
وقد أثبتت المقارنة الدقيقة استقلال كل شخصية بسيرتها ومسارها، مما يُبطل أي محاولة للدمج بينهما. ويُعزز هذا التمايز صحة النسب العدناني الشريف للشيخ عبدالرحمن الجبرتي الزيلعي، ويُبرز دوره في الحياة العلمية والدينية بالقرن الإفريقي، وارتباطه بالقبائل الكبرى مثل بني سب وبني سمال.
ومن ثمّ، فإن تصحيح هذا التصور التاريخي لا يسهم في توثيق الأنساب وتحرير الروايات فحسب، بل يُعدّ مساهمة في حفظ الذاكرة الثقافية والدينية للصومال والقرن الإفريقي من الالتباس والتكرار غير الدقيق.