بين الولايات المتحدة والمعارضة الصومالية
الصومال الجديد
آخر تحديث: 6/02/2020
أثار إسراع سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في مقديشو إلى الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية في ولاية غلمدغ التي عقدت في الثاني من شهر فبراير الجاري في مدينة “دوسمريب” عاصمة الولاية أزمة ثقة بين السفارة والمعارضة الصومالية.
فقد كانت تلك الانتخابات التي فاز فيها أحمد عبدي كاريه “قور قور” معروفة النتائج بسبب تدخل الحكومة الفيدرالية واستئثارها بتسييرها الأمر الذي دعا عددا من المرشحين إلى مقاطعتها ولم يتنافس فيها إلا السيد قور قور المدعوم من قبل الحكومة الصومالية ومرشحون آخرون شاركوا في الانتخابات لا ليفوزوا فيها بل لملإ الفراغ الذي خلفه انسحاب مرشحي المعارضة الصومالية للانتخابات الرئاسية في غلمدغ.
ولم تتردد المعارضة الصومالية بشكل غير مسبوق في توجيه انتقادات لاذعة إلى السفير الأمريكي دونالد ياماموتو لتقديمه التهاني إلى رئيس ولاية فاز في انتخابات اعتبرها كثيرون مسرحية هزلية، فقد أشار زعيم حزب وجدر عبد الرحمن عبد الشكور إلى أنه إذا كان في السابق من تساوره الشكوك في تواطؤ الولايات المتحدة الامريكية مع الحكومة الصومالية في تلاعبها بالدستور وانتهاكها لحقوق الإنسان وقعمها للمعارضة وتدميرها للولايات الإقليمية فأن الأمر أصبح الآن مكشوفا.
أما النائب في مجلس الشعب الصومالي أحمد معلم فقي فقد اتهم السفير الأمريكي بالانحياز، وأشار إلى أن غلمدغ ليست ولاية أمريكية وأنها ليست في حاجة إلى اعتراف السفير الأمريكي في مقديشو الذي تعرف مواقفه مسبقا، واتهم منتدى الأحزاب الوطنية الذي يضم ستة أحزاب سياسية معارضة ويتزعمه الرئيس الصومالي الأسبق شريف شيخ أحمد السفير يماموتو بدعم الفساد، وبخرق القيم الأمريكية في الحكم الرشيد والديمقراطية بل والسياسة الأمريكية الخارجية.
أحدثت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في غلمدغ شرخا في العلاقات بين السفارة الأمريكية- التي كانت تلعب في الفترة الأخيرة إلى جانب بعثة الأمم المتحدة في الصومال دورا مهما في التقريب بين الحكومة الصومالية وأصحاب المصلحة السياسية في وضع الترتيبات للانتخابات الفيدرالية القادمة – وبين المعارضة التي أعربت عن مخاوفها من أن تتلاعب الحكومة الصومالية في الانتخابات الوطنية في 2020/2021 كما فعلت في انتخابات كل من ولايتي جنوب الغرب وغلمدغ بمرأى ومسمع من المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد أصدرت السفارة الأمريكية في مقديشو يوم أمس الأبعاء بيانا صحفيا عاجلا دعت فيه الحكومة الفيدرالية الصومالية والولايات الإقليمية إلى المصالحة، واعترف البيان- الذي اعتبره بعض المراقبين ردا غير صريح على الانتقادات التي وجهتها المعارضة الصومالية إلى السفير دونالد يماموتو- بوجود أخطاء وقعت في الانتخابات التي جرت في بعض الولايات الإقليمية وورد فيه ” نعلم ان الصومال يمر بمرحلة في غاية الصعوبة في رحلته إلى الديمقراطية، وبالرغم من أن الانتخابات التي عقدت مؤخرا لم تكن صحيحة بالكامل فإننا ندعو جميع الصوماليين إلى التركيز في المصالحة”.
ودعا البيان الحكومة الصومالية والولايات الإقليمية إلى استعادة تنسيقهما بالتعاون مع أصدقائهما في المنطقة والعالم لهزيمة حركة الشباب وإعادة مؤسسات الدولة وتحقيق الأمن والرفاهية للشعب الصومالي، وتعهدت الولايات المتحدة بمواصلة دعمها لبناء مؤسسات الدولة الصومالية، وحثت القيادة الصومالية على تحقيق سياسة شاملة في البلاد والبحث عن حصول الصوماليين على الامن والاستقرار على المدى الطويل، وشددت على الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية وأصحاب المصلحة السياسية العمل معا على بنا السلام وإجراء انتخابات نزيهة في 2020/2021 والشروع في محادثات مخلصة والابتعاد عن أن يكونوا مثيري مشاكل وعن كل ما يضر بالعملية السياسية.
ويتلخص بيان السفارة الأمريكية في الرغبة في تقليص الفجوة بينها وبين المعارضة الصومالية بسبب الانتخابات الرئاسية الأخيرة في ولاية غلمدغ حيث إنها تضر بالدور الذي تنشده الولايات المتحدة الامريكية في الاستعدادات الجارية في الصومال للانتخابات الفيدرالية في نهاية العام الجاري وبداية العام المقبل حيث أشار البيان إلى حرص الولايات المتحدة على إجراء انتخابات تتسم بالنزاهة والشفافية في الصومال بعد انتهاء ولاية الحكومة الفيدرالية وكذلك التحذير من اللجوء إلى العنف لحل الخلافات السياسية التي تعج بها الساحة الصومالية واستعادة التنسيق بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو هل الحكومة الصومالية مستعدة للحوار ؟ إن الإجابة عليه هو أن سياسة الحكومة في التعامل مع الولايات واضحة، فهي منذ فترة طويلة تسعى إلى إخضاع الولايات الإقليمية وتحويلها إلى دمى في يدها، وقد نجحت فعلا في إخضاع ولايات جنوب الغرب وهيرشبيلي وغلمدغ وبدأت الاستعداد لخوض مواجهات عسكرية مع ولاية جوبالاند التي فشلت الحكومة في إخضاعها سياسيا.
ومعلوم أن الحكومة الفيدرالية أقامت مؤخرا جسرا جويا في إقليم غدو بولاية جوبالاند ونقلت إليه الجنود والسلاح لفصل الإقليم من الولاية على الرغم مما ينطوي عليه الأمر من مخاطر ومخاوف من تحول الصراع فيه إلى حرب إقليمية تتورط فيها بعض الدول المجاورة، حيث إن القوات الإثيوبية التابعة لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال تدعم الحكومة الصومالية بينما تدعم القوات الكينية التابعة للاتحاد الإفريقي رئيس جوبالاند أحمد مدوبي الأمر الذي جدد الأزمة الدبلوماسية بين الصومال وجارتها كينيا، حيث أصدرت الحكومة الفيدرالية الصومالية يوم أمس الأربعاء بيانا اتهمت فيه كينيا بالتدخل في الشئون السياسية والأمنية في الصومال، ولا يخفى على المتابعين الصراع الذي دار بين الحكومة الصومالية وجوبالاند ومن ورائهما إثيوبيا وكينيا في الانتخابات التي عقدت في كسمايو عاصمة الولاية في أغسطس الماضي.
ترى الحكومة الصومالية أنها انتصرت في انتخابات غلمدغ بعد نصب موال لها رئيسا للولاية وبحصولها على الدعم الدبلوماسي من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيغاد لكنها على علم بأن سكان الولاية منقسمون حيث يوجد في غلمدغ ثلاث برلمانات وثلاث رؤساء وهل تساءل قادة الحكومة الفيدرالية ماذا عسى أن يفعله الدعم الدبلوماسي من الجهات المذكورة في حل الأزمات السياسية والأمنية التي تعاني منها الولاية؟ مع ملاحظة أن الأمم المتحدة لم تحدد بعد موقفها من الانتخابات الأخيرة في غلمدغ.
يجدر بالولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة والاتحادين الأوروبي والإفريقي وغيرها من الجهات التي تساعد الصومال في بناء السلام واستعادة مؤسسات الدولة أن تدعم الحكومة الفيدرالية طالما التزمت بالدستور وقوانين البلاد الأخرى لا أن تساندها مطلقا سوا كانت تصرفاتها صحيحة أو خاطئة خاصة في هذه المرحلة الحساسة التي تستعد فيها البلاد إلى الانتخابات الفيدرالية وأن تفعل الشيء نفسه مع الولايات الإقليمية أو الأطراف السياسية الاخرى الفاعلة في الصومال فإن دعم أية جهة في خطئها سيدعوها لا محالة إلى التمادي فيه الأمر الذي سينعكس سلبا على الوضعين السياسي والأمني في الصومال.