بونتلاند ودورها السياسي في الصومال
الصومال الجديد
آخر تحديث: 11/04/2016
بعد مرور ثماني سنوات على سقوط الحكومة المركزية برئاسة اللواء محمد سياد بري عام 1991 ودخول البلاد إلى أتون حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس وفشل عدة مؤتمرات تصالحية سياسية عقدت على مدار تلك السنوات في بلدان مختلفة في العالم أقيم في مدينة غرووي حاضرة محافظة نجال في عام 1998 مؤتمر تأسيسي لتكوين إدارة في مناطق الشمال الشرقي (بونتلاند) على غرار تشكيل إدارة أرض الصومال في مناطق الشمال الغربي التي تمخضت عن مؤتمر تأسيسي عقد في مدينة برعو حاضرة محافظة تغدير عام 1991م. وكان الهدف الجوهري لتأسيس إدارة بونتلاند ملء الفراغ الناجم من غياب الحكومة المركزية والمحافظة على الأمن في مناطق الشمال الشرقي وتقديم خدمات أساسية للمجتمع هناك.
حققت إدارة ولاية بونتلاند إنجازات سياسية باهرة منذ تأسيسها وفي وقت لم تحظ فيه مناطق جنوب الصومال بنعيم الأمن والاستقرار. لم تكن تلك الانجازات مقتصرة على الصعيد الأمني فقط، بل امتدت إلى المجالات التنموية في الولاية، سواء كانت في مجالي التعليم والصحة وغيرهما. والجدير بالإشارة هنا إلى أن الطبيعية الديمغرافية والانتماء القبيليّ الواحد لسكان تلك المنطقة ساهم بشكل أو بآخر في وصول بونتلاند إلى مرحلة النضج السياسي الذي اتضح في الانتخابات التى وقعت في يناير 2014م حينما فاز الرئيس الحاليّ عبد الولي غاس بفارق صوت واحد على منافسه الرئيس السابق عبدالرحمن شيخ محمد فرولي، وقد حظيت تلك الانتخابات بمباركة كل من المجتمع الصومالي والدولي باعتبارها تجربة جديدة في الساحة السياسية في الصومال. وقد كتبت جريدة أوغندية في بداية هذا العام مقالا بعنوان: على أوغندا الاستفادة من التجربة الديمقراطية في بونتلاند الصوماليّة!.
ومن هنا يستعرض هذا التقرير الدور التي تلعبه بونتلاند في الساحة السياسية في الصومال منذ المرحلة الانتقالية وحتى الآن.
المرحلة الانتقالية في الصومال
بدأ دور ولاية بونتلاند الفعلي كإدارة إقليمية في السياسة الصومالية بشكل عام بعد انتخاب العقيد عبد الله يوسف أحمد رئيسا للصومال في عام 2004 في مؤتمر المصالحة الصومالية التي استضافته كينيا في الفترة من 2002-2004 والذي اتفق المشاركون فيه على انتقال الصومال إلى النظام الفيدرالي. وكانت بونتلاند تمثل آنداك الإدارة الصومالية الوحيدة القائمة في مناطق المستعمرة الإيطالية في الصومال؛ حيث كان العقيد عبد الله يوسف أحمد يقودها منذ تأسسيها، وبعد سنة من انتخابه رئيسا للصومال جرت في ولاية بونتلاند انتخابات رئاسية فاز بها عدى موسى حرسي (2005م) خلفا للعقيد عبد الله يوسف أحمد الذي أصبح رئيسا لجمهورية الصومال الفيدرالية عام 2004.
وبذل عدي موسى في فترة رئاسته لولاية بونتلاند جهود جبارة لمساندة الدولة الفيدرالية برئاسة العقيد عبد الله يوسف أحمد والتي واجهت تحديات كبيرة منعتها من بدء عملها في مقديشو بسبب نفوذ أمراء الحرب الذين قاطعوا دولته وكانت لهم شوكة قوية في مقديشو قبل ظهور اتحاد المحاكم الإسلامية. وفي عهد الرئيس عبد الله يوسف أحمد كان لولاية بونتلاند تأثير سياسي قوي في الحكومة المركزية؛ بحيث كانت تعتبر نفسها كـ “ام” للنظام الفيدراليّ الجديد في الصومال، وكانت تلعب في ذلك العهد دورا محوريا في السياسة الصومالية بسبب الاستقرار الذي كانت تتمتع به بينما كانت الحكومة المركزية تواجه عقبات سياسية وأمنية كبيرة.
وبعد استقالة الرئيس عبدالله يوسف أحمد على خلفية خلافات سياسية عميقة بينه وبين رئيس الحكومة في ذلك الوقت نور حسن حسين “نور عدي”، انتخب شريف شيخ أحمد رئيسا جديدا للصومال في عام 2009، كما انتخب في نفس العام عبدالرحمن شيخ محمد محمود فرولي رئيسا لولاية بونتلاند. وفي تلك الحقبة بدأت بونتلاند تضع اللمسات الأخيرة لدستورها الجديد الذي أثار جدلا سياسيا كبيرا في أوساط الصوماليين في ذلك الوقت، كما أخذ تأثير ولاية بونتلاند في الساحة السياسية في الصومال يتلاشى بالنسبة إلى عهد الرئيس الأسبق عبدالله يوسف أحمد، مما أدى إلى إعلان بونتلاند أكثر من مرة قطع علاقاتها مع الحكومة المركزية، إلا أن الخلافات بين الجانبين كانت تنتهي بواسطة المفاوضات في حين لآخر.
بعد انتهاء المرحلة الانتقالية
وبعد انتهاء ولاية الرئيس شريف شيخ أحمد شهدت البلاد انتخابات رئاسية في عام 2012 فاز بها حسن شيخ محمود رئيسا للبلاد وهو رجل ذو طابع مدني وأكاديمي قضي جلّ وقته داخل الصومال، وأصبح أول رئيس لدولة رسمية في الصومال منذ عام 1991، وكان ذلك بمثابة فصل سياسي جديد للصومال أسدل الستار على الفترة الانتقالية.
والجدير بالذكر أن العلاقات بين الحكومة المركزية وولاية بونتلاند ازدادت تدهورا في فترة الرئيس الحالي حسن شيخ محمود، وفقدت بونتلاند كثيرا من الامتيازات التى كانت تحصل عليها في المرحلة الانتقالية. وتسببت الخلافات المشتعلة بين الجانبين في إعلان رئيس ولاية بونتلاند السابق قطع العلاقات مع الحكومة المركزية، كما لوح أكثر من مرة بالانفصال عن بقية المناطق الصومالية، وكان من القضايا الخلافية بين الطرفين توقيع العقود مع الشركات الأجنبية دون الرجوع إلى الحكومة الفيدرالية التي كانت ترى أن ذلك من اختصاصها .
كان كثير من المحليين يتوقعون تحسن العلاقات بين الجانبين بعد فوز عبد الولي غاس برئاسة ولاية بونتلاند في انتخاب عام 2014 م إلا أن حلم عودة بونتلاند إلى حظيرة الدولة الفيدرالية لم يتحقق، وتأزمت العلاقات بين الطرفين من جديد، ولا سيما بعد إصدار منتدى التشاور الوطني قرارا بانتخاب أعضاء البرلمان القادم وفقا للمحاصصة القبلية 4.5، والذي رفضته إدارة ولاية بونتلاند، إلا أنه كما كان الحال بدأت مفاوضات بين الجانبين؛ والتي أدت في النهاية إلى موافقة بونتلاند على نظام المحاصصة القبلية في اتفاقية وقع عليها الجانبان الأسبوع الماضي في غرووي بحضور ممثلين من المجتمع الدولي.
وأخيرا فإن بروز عدد من الإدارات الإقليمية في البلاد سيؤدي إلى فقدان بونت لاند في الفترة القادمة الكثير من الامتيازات التي كانت تحصل عليها في الفترة السابقة عندما كانت الولاية الوحيدة القائمة في الصومال بعد إعلان أرض الصومال انفصالها عن باقي الأراضي الصومالية وإن لم تحصل حتى الآن على اعتراف المجتمع الدولي.
وبعد هذا العرض الموجز لدور بونت لاند في السياسة الصومالية وتجربتها الطويلة كإدارة تتمتع بحكم شبه ذاتي يتضح أن الوضع في الصومال قد تغير بعد تطبيق النظام الفيدرالي وظهور عدد من الإدارات الإقليمية مما يحتم على الساسة في بونت لاند التأقلم مع الوضع الجديد والذي سيكون له بدون شك تأثير على المكانة السياسية التي كانت تتمتع بها بونتلاند في السابق.