بوصول الجنرال..هل يتمكن اليمنيون من وقف الدمار وإعادة الإعمار؟

صفاء عزب

آخر تحديث: 23/12/2018

[supsystic-social-sharing id="1"]

بين الأمل والرجاء المشوبين بالحذر يستقبل اليمنيون الجنرال الهولندي باتريك كريستوڤر مبعوث الأمم المتحدة المعني بمهمة مراقبة التزام أطراف القتال في اليمن بالهدنة التي تم الإتفاق عليها بموجب مفاوضات السويد الأخيرة. وذلك بعد موافقة مجلس الأمن الدولي بالإجماع على نشر فريق دولي لمراقبة وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة باليمن، بينما يترقب العالم كله ما ستسفر عنه المهمة الصعبة للمبعوث الدولي ومعاونيه من نتائج إيجابية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وسط الدمار الذي أصاب اليمن السعيد.

وعلى الرغم من ذلك تحوم كثير من الشكوك حول نجاح مهمة الوفد الأممي باليمن خاصة مع تكرار خروج الأطراف المتقاتلة عن اتفاق الهدنة وقيامها بخرقها وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين بمسؤولية الطرف الآخر عن هذا الخرق. يأتي ذلك في الوقت الذي تتكلم فيه الحكومة اليمنية الشرعية عن جهود إعادة الإعمار ومشروعات البنية التحتية، بينما تطالعنا تقارير دولية عن الأمم المتحدة ولجان الإغاثة ودراسات للبنك الدولي بأن إجمالي ما يحتاجه اليمنيون لإعادة إعمار بلادهم يبلغ 70 مليار دولار. وهي أرقام تعكس حجم الدمار والجهود الضخمة التي تتطلبها عملية إعادة الإعمار.

وبين الجهود الدولية في رأب الصدع ووقف القتال، ومدى احترام الأطراف المتقاتلة لاتفاق الهدنة، تبدو أحلام اليمنيين في استعادة إنسانيتهم وحقوقهم الآدمية على أرض بلادهم مرهونة بإرادات تلك الأطراف.

ويبقى السؤال الملح: هل تنجح الهدنة فعلا في الاستجابة لأحلام اليمنيين وخلق بيئة مساعدة على العمل والمضي قدما في عمليات إعادة الإعمار؟

على الرغم من تشاؤم البعض وتوجسه من مستقبل اتفاق المصالحة بين اليمنيين بالسويد، إلا أن هذا الاتفاق يعد حدثا مهما في حد ذاته لأنه أول مؤتمر ينجح فيما فشل فيه مؤتمر جنيف قبل عامين ، وذلك بنجاحه في إقناع اليمنيين المتقاتلين بالجلوس على مائدة مفاوضات واحدة وإعلان الإلتزام ببنود هذا الإتفاق من قبل الطرفين. وهو ما يعد بداية انطلاق إيجابية ومحفزة على التفاؤل باستكمال باقي الخطوات خاصة مع وجود تعهدات دولية وأطراف أممية بالتدخل لدفع الأمور في اتجاه وقف القتال تماما وليس لمجرد الهدنة المؤقتة لأسباب إنسانية.

وبعيدا عن نظرات التفاؤل والتشاؤم فإن المراقبين يعتبرون اتفاق الهدنة وتوابع مفاوضات السويد بين اليمنيين نجاحا كبيرا يجعل من منظمة الأمم المتحدة منظمة دولية تتصدر المشهد بجدارة وتفتح أبوابا متتابعة للأمل في مزيد من النجاحات التدريجية في هذا الموضوع بشرط استمرار الضغوط الدولية.

لقد نجحت الهدنة في انتزاع موافقة طرفي القتال في اليمن على مجموعة من البنود الهامة التي يمكن البناء عليها فيما يتعلق بدعم الجهود السلمية ودفع عملية الإعمار، وهي تبادل الأسرى، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح حول ممر التجارة الواقع في البحر الأحمر من خلال سلسلة من عمليات الانسحاب من قبل القوى اليمنية المتناحرة، وتشكيل لجنة لمناقشة مستقبل المدينة المتنازع عليها، وهي أسس مهمة بالمقارنة بما عجز المفاوضون عن تحقيقه في مفاوضات جنيف 2016.

إن الأزمة اليمنية تفاقمت بشكل خطير منذ اشتعلت شرارتها الأولى عام 2015 عندما سيطر الحوثيون على مساحات واسعة من البلاد، وأجبروا الرئيس عبد ربه منصور هادي، على الفرار إلى الخارج. أعقبه تدخل عسكري للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية لدعم الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا. وعلى مدار سنوات الحرب بين طرفي القتال دفع اليمنيون ثمنا باهظا لهذه الحرب. وعلى الرغم من عدم وجود أرقام مؤكدة ومحددة عن خسائر هذه الحرب إلا أن هناك تقديرات تفيد بإن نحو 84.700 طفل ماتوا في الفترة بين أبريل 2015 وأكتوبر 2018، وأن 12 مليون شخص معرضون لخطر المجاعة إذا لم يتوقف القتال على الفور. كما كشفت تقارير لمنظمة الأمم المتحدة عن مقتل 6660 مدنيا على الأقل، وإصابة 10560 آخرين، وأن الآلاف من اليمنيين قد ماتوا لأسباب كان يمكن تجنبها، بما في ذلك سوء التغذية والتدهور الصحي. وحذرت تقارير اليونسيف بأن هناك طفلا يموت كل 10 دقائق في اليمن.

وفي شهر نوفمبر الماضي حذرت الأمم المتحدة من أن ما يصل إلى 14 مليون يمني باتوا على حافة المجاعة و أن نصف سكان اليمن دخلوا في “مرحلة ما قبل المجاعة”. وأشارت منظمات إنسانية إلى بلوغ عدد القتلى اليمنيين منذ بداية الحرب حوالي 50 ألف قتيل. وأن عائلة من كل خمس عائلات تعاني نقصا شديدا في الطعام. وأن أكثر من 30% من الأطفال دون الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، ووفاة شخصين من كل عشرة آلاف نسمة يوميا بسبب تلك الظروف السيئة.

لذلك حثت الأمم المتحدة على ضرورة الهدنة في مدينة الحديدة لإتاحة الفرصة لدخول المساعدات لإنقاذ اليمنيين عبر ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون والمسؤول عن دخول 90% من المعونات الغذائية والواردات لليمن.

من أجل ذلك كانت وقفة المجتمع الدولي الصارمة لفرملة هذا النزيف اليومي في الأرواح حتى لو كان ذلك بشكل مؤقت لمدة شهر تقريبا خلال فترة بقاء الوفد الأممي، إلا أنه يفتح أبواب الأمل أمام اليمنيين في استئناف الحياة من جديد.

ومبعث الأمل أنه إذا نجحت المهمة الدولية في تحويل الممر التجاري الحيوي على البحر الأحمر إلى منطقة منزوعة السلاح، فإن ذلك يعني السماح بالإستقرار ومن ثم يكون بإمكان المبعوث الدولي وفريقه توسيع الصفقة لتمتد من الحديدة إلى تعز مع حلول العام الجديد. كما أن خروج الحديدة وتحييدها في الصراع يسمح بإمكانية الإنتقال من الحديث عن حلول عسكرية إلى حلول سياسية. ولاشك أن الوصول إلى هذه المرحلة يمهد كثيرا لجهود الإعمار والتعمير.

لقد اختلفت التقديرات الخاصة بالتمويل المطلوب لعمليات إعادة الإعمار في اليمن بسبب استمرار الصراع، وقدرها خبراء بشكل مبدئي بمبلغ 50 مليار دولار، بينما أعلن البنك الدولي أن إجمالي ما يحتاجه اليمنيون لإعادة إعمار بلادهم يبلغ 70 مليار دولار منهم 15 مليار دولار أمريكي قيمة إحتياجات عاجلة لمعالجة ما خلّفته الحرب اليمنية. وهو ما أكده عبد الرقيب سيف فتح وزير التنمية المحلية رئيس اللجنة العليا للإغاثة في اليمن، في تصريحات صحفية. وتبقى مشكلة التمويل هي حجر الزاوية لإعادة إعمار اليمن مع تحسن الأحوال السياسية. لذلك يعرب المسؤولون اليمنيون عن تطلعهم لاستقبال المزيد من الدعم المالي من الشركاء الدوليين والإقليميين، والاستجابة الفورية للاحتياجات الإنسانية والتنموية العاجلة لإعادة إعمار اليمن.

وقد أعلنت المملكة العربية السعودية عن تأسيس صندوق لتمويل الاحتياجات الأساسية من الأرز والقمح برأسمال 500 مليون دولار، يلتزم البنك الدولي بتقديم 200 مليون دولار وتقدم المملكة 100 مليون دولار على أمل استكمال تمويل الصندوق. كما أعربت جهات دولية عن مبادرات للمشاركة في إعمار اليمن منها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، والبنك الإسلامي للتنمية، والبنك الدولي، والاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من الحديث عن تقديم المملكة مساعدات قيمتها 11 مليار دولار لليمنيين خلال سنوات الحرب، وتقديم الإمارات دعما يزيد عن ملياري ونصف المليار دولار لليمنيين إلا أن هذه الأموال لم تحقق النتائج المرجوة بشكل كبير بسبب ظروف الحرب التي تلتهم كل شئ.

لذلك يتطلب الأمر مزيدا من التعاون الدولي وتضافر الجهود والدعم المالي لإعمار اليمن خاصة ما يتعلق بالبنية التحتية التي تعد أساس الحياة الإنسانية.

وتزداد النظرة التفاؤلية مع التصريحات الرسمية السعودية بانطلاق مؤتمر إعادة إعمار اليمن في الرياض خلال عام 2019 والذي سيتم فيه دعوة كافة الدول لدعم أهل اليمن. يضاف إلى ذلك الدور المهم للمؤتمر الذي تدعمه السويد وسويسرا والأمم المتحدة في جنيف لجمع التبرعات لإغاثة المتضررين من الحرب في اليمن.

كما يعول المجتمع الدولي كثيرا على نجاح جهود مارتن غريفيث المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن في عقد جولات متعددة من مفاوضات الصلح بين طرفي الصراع في اليمن خلال الفترات المقبلة كما وعد، سيما وأنه يتمتع بعلاقات طيبة بالحوثيين ولديه القدرة على الإقناع في الغرف المغلقة.

إن الثقة المتبادلة والمصداقية ستكون هي أساس توقف القتال بين الأطراف، وهو أمر لا ينفصل عن الدور الحيوي للجهود الدولية والأممية للضغط على المتقاتلين وضمان عدم تكرار خروقات الهدنة التي شهدتها الأيام الأولى منها. ولو نجح الجنرال الهولندي كريستوفر في تفعيل الهدنة ونجاح صمودها في وجه المتقاتلين، فسوف يساعد ذلك على خلق مناخ مناسب للعمل والتنمية وتمهيد الأجواء لنشر الإعمار في مختلف أرجاء اليمن.

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال