بمناسبة مرور عام على رئاسته.. كشف حساب للرئيس شيخ محمود
الصومال الجديد
آخر تحديث: 19/05/2023
القاهرة: صفاء عزب
في مثل هذا الشهر من العام الماضي كان الصوماليون على موعد مع أهم استحقاقات الديمقراطية وهو الانتخابات الرئاسية التي ظلت متعثرة لفترة طويلة امتدت لأكثر من عام، حتى نجح الشعب الصومالي من خلال نوابه في انتزاع حقه في أن يقول كلمته بحرية وشجاعة ويختار من يراه مناسبا لقيادة البلاد في تلك الفترة الحرجة من تاريخ الصومال.
في الخامس عشر من مايو الماضي تم انتخاب الدكتور حسن شيخ محمود رئيسا للصومال للمرة الثانية في انتخابات قاصرة على النواب لتخوفات أمنية من الانتخابات الواسعة، وقد حصل شيخ محمود فيها على 214 صوتا مقابل 110 أصوات لخصمه، ليكون بذلك رئيسا لبلاده للمرة الثانية بعد توليه الحكم سابقا خلال الفترة من “2012- 2017”. تسلم الرئيس المنتخب قيادة البلاد وهي تمر بظروف صعبة ومعقدة للغاية خاصة ما يتعلق بالوضع الأمني المتردي وانتشار العنف والأنشطة الإرهابية بشكل خطير في مختلف الأنحاء، إضافة إلى تسلمه إرثا ثقيلا من الأزمات الاقتصادية الخانقة والمزمنة ومعها مشكلات تتعلق بالجفاف الذي التهم الأخضر واليابس، والمجاعات التي تهدد حياة الشعب. كما كان الصومال يعاني من توابع السياسات الخارجية لسابقه وما أحدثته من تعكير لصفو علاقات الصومال مع كثير من الدول وما سببته من قطيعة أو فتور في العلاقات مع بعض الأشقاء والأصدقاء والجيران.
في ظل كل هذه الظروف تسلم الرئيس شيخ محمود قيادة الصومال وهو يحمل رؤيته وأفكاره وبرنامجه الانتخابي للنهوض ببلاده بأفق مفتوح وتفكير براجماتي وتصميم وعزم شديدين على المضي قدما في مهمته مهما كانت صعوبة الظروف التي يواجهها؟
وفي هذا الشهر وبعد مرور سنة على توليه رئاسة البلاد يثور التساؤل الملح: هل نجح الرئيس الصومالي في مهمته خلال الفترة الماضية؟
بهذه المناسبة يجدر بنا أن نتوقف عند أهم المراحل والمحطات التي شهدتها هذه السنة من حكم الرئيس لتقييم أدائه ومعرفة أهم الإنجازات التي يمكن أن تحسب له وكذلك المطلوب منه استكماله خلال الفترة المقبلة.
فيما يشبه كشف الحساب، نجد أن هناك ملفات ساخنة وملحة كانت في انتظار الرئيس شيخ محمود، وكان هو مطالبا بسرعة التعامل معها وفق مقتضيات ظروف بلاده، إلا أن التجربة الواقعية أثبتت حكمته وكفاءة أسلوبه البراجماتي في التعاطي معها، إذ تعامل في أكثر من ملف في وقت واحد وقام بنشاط مكثف ومتنوع وفي اتجاهات مختلفة بشكل متوازي سرعان ما أتى ثماره وبدا مبكرا منذ اللحظات الأولى لتوليه دفة الحكم، عندما استجاب زعماء كثر من مختلف الدول لدعوة الصومال الرسمية لحضور مراسم تنصيب الرئيس شيخ محمود والتي كانت فرصة لاستعادة علاقة الصومال بالعديد من دول المنطقة.
لقد أدرك شيخ محمود أنه ما كان ليستطيع مواجهة مشكلات بلاده الداخلية، دون أن يكسر حاجز العزلة بينها وبين المجتمع الدولي، والذي فرض عليها في ظل سياسات غير متوازنة لسابقيه من المسؤولين الصوماليين. وعليه كانت الانطلاقة الكبرى للزيارات المكوكية التي افتتح بها فترته الرئاسية الجديدة، وكانت الامارات العربية المتحدة أولى محطاته الخارجية أعقبها زيارات عدة لمختلف الدول العربية ودول الجوار الإفريقية قبل أن ينطلق في جولات عالمية واسعة شرقا وغربا لطي صفحة خلافات الماضي واستعادة العلاقات الطبيعية والدافئة مع كل من الأشقاء والأصدقاء والجيران. ونجح شيخ محمود من خلال سياسته الخارجية في إذابة جليد العزلة حول بلاده واستعادة العلاقات المقطوعة أو الفاترة ليفتح أمامها الآفاق نحو أواصر دولية رحبة تنعكس بالإيجاب على روح التعاون المشترك بين الشعب الصومالي وشعوب العالم المختلفة.
كما نجح الدكتور شيخ محمود من خلال إدارة سياسية عاقلة ومتزنة في إعادة الحضور الصومالي للمحافل الدولية ليكون حاضرا ومعبرا عن نفسه ومشكلاته ومطالبا بحقوقه أمام كل المؤسسات الدولية والأممية حتى يكون هناك صوت مسموع وراية خفاقة للصومال عربيا وإفريقيا وعالميا. ومن ثم فقد استطاع طرح هموم بلاده وقضاياه الحيوية أمام المحافل الدولية ومنها الأمم المتحدة واجتماعات قمة مجموعة شرق إفريقيا والتي ناقش خلالها قضية انضمام بلاده إلى المجموعة. كما شارك شيخ محمود في قمة تغير المناخ العالمية بمصر وشرح قضية بلاده وتأثير التغيرات المناخية السلبي على الصومال وما أصابه من مجاعات وأزمات خطيرة، إضافة إلى مشاركته بقمة الجزائر العربية.
ومن أهم القضايا الشائكة التي تعامل معها الرئيس الصومالي في أول سنة له خلال ولايته الثانية قضية الجنود الصوماليين بدولة إريتريا والتي كانت قد تسببت في أزمة كبيرة نظرا لغموض مصائرهم وقلق أهاليهم، إلا أن الرئيس طمأنهم عمليا على أبنائهم من خلال زيارة تاريخية في معسكراتهم بإريتريا بشكل أعاد الأمل لذويهم في إمكانية عودتهم للوطن، وهو ما عزم على تحقيقه عمليا.
كما أثمرت هذه التحركات النشطة والسياسة الخارجية للرئيس الصومالي عن العديد من الاتفاقيات الخاصة بالتعاون والمساهمات التمويلية والمنح والقروض التي تهدف إلى ضخ تمويل إضافي لتغذية الموازنة العامة للدولة بما يمكنها من تقديم الخدمات وتوفير الاحتياجات الأساسية للشعب الصومالي. ومن أهم النتائج الإيجابية التي شهدتها أول سنة رئاسية موافقة بعض المؤسسات المالية على تقديم منح ومعونات للصومال حيث أعلن البنك الدولي عن موافقته على تقديم منحة قدرها 70 مليون دولار أمريكي من المؤسسة الدولية التابعة له للمجتمعات الريفية في المناطق الجافة في الصومال وذلك لتطوير الخدمات المائية والزراعية والبيئية. كما أعلنت بعثة صندوق النقد الدولي بالصومال أن الصندوق توصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مقديشو يسمح بالإفراج عن نحو عشرة ملايين دولار للدولة. يضاف لذلك مساهمات دول أوروبية لدعم الاقتصاد الصومالي، وهي تطورات مرتبطة بالمؤشرات الإيجابية المصاحبة للفترة محل التقييم والتي ترفع مستوى الثقة الدولية في المؤسسات الصومالية.
ويرتبط ذلك بالتطورات التي شهدتها الساحة الصومالية في الجانب الاقتصادي، فقد سعى الرئيس شيخ محمود إلى فتح المجالات للاستثمار في بلاده وتشجيع النشاط الاقتصادي بها من خلال إقامة مؤتمرات ولقاءات لإرسال رسائل طمأنة للمجتمع الدولي منها عقد المؤتمر الاقتصادي الدولي الكبير بمقديشو لدعم الاستثمار الأجنبي في البلاد وتسليط الضوء على المزايا والمقدرات الكبرى التي يتمتع بها الصومال لجذب المستثمرين من جميع أنحاء العالم. واستطاع الصومال في السنة الماضية أن يوقع العديد من اتفاقيات التعاون الاقتصادي مع أطراف عربية وإفريقية وعالمية لتحقيق مزيد من التنمية الاقتصادية وهو ما يرتبط أيضا باتفاقيات مع شركات عالمية بخصوص استغلال ثرواته واستخراج كنوزه المدفونة في أرضه ليستفيد منها الشعب الصومالي.
لا يمكن أن تنفصل كل هذه الإنجازات عن الجبهة الداخلية وما شهدته من تطور كبير لا سيما في المجال الأمني، فقد بذلت الدولة جهودا كبيرا في مواجهة ظاهرة الإرهاب التي تعوق التقدم الاقتصادي وتهدد بطرد الاستثمار، وبفضل هذه الجهود نجح الصومال في الحصول على دعم وتأييد دولي كبير في معركته ضد الإرهاب وزيادة حجم التعاون مع دول الجوار خاصة في المجالات الأمنية. كما اكتسب الصومال ثقة دولية كبيرة في قدرته وإمكانياته كدولة مهمة ذات شأن كبير في منطقة القرن الإفريقي.
على أرض الواقع يحسب للإدارة الصومالية الحالية إنجازاتها التاريخية في تحرير البلاد من أغلال جماعات الإرهاب واسترداد أراضيها الطيبة من براثنها حيث خاضت معارك كبيرة ولا زالت تخوض تلك المعارك لتطهير ما تبقى من آثار في باقي البؤر الإرهابية. ولا شك أن المعركة تحتاج لمزيد من الوقت لأن عاما واحدا ليس كافيا للقضاء على ما أفسده الدهر عبر عقود طويلة. لذلك نتوقع أن ينجح الرئيس شيخ محمود في استكمال هذه المهمة الصعبة وهو ما ينعكس بشكل إيجابي على مزيد من الإنجازات خاصة في مجال الاقتصاد والخدمات المجتمعية والتعليم وغيره من المجالات، وهو ما ستكشفه الفترة المقبلة خلال سنوات رئاسة شيخ محمود.