بعد مرور سنة على توليه السلطة: حكومة أبي أحمد بين طموح الإنجازات وإحباط التحديات

صفاء عزب

آخر تحديث: 20/04/2019

[supsystic-social-sharing id="1"]

القاهرة- مع تولي الدكتور أبي أحمد رئاسة وزراء بلاده دخلت إثيوبيا مرحلة تاريخية جديدة عنوانها الإستقرار والتسامح ونبذ العنف والتعاون مع الجيران إضافة لحركة الإصلاح والتنمية الداخلية والمكاسب الكبيرة التي حققتها إدارته الجديدة للبلاد.

وبمرور العام الأول على توليه رئاسة وزراء إثيوبيا، يبرز العديد من المؤشرات الإيجابية التي شهدتها تلك الفترة سواء على المستوى الداخلي أو على الصعيد الإقليمي والدولي.

لقد ظهر “أحمد” في المشهد السياسي بينما كانت الساحة السياسية تعج بالأحداث والمشكلات والأزمات وكانت البلاد تعيش حالة من التوتر والغليان  بسبب الغضب الجماهيري الذي عبر عنه الإثيوبيون من خلال مظاهرات مضادة لرئيس الوزراء السابق عليه ما أدى إلى وجود حالة من الإضطرابات وعدم الإستقرار. وفي لحظة تاريخية مفصلية ظهر أبي أحمد خليفة لسابقه هايلي مريم ديسالين، بعد أن تم اختياره من قبل الإئتلاف الحاكم ربانا يتولى قيادة السفينة وسط الآمال العريضة بالعبور بها إلى بر الأمان.

الخلفية الإجتماعية والعملية الخاصة التي يتمتع بها “أحمد” لعبت دورا كبيرا في جدارته بالمنصب وأكسبته سمات خاصة مكنته من النجاح خلال أول عام من رئاسته للوزراء في إدارة إثيوبيا بشكل براجماتي متوازن وعلى مسافات شبه متساوية مع مختلف القوى السياسية في البلاد. فقد جمع أبي أحمد بين الخلفيتين المدنية والعسكرية في خبراته العملية حيث كان ضابطا عسكريا وصل لرتبة كولونيل في الجيش الإثيوبي وشارك في قوات حفظ السلام. كما تخصص في مجال الإتصالات ثم نال درجة الدكتوراة من معهد دراسات السلام والأمن (إيبس) التابع لجامعة أديس أبابا عن حل النزاعات المحلية. وله مساهمات كبيرة في ترقية الإتصالات ببلاده منها تأسيسه لأمن الشبكات والمعلومات، وإشرافه على توسيع عمليات البث الإذاعي والتليفزيوني قبل أن يخوض تجربة العمل السياسي كوزير للعلوم والتكنولوجيا. وهي خبرات عملية مكنته من اكتساب مزايا شخصية ساهمت في تعامله مع مختلف المواقف بأساليب علمية ومنطق سياسي عملي في نفس الوقت.

كما يأتي “أحمد” من خلفية اجتماعية وعرقية مختلفة فهو أول رئيس وزراء من عرقية أورومو، وأول رئيس حكومة مسلم في إثيوبيا وله خلفية دينية مختلطة من أب مسلم وأم مسيحية. وهو يجيد اللغات المحلية الثلاث الأمهرية والتيجرينية والأورومية إلى جانب الإنجليزية الأمر الذي ساعده على اتساع الأفق والانفتاح على مختلف الثقافات والتواصل مع جميع أبناء إثيوبيا ، إضافة لانفتاحه على العالم.

على الرغم من وجود مشكلات عديدة واستمرار أزمات مزمنة في إثيوبيا تحتاج لفترة من الوقت لحلها، إلا أن هناك إنجازات كبيرة وتطورات إيجابية حققها الإثيوبيون خلال العام الأول من رئاسة أبي أحمد للوزراء، لا يمكن لأي منصف أن ينكرها أو يتجاهلها.

على الصعيد الداخلي شهدت الساحة الإثيوبية تطورات كبيرة في الأوضاع السياسية والإقتصادية والأمنية والإجتماعية. وقد عمل “أحمد” منذ اللحظة الأولى على تهدئة الأحوال بين مختلف القوميات في بلاده وإعادة الإستقرار من خلال مناخ بث الثقة الذي خلقه بقراراته العادلة ومبادراته السياسية الجريئة بفتح صفحة جديدة مع المعارضة ورفع الحظر عن الأحزاب السياسية والإفراج عن آلاف المساجين من السياسيين والنشطاء في مجال حقوق الإنسان. كما حرص على تشكيل حكومة متوازنة من الرجال والنساء، والتواصل مع المعارضين في المنفى بل وتعيين بعضهم في مناصب مهمة كما حدث عندما استدعى المعارضة البارزة برتكان مدقسا من منفاها بالخارج وعينها رئيسة للجنة الإنتخابات الوطنية. ونجح في اكتساب احترام النساء وتقديرهن من خلال سياساته العملية نحو تمكينهن في مناصب عليا مثل تعيين المرأة رئيسة للمحكمة الفيدرالية ووزيرة للدفاع وغيرها من المناصب المهمة التي كسرت احتكار الرجال لها.

كما سعى أبي أحمد لعمل إصلاحات أمنية وقانونية كبيرة بالبلاد لمواجهة الفساد الذي يهدد مختلف المؤسسات الإثيوبية بما في ذلك الفساد العسكري الذي واجهه بحسم بالقبض على العشرات من الضباط الفاسدين وأشهرها قضايا الفساد الكبيرة التي تم كشفها في شركة ميتك التي كانت تتولى مشروع سد النهضة الإثيوبي قبل سحب الأمر منها. كما تم التعامل بحزم مع مخالفات جهات حساسة مثل وكالة أمن شبكة المعلومات بعد ثبوت تورطها في إثارة أعمال عنف قبلية. ونجح “أحمد” في القيام بحركة إصلاحات أمنية كبيرة في مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية منها قوات الدفاع الوطني وجهاز الأمن والمخابرات الوطني والشرطة الفيدرالية، وذلك من خلال إعادة هيكلتها لتكون هيئات وطنية بعيدة عن التحيز العرقي وهو ما ساهم في كسر الإحتكار العرقي لبعض الوظائف الحساسة خلال عهود سياسية سابقة. حتى عندما حدثت محاولة اغتياله ووقعت بعض أحداث عنف عرقية في أقاليم مضطربة، نجح “أحمد” في التعامل معها بشكل جيد ساهم في تجاوزها بسلام.

إلى جانب ذلك أنشأ أبي أحمد إدارات جديدة في جهاز الأمن مثل دائرة تحليل وجمع المعلومات وإدارة الأمن الإقتصادي.

وعلى الصعيد الإقتصادي استطاع أبي أحمد أن يستفيد من التطورات الإيجابية التي حققها اقتصاد بلاده خلال السنوات الأخيرة وأخذ يبني عليها بالعمل على جذب مزيد من رؤوس الأموال والإستثمارات الأجنبية التي تصب في اتجاه زيادة فرص العمل ورفع المستوى المعيشي للإثيوبيين. وهو ما تحققت بعض ثماره من خلال حجم الأموال الكبيرة التي حصلت عليها إثيوبيا منذ تولي “أحمد” وبلغت حصيلتها خلال سبعة أشهر ما يقرب من 13 مليار دولار دخلت إلى الخزينة الإثيوبية في صورة منح وتحويلات للمغتربين في الخارج وقروض- تحول بعضها إلى مساهمات استثمارية بفضل مفاوضات حكومة أبي أحمد مع الجهات المقرضة، إضافة إلى نجاح الحكومة في توفير 8 مليارات دولار للقطاع الخاص بفضل الإصلاحات الإقتصادية في تلك الفترة وذلك بحسب تصريحات رسمية لرئيس الوزراء الإثيوبي. ومن المنتظر أن تشهد الفترة المقبلة تحولات اقتصادية في قطاعات السياحة والتعدين والزراعة والري والبنى التحتية والإستثمار إلى جانب المضي قدما في مشروع سد النهضة المقرر الإنتهاء منه عام 2022.

ونجحت حكومة أبي أحمد في توسيع آفاق التعاون الإقتصادي مع دول القرن الإفريقي في إطار سياسة الوفاق السلمي التي يتبعها مع الجيران، وكذلك العمل على التعاون والدخول في صفقات واتفاقات ثنائية مع أطراف دولية وهو ما دفع الإقتصاد الإثيوبي لتحقيق طفرات وقفزات نوعية كبرى واستمرارها بقوة أكبر في عهده ليضع إثيوبيا في مصاف الدول الناهضة والمتقدمة اقتصاديا ليس في القارة الإفريقية فقط بل على مستوى العالم من حيث معدلات النمو الكبيرة المأمولة في المستقبل.

على الصعيد  الخارجي حققت إدارة أبي أحمد نجاحا ملحوظا ومشهودا له من دول العالم في ترسيخ قيم التعاون والتسامح وفتح المجال لبناء علاقات قوية مع مختلف دول العالم قائمة على أساس السلام، سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي. وعلى المستوى الإقليمي تعكس سياسة إثيوبيا في عهد أبي أحمد رغبة قوية في زعامة منطقة القرن الإفريقي كقوة إقليمية ولعب دور وسيط السلام. وكان إبرام إثيوبيا لاتفاق المصالحة التاريخي مع الجارة إريتريا بمثابة أبرز إنجازات تحولات السياسة الخارجية الإثيوبية خلال تلك السنة، خاصة مع مبادرة “أحمد” بزيارة إريتريا إيذانا بطي سجل طويل من الصراع والحروب امتد لعشرين عاما. كما مد أيادي التعاون الإقتصادي مع كينيا وسعى لتعزيز الشراكة معها في ظل علاقات ثنائية جيدة. كما حرصت حكومة أبي أحمد على الإبقاء على علاقات جيدة مع كل من السودان وجنوبه وهو ما عكسته اللقاءات التي جمعت بينهم. وعلى الرغم مما كان يثيره حكم البشير للسودان – قبل عزله- من قلاقل لكن إثيوبيا ظلت متواصلة معه حتى اللحظة الأخيرة وكانت أخر مكالمة تليفونية بين “أحمد” والبشير قبل سقوط الأخير بسويعات قليلة، وبعدها أعلنت إثيوبيا مساندتها لاختيار الشعب وصرحت بدعم المجلس الإنتقالي. كما احتفظ أبي أحمد بعلاقة دافئة مع سيلفا كير رئيس جنوب السودان، وقام بعدة رحلات مكوكية لعدد من عواصم الدول الإفريقية المجاورة ومنها مقديشيو والقاهرة والتي كانت لها انعكاسات إيجابية على تحسن العلاقات الثنائية خاصة مع مصر والتي شهدت علاقتها بإثيوبيا توترا ملحوظا في الفترة الأخيرة بسبب أزمة سد النهضة.

وخارج نطاق العلاقات الإقليمية نجح “أحمد” في مد جسور التعاون مع دول عربية وإسلامية بعيدا عن إقحام دولته في أية خلافات سياسية خارجية حيث حرص على زيارة كل من قطر والإمارات في يومين متتاليين ليظل محتفظا بأواصر التعاون الإقتصادي بين الدولتين في شتى القطاعات، إضافة إلى تركيا التي تحظى إثيوبيا بما يقرب من نصف استثماراتها في القارة الإفريقية.

ومن نفس المنطلقات والثوابت الإثيوبية في إدارة السياسة الخارجية، نجحت حكومة أبي أحمد في بناء علاقات دولية متميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي والذي ساهم في جلب ملايين الدولارات للإقتصاد الإثيوبي. إضافة إلى عدم التركيز على العالم الغربي حيث اتجهت إدارة “أحمد” شرقا أيضا نحو الصين وروسيا في إشارة إلى استمرار الحرص على تبني سياسة خارجية متوازنة مع الجميع.

لذلك لم يكن غريبا أن يحظى الدكتور أبي أحمد بتقدير كبير إقليميا ودوليا وهو ما أهله لاختياره أكثر من مرة ضمن اكثر مائة شخصية مؤثرة على مستوى العالم تأسيسا على ما حققه من إنجازات كبيرة بكل المقاييس.

مع بدء العام الثاني من رئاسته للوزراء يترقب الإثيوبيون المزيد من الإنجازات مع أبي أحمد، إلا أنها لن تكون فترة سهلة في ظل استمرار بعض العقبات الموروثة من عهود سابقة أهمها منظومة الفساد خاصة عندما تتلاقى مع الخلافات القبلية والصراعات العرقية، إضافة إلى الأعباء الإقتصادية الثقيلة التي لازال الإقتصاد الإثيوبي يتحمل توابعها بسبب الديون ومستلزمات بعض المشروعات القومية الكبرى بما فيها سد النهضة الذي أدى تأجيله إلى إصابة الإثيوبيين ببعض الإحباط والتراجع عن تمويله.

ومن ثم يبقى استمرار نجاح الدكتور أبي أحمد في موقعه رهنا بالقدرة على مجابهة تلك التحديات بحكمة وحذر ويقظة من أية محاولات تخريبية للنيل من حالة الاستقرار التي نجح في ترسيخها نسبيا داخل البلاد، مع الحفاظ على معدلات النمو والتنمية بما ينعكس إيجابيا نحو تحسين مستويات المعيشة ورفعها لمعدلات أكبر مأمولة مستقبلا.

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال