بعد احتلال بنين المرتبة الأولى في إنتاجه: القطن الإفريقي قاطرة لازدهار الإقتصادات الإفريقية
الصومال الجديد
آخر تحديث: 12/01/2020
القاهرة- آثار مشهد بكاء وزير الزراعة في دولة بنين خلال خطاب رئيس البلاد وإعلانه تحقيق دولته المرتبة الأولى في زراعة القطن على مستوى القارة الإفريقية، تعاطف الجميع ممن شاهدوا تلك اللقطة على الشاشات المتلفزة أو المواقع الخبرية الإلكترونية المختلفة والتي اهتمت بنشر صورة الوزير وهو يبكي لتكون أحد أهم الصور التي أبى عام 2019 أن يمضي قبل أن يسجلها في آخر صفحاته ليلة الرحيل. كان التفاعل الجماهيري مع الصورة لما حملته من انفعال صادق لمسؤول يحب بلاده ويعمل على تقدمها وتنمية اقتصادها من خلال موقعه الحيوي الذي يتولى من خلاله رعاية أحد أهم أركان الإقتصاد وهو القطاع الزراعي. ولما كانت الناس قد اعتادت قراءة الأخبار السلبية عن القارة الإفريقية ودولها المظلومة، فقد جاء خبر تحقيق دولة بنين لإنجاز اقتصادي حيوي ومهم مثل تصدر إنتاج القطن الإفريقي واحتلال المرتبة الأولى في القارة السمراء، مثيرا للإهتمام والتعاطف مع انفعال الوزير البنيني قائد هذا الإنجاز.
يعد القطن الإفريقي من أهم وأشهر أنواع الأقطان في العالم حيث تتميز قارة إفريقيا بزراعة القطن طويل التيلة وبكميات تقدر ب 700 ألف طن سنويا بما نسبته 7% من إجمالي الإنتاج العالمي. ووفقا لتقارير استشرافية لوزارة الزراعة الأمريكية فإن هناك عشر دول إفريقية تتصدر الدول المنتجة للقطن الإفريقي وهي بنين ومالي وبوركينا فاسو وساحل العاج والكاميرون وتوجو وتشاد والسنغال وإفريقيا الوسطى والنيجر
وكانت بوركينا فاسو تحتل المركز الأول إفريقيا والعاشر عالميا في إنتاج القطن حتى نهاية عام 2016 وهو العام الذي أنتجت فيه 158 ألف طن من القطن. وفي العام التالي سحبت مالي البساط من بوركينا فاسو ونجحت في تسجيل رقم جديد خلال موسم 2017-2018 عندما أنتجت ما يناهز 700 ألف طن من القطن وهو ما أهلها لتصدر قائمة الدول الإفريقية المنتجة للقطن.
ومثلما حققت مالي تلك القفزة الأقرب لطفرة كبرى في إنتاج القطن ببلدان القارة السمراء، نجحت دولة بنين مؤخرا في تحقيق نفس الإنجاز الإقتصادي بعد تراجع مالي واستمرار التراجع البوركيني عن القمة، لتحتلها بنين بجدارة وذلك برقم قريب من مالي حيث أنتجت 678 ألف طن من القطن. وهو إنجاز لم يأت من فراغ وإنما جاء بعد حصيلة عمل دؤوب وجهد كبير من القائمين على الزراعة في بنين، حيث تم توجيه الإستثمار الحكومي والقطاع الخاص لتحديث سلسلة توريد القطن بالكامل بجانب توفير البذور والأسمدة المطلوبة في وقتها. ويبلغ متوسط إنتاج بنين خلال الخمس سنوات 435 كجم / هكتار، وهو ما يزيد عن متوسط الإنتاج خلال نفس المدة لمنطقة الفرنك بغرب إفريقيا، التي تنتمي إليها بنين، البالغ 393 كجم / هكتار، الأمر الذي انعكس إيجابيا على إجمالي حجم إنتاج القطن هناك. ولاشك أن هذا الإنجاز يمثل تطورا مهما لشعب بنين والإقتصاد البنيني حيث يسهم القطن بنسبة 40 % من عائدات النقد الأجنبي، و12 إلى 13% من الناتج المحلي الإجمالي، وحوالي 60 % من صناعة النسيج الوطنية، ويوفر دخلًا لأكثر من 300 ألف مزارع بما يعود بالخير على أكثر من ثلث السكان، وذلك وفقا لتصريحات رسمية عن وزارة الزراعة في بنين. وقال جاستون كوسي دوسوهوي وزير الزراعة في بنين أن قطاع القطن في بلاده يفيد ما يقرب من 3 مليون من أفراد الشعب، كما أنه يمثل انطلاقة قوية لاقتصاد البلاد حيث أن كل 50 ألف طن ينتج عنها نقطة واحدة من النمو. يأتي ذلك في إطار خطة ممنهجة للإرتقاء بالإقتصاد البنيني من خلال تنويع مصادر الدخل والإنتاج والإهتمام بالقطن كمحصول استراتيجي جنبا إلى جنب مع الإهتمام بتصدير محاصيلهم التقليدية مثل الأنانس والكاجو وجوز النخيل.
إن الإهتمام بقطاع الزراعة يعد من أهم دعائم الإقتصادات الدولية خاصة عندما يتم تطوير الزراعة في البلدان الإفريقية وتحديثها وفقا لما وصلت إليه الوسائل العلمية الحديثة سواء في مواجهة التغيرات المناخية والتغلب على توابعها أو من خلال مقاومة الآفات أو جلب البذور والأسمدة الجيدة التي تسهم في رفع إنتاجية الفدان وتنعكس إيجابيا على زيادة الناتج المحلي والدخل القومي ورفع معدلات النمو الإقتصادي.
بالنظر إلى تجارب الدول الإفريقية الثلاث التي حققت تفوقا في إنتاج القطن كمحصول استراتيجي عالمي، نجد أنه ليس من المستحيل للدول الإفريقية الأخرى أن تسير في نفس الطريق وتحقق ذات الإنجاز، لأنها تجارب اعتمدت على الخطط العلمية والعمل الجاد والتعاون الدولي المثمر لدعم مناطق الإنتاج في شتى أنحاء القارة. ولايقتصر الأمر على الإستفادة من أسباب التفوق واحتلال المراتب الأولى وإنما يمتد أيضا إلى ضرورة تأمل الأسباب الكامنة وراء تراجع الدول التي كانت متفوقة حتى يمكن تفاديها أو العمل على مواجهتها قبل استفحالها مثل انتشار الآفات وتكلفة المبيدات والعمل على الإهتمام بالمساحات المزروعة بالقطن والعمل على توسيعها وفقا لمخطط اقتصادي شامل، ومراعاة قواعد التخزين. لقد علمتنا تجربة بنين الأخيرة أنه لايوجد مستحيل، بعد أن نجحت الحكومة في بنين في منح الزراعة بشكل عام أولوية كبرى من أولويات عملية الإصلاح الداخلي حيث أنتجت التقنيات الزراعية الجديدة المدعومة باستثمارات ضخمة لإنعاش الإقتصاد، كما سعت للتغلب على مشكلات عديدة لإحياء القطاع الزراعي منها تحسين التربة وميكنة الزراعة. كما أولت محصول القطن اهتماما كبيرا باعتباره المحصول النقدي الرئيسي في البلاد، وعملت الحكومة تدريجياً على توفير خدمة الميكنة وكوادر من المنسقين والمشرفين وموظفي الدعم، وهو ما أثمر عن نتائج رائعة وضعت بنين على قمة منتجي القطن في إفريقيا لأول مرة في تاريخها.
لقد أنعم الله على القارة الإفريقية بالأرض الشاسعة والتربة الخصبة والأنهار وهو ما يؤهلها لتحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة من خلال تطوير قطاع الزراعة المعتمد على هذه المعطيات، والذي يعمل فيها ما يقرب من 70% من الشعوب الإفريقية بالقارة. ومن ثم يبقى دور الإتحاد الإفريقي في دعم هذا التوجه في إطار أجندة إفريقيا 2063 وهو الدور الذي لاينفصل عن الأدوار الحيوية للتكتلات الإقتصادية الإفريقية مثل الكوميسا والساداك. ولاشك أن تزامن الإهتمام بالقطاع الزراعي مع التركيز على تنمية زراعة المحاصيل الإستراتيجية وعلى رأسها القطن، سيسهم في انتعاش اقتصادات الدول الإفريقية ومساعدتها على تحقيق معدلات نمو تنعكس إيجابيا على شعوبها.