بعد احتراق أسعار النفط .. كيف ستؤول أحوال الدول الإفريقية؟
صفاء عزب
آخر تحديث: 25/04/2020
القاهرة- بينما ينشغل العالم بمواجهة جائحة كورونا ويسعى بكل طاقته لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ضحاياه الذين أصبحوا بالآلاف، كانت هناك صدمة كبرى في انتظار العديد من الدول عندما استيقظ العالم على كابوس انهيار أسعار البترول بشكل مرعب للدرجة التي جعلت البرميل الذي يخزن فيه البترول أغلى ثمنا مما يحتويه من خام كان يطلق عليه الذهب الأسود، وهو ما يعني تعميق جراح مزيد من الدول التي أصيبت بالشلل نتيجة لتوابع الفيروس، حيث تعاني مزيدا من الخسائر الإضافية بانهيار أسعار هذه السلعة الإستراتيجية، لتهتز عروش اقتصادية كبرى وتصاب الأنظمة الإقتصادية للعديد من الدول النفطية بأزمة كارثية. ويثار التساؤل عن الآثار المترتبة على هذه الأزمة على الدول الإفريقية؟ وهل تتعرض شعوب القارة الإفريقية لأزمة اقتصادية خطيرة بالتبعية أم ستكون الطرف الرابح من هذه الأزمة؟ وماذا عن أوضاع الدول الإفريقية النفطية؟!
إن ما حدث الأسبوع من انهيار في أسعار النفط العالمية وما يرتبط به من أزمات اقتصادية كبرى، يعتبره الخبراء الإقتصاديون من أخطر الكوارث الإقتصادية منذ أزمة الكساد العالمي عام 1929. لقد تسبب وجود فائض كبير في المعروض النفطي واقتراب مخازن النفط سواء في الدول أو تلك العائمة في البحار من الامتلاء، في حدوث اختلال بين طرفي معادلة العرض والطلب ومن ثم هوت الأسعار بصورة لم تكن متخيلة حيث سجل سعر خام النفط الأمريكي بالسالب ووصل إلى سالب 37 دولار وذلك لأول مرة بالتاريخ الأمر الذي يعد أسوأ يوم في سوق النفط على الإطلاق في ظل هذه الأسعار الكارثية.
ولا شك أن الهبوط عند هذا المستوى من الأسعار يمثل خسائر فادحة لشركات النفط والعاملين في مجال التنقيب عنه وهو ما يعني احتمالات حدوث انكماش كبير في أسواق النفط وتراجع أو انسحاب عدد من الشركات النفطية في ظل ما تتحمله من ديون كبيرة قد تثقلها عن الإستمرار. وتشير بعض التقارير المتخصصة إلى احتمال إعلان أكثر من 500 شركة تعمل في التنقيب عن النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية، إفلاسها بنهاية 2021 . ويعزي الخبراء هذا الإنهيار إلى القصور في طاقة التخزين بعدما تراكمت كميات كبيرة من النفط بدون استخدام وانخفاض الطلب بنسبة 30% خلال فترة قصيرة، نتيجة لحالة الكساد والشلل الإقتصادي العالمي جراء انتشار فيروس كورونا وتدابير العزل، وإجراءات المكافحة التي تطلبت تراجعا في حركة الإنتاج وتوقفا لعجلة الحياة في كثير من المجالات. ويرى المراقبون أنه في ظل هذه الأوضاع فإن الإتفاق الذي وقعته مجموعة “أوبك+” والذي أُعلن عنه مطلع شهر إبريل الجاري غير كاف. وكانت 23 دولة مصدرة للنفط منها 13 دولة عضو في منظمة أوبك قد عقدت اتفاق أوبك بلاس لتخفيض إنتاج النفط بداية من مايو القادم بمقدار 9.7 مليون برميل يومياً.
يذكر أن هناك نوعين من الخام الأمريكي، يستخدمان كمعيارين لتحديد أسعار النفط العالمية، أولهما خام برنت الأشهر والأكثر تداولا عالميا ويستخدم كمعيار للتسعير في أوروبا وآسيا وإفريقيا، وثانيهما نفط “غرب تكساس الوسيط”، ويستخدم كمعيار لتحديد سعر النفط في أمريكا الشمالية، وهو النفط الذي انهارت أسعاره إلى ما دون الصفر. ولكن انهيار الأسعار انسحب إلى خام برنت أيضا الذي كان يتجاوز المائة دولار للبرميل وإن كان بدرجة أقل خطورة حيث وصل لما يقرب من 20 دولارا للبرميل. وتعود هذه الأزمة إلى حرب مضاربة عبر المتاجرة بعقود بيع وشراء النفط وليس المضاربة على النفط نفسه، وذلك في إطار تداول دائم لهذه العقود في السوق العالمية. كما أن استمرار المملكة العربية السعودية وكذلك روسيا في العمل على ضخ كميات كبيرة من النفط إلى الأسواق العالمية، أدى إلى تراكم كميات كبيرة من الذهب الأسود في المخازن، وضاعف من حجم الأزمة انخفاض الطلب عليه نتيجة لتوقف حركة الصناعة والتجارة ومن ثم توقف حركة المواصلات التي كانت تستهلك كميات كبيرة من النفط.
يثار التساؤل عن مصير الدول الإفريقية في ظل هذه التطورات. ويشير الخبراء إلى أن الدول التي تعتمد في إقتصادها بشكل أساسي على إنتاج وتصدير النفط الخام فإن قطاعات كبيرة داخلها ستتأثر، كما أن الميزانية العامة لتلك الدول سوف تشهد هزات كبرى وتنعكس سلبا على الإنفاق الحكومي وأداء المستحقات الخاصة بالمواطنين وعلى رأسها الرواتب، بالإضافة إلى حدوث انكماشات اقتصادية تنعكس سلبا على مستوى النمو الإقتصادي وحجم الإستثمارات الداخلية. ولكن في نفس الوقت يدعو الخبراء إلى التمهل وانتظار ما ستسفر عنه الأسابيع القليلة القادمة من تطورات في أسعار النفط في ضوء العمل بعقود الإنتاج الجديدة. كما أن الدول المستوردة للبترول قد تستفيد من هذه الأزمة وعلى رأسها الصين التي يتوقع لها أن تحقق مكاسب كبيرة من جراء الإستفادة بحرق أسعار النفط الأخيرة. وعلى صعيد آخر هناك من يشير إلى احتمالات حدوث صعود كبير في أسعار النفط بعد فترة من الاستقرار بعد تعطيش السوق وخفض الإنتاج لمستويات ملحوظة تصل بموجبها إلى نقطة توازن جديدة بين العرض الطلب وقد يشهد الطلب تفوقا على المعروض، خاصة في ظل انسحاب عدد من شركات النفط العالمية جراء إفلاسها في الأزمة الحالية، وعندئذ ربما نتحدث عن ارتفاع قياسي جديد لأسعار النفط في المستقبل ويعيد للذهب الأسود رونقه وقيمته.