بجانب الفيضانات والإنهيارات الأرضية… "كورونا" يعمق آلام الكينيين
صفاء عزب
آخر تحديث: 8/05/2020
القاهرة- بين لقطات للفيضانات القاتلة التي اجتاحت كينيا وقتلت العشرات، ومشاهد الانهيارات الأرضية التي أودت بحياة الكثير من الكينيين، خلال فترات متقاربة كان مشهد تلك الأم الكينية الفقيرة وهي تطهو لأطفالها قطعا من الحجارة، أكثر إثارة للألم والحزن العميق في القلوب على ما يتكبده الفقراء من مشقة وظلم فقط، لكنه في نفس أثار علامات استفهام عديدة حول تدهور الأحوال المعيشة لكثير من الشعوب الإفريقية في الوقت الذي تشير فيه التقارير الإقتصادية كل يوم إلى أخبار عن وجود ثروات وإكتشاف كنوز مدفونة في تلك الأراضي، وما يرتبط بذلك من الحديث عن ازدهار اقتصادي ومستقبل مشرق، يفيق الناس منها على كابوس ذلك الواقع المرير الذي تعجز فيه ام إفريقية عن العثور على طعام لأطفالها فلا تجد إلا الحجارة لتضعها في الإناء لتبعث أملا كاذبا لدى الأطفال لإشباع جوعهم.
في فترة سابقة وتحديدا في بدايات شهر إبريل الماضي، شهدت العاصمة نيروبي حالة أخرى تعكس معاناة الفقراء في كينيا عندما رصدت عدسات الإعلام حادثة تدافع آلاف الأشخاص في حي كيبيرا للحصول على المواد الغذائية، ما أدى بالشرطة إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع عليهم لتفريقهم، مما نجم عنه وقوع إصابات بحسب وسائل إعلامية. وهي واقعة تكشف عن جوانب سلبية في معالجة قضية الفقر بكينيا والقصور في التعاطي مع أزمة كورونا وما سببته من إغلاق للعديد من أبواب الرزق التي كان يتكسب منها أولئك الناس.
واقع الأمر أن هذه الواقعة وصورة تلك السيدة الكينية التي حصلت على نسبة مشاهدة عالية على الشبكة العنكبوتية، تحكي للعالم في لقطات مصورة ملامح من الحياة الصعبة للعديد من الأمهات والأباء الآخرين الذين يعجزون عن توفير الطعام لأسرهم وعائلاتهم في كينيا بشكل يعكس صعوبة الحياة واستفحال الفقر على الرغم مما حققه الإقتصاد الكيني في فترات قريبة مؤخرا من نمو وتقدم لكنه سرعان ما تراجع بفعل المتغيرات العالمية وعلى رأسها وباء كورونا، الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة عن مستقبل أحوال الكينيين في ضوء هذه المتغيرات الطارئة.
ما بين الفيضانات والإنهيارات الأرضية وما أحدثته “كورونا” من تعميق لأزمات كينيا، لا شك أن الكينيين يمرون بظروف معيشية بالغة الصعوبة ازدادت حدتها مع استفحال وباء كورونا في العالم ونجاحه في اختراق السياج الإفريقي بعد فترة كمون على الحدود، حتى أعلن عن نفسه في صور مخيفة تسبب من خلالها في العديد من الخسائر في الأرواح إلى جانب الخسائر الإقتصادية التي تتكبدها الدولة في ظل إجراءات العزل والحجر والمنع التي أصابت عجلة الحياة بالشلل وخلفت وراءها مزيدا من الفقراء الذين يصارعون الموت حتى يجدوا قوت يومهم، سيما بين السكان الذين يعيشون داخل مساكن من الصفيح، كما يزداد الخطر عند الحديث عن أحوال اللاجئين في معسكر داداب والذي يعد أكبر معسكر للاجئين بما يحتضنه من عشرات الآلاف من الأرواح وسط أحوال صحية ومعيشية تنذر بالخطر وتجعل مصائرهم في مهب الريح.
أمام هذه الأوضاع الصعبة تثور التساؤلات حول دور المساعدات وجدوى المعونات التي تحصل عليها كينيا في إنقاذ هؤلاء الضحايا من الفقراء، وهو ما جعل كثيرا من الخبراء والمراقبين يتساءلون في لهجة حادة عن مصير هذه المساعدات والتلميح عن وجود فساد في التعامل مع هذه الأزمة، ضمن منظومة الفساد التي تشهد انتعاشا كبيرا في مختلف المؤسسات الكينية حتى أن الرئيس الألماني شتاينماير شدد على مكافحة الفساد في كينيا كشرط لمزيد من الإستثمارات الألمانية هناك وذلك خلال لقائه بالرئيس الكيني قبل شهرين. ولا شك أن الأمر لا يجب أن يعتمد فقط على حسن توزيع أو استخدام المساعدات، وإنما يجب على المسؤولين في كينيا أن يعملوا بجهد وفق خطة علمية ممنهجة للتعاطي مع معطيات الواقع وتحويل محنة كورونا إلى منحة يستفيد منها التعساء والفقراء.
إن الأمر يتطلب مبادرات جماعية داخلية لمواجهة الفساد أولا ثم لمد يد العون لمساعدة الفقراء والمحتاجين وتوفير سبل عمل آمنة تتناسب مع أجواء الحظر لضمان دخل مستمر يعينهم على المعيشة، كما هو الحال بالنسبة لمبادرة “تبني أسرة”. وفي نفس الوقت هناك واجب يقع على عاتق المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية لتقديم الدعم المناسب لرفع معاناة أولئك الفقراء ومساعدتهم على تجاوز أزماتهم بأقل الخسائر، كما هو الحال عندما قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بإرسال طائرة مساعدات تحتوي على إمدادات طبية إلى كينيا، لدعمها في الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد. وكذلك صندوق النقد الدولي الذي أعلن عن حزمة مساعدات لبعض الدول الإفريقية ومنها كينيا لمساعدتها على مواجهة أعباء “كورونا”.