انقذوا القرن الإفريقي قبل أن يستوطنه "كورونا"
صفاء عزب
آخر تحديث: 1/05/2020
القاهرة- راهن الكثيرون على انكسار موجات جائحة كورونا الفيروسية القاتلة على أعتاب حدود القارة الإفريقية، وذلك لما أظهرته من مقاومة ملحوظة تسببت في تأخير ظهور علامات العدوى والإصابة بين شعوب القارة السمراء في الوقت الذي شهدت فيه مختلف دول العالم من قارة آسيا وحتى أمريكا مرورا بقارة أوربا، حالات من الفزع الكبير بسبب الإنتشار الكارثي للفيروس ومهاجمته لمئات الآلاف من الضحايا ليسقطوا بين مصابين وقتلى. وقد أصاب تأخر وصول كورونا للدول الإفريقية علماء كثيرين بحيرة كبيرة ودهشة دفعت البعض للإعتقاد بأن القارة الإفريقية محصنة ضد فيروس كورونا كوفيد 2019، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تطورا سريعا، تبدلت معه الصورة وتراجعت آراء المتفائلين بالواقع السابق، بعدما ظهرت إصابات متعددة أخذت في الإنتشار في شتى بقاع القارة الإفريقية، في موجات متتابعة بدأت بمنطقة الشمال الإفريقي، ثم امتدت غربا وشرقا وجنوبا.
على الرغم من تأخر ظهور المرض في شرق إفريقيا بشكل كبير مقارنة بباقي أنحاء القارة، إلا أن أعداد الإصابات المتزايدة بشكل متسارع في منطقة القرن الإفريقي تثير الكثير من المخاوف وعلامات الإستفهام حول سر هذا التزايد السريع، فبعد أن كانت الأمور ساكنة وهادئة إلا من حالات قليلة جدا تعد على أصابع اليدين، بدأت الإحصائيات تتسع لأرقام أكبر كما امتد الحديث ليشمل الكشف عن حالات وفاة ولا يقتصر الأمر على الإصابة فقط، الأمر الذي يدعونا إلى التساؤل عن سر هذا التطور الخطير وانعكاساته على أوضاع السكان في تلك المناطق خاصة مع ارتفاع نسبة الفقر فيها وضعف الإمكانيات الطبية والموارد والمستلزمات الضرورية لمواجهة هذه الجائحة كما في مختلف دول العالم.
لقد سجلت تقارير الإتحاد الإفريقي ارتفاعا في عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد بالقارة السمراء، لتصل عدد الإصابات، حتى كتابة هذه السطور، إلى 34 ألفا و915 إصابة منها ألفا و521 حالة وفاة، و11 ألف و309 شخص من المتعافين. وعلى الرغم من أن التقارير كشفت عن تركز حالات الوفاة في الشمال الإفريقي بواقع ألف حالة ، يليها 218 حالة وفاة في غرب إفريقيا، و107 حالة وسط إفريقيا و102 حالة فى دول جنوب القارة، بينما توقف عدد الوفيات عند 90 حالة فى دول شرق إفريقيا، إلا أن هناك مخاوف كبيرة وتحذيرات من تدهور الوضع في المشرق الإفريقي في ظل مؤشرات تسارع معدلات الإصابة بمجرد الإعلان عن الإصابات الأولى، كما حدث في إثيوبيا وكينيا والسودان، وكذلك الصومال.
كان السودان قد أعلن منذ ما يقرب من شهر عن ظهور عدد محدود جدا من حالات كورونا وعلى الرغم من العمل بالإجراءات الإحترازية وسط آمال معقودة على ارتفاع حرارة الجو في مقاومة كورونا، ارتفعت معدلات الإصابة اليومية بشكل ملحوظ حتى وصل عدد المصابين إلى 375 حالة منها 28 حالة وفاة، وكان هناك 55 حالة تم الإعلان عنها أمس الأربعاء فقط وهو مؤشر خطير لتزايد المعدلات مقارنة بالأيام الأولى. ولذلك حذرت الأمم المتحدة من أن السودان معرض لكارثة إنسانية سببها فيروس كورونا، إذا لم ترفع العقوبات المفروضة عليه ولم يتلق مساعدة مالية.
ولا يختلف الوضع كثيرا في كينيا حيث أعلنت السلطات المعنية عن ارتفاع عدد المصابين بفيروس كورونا إلى حوالي 363 حالة وارتفاع الوفيات إلى 14 حالة، وهو وضع غير مطمئن، دفع كينيا لعزل أكبر مخيم للاجئين في العالم وهو “مجمع داداب”، الذى يضم أكثر من 200 ألف لاجي بالإضافة إلى مجمع آخر يضم 196 لاجئ وفرض حظر عليهم بسبب تطورات الوضع بانتشار فيروس كورونا المستجد. ولاشك أن هذه الأوضاع تثير قلقا مضاعفا على الحالة الصحية لسكان هذه المخيمات سيما مع تدهور أوضاعهم الصحية والمعيشية فيها الأمر الذي يجعلهم بحاجة ملحة إلى نظرة اهتمام من المجتمع الدولي.
وفي إثيوبيا ارتفع عدد الإصابات المؤكدة إلى 130 حالة منها 3 حالات وفاة، وهو عدد قابل للزيادة مع حركة السفر والتواجد في تجمعات كبيرة، والاختلاط مع حالات مصابة ولم تكتشف بعد. ولا يزال الوضع تحت السيطرة أو هكذا يبدو في إريتريا نظرا لعدم تجاوز عدد الإصابات لعشرين حالة هي التي تم الإعلان عنها، ولكن ما يخشاه المراقبون أن تكون هناك حالات غير مكتشفة أو لم يتم الإبلاغ عنها تخوفا من إجراءات العزل وخلافه.
وتعد الصومال من أحدث الدول الإفريقية التي امتدت إليها خلايا فيروس كورونا الفتاك، بعد الإعلان منذ فترة عن اكتشاف حالة إصابة أعقبها، تزايد لعدد الحالات المكتشفة تباعا، حتى وصل العدد إلى 601 إصابة منها 28 حالات وفاة. وقد حذرت هيئات دولية وأممية من مخاطر انتشار الفيروس في الأراضي الصومالية في ظل تدهور الأوضاع المعيشية والصحية واختلال المنظومة الطبية حيث يوجد في الصومال طبيبان لكل 100 ألف نسمة وفقا ليانس لاركيه، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، الذي حذر من كوارث إنسانية في حال اتساع نطاق الفيروس بالصومال. كما أشار إلى خطورة الوضع في ظل وجود مؤشر سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي هناك “على حد وصفه”. إن ما يخشى عقباه هو أن تكون هناك حالات إصابة كامنة ومستترة إما لعدم وجود إمكانيات طبية لاكتشافها أو لعدم الإكتراث بالأمر من قبل البسطاء مما يؤدي إلى تدهور الأوضاع سيما في ظل الشكوى من ظاهرة تكرار حالات الوفاة من دون مقدمات أو أسباب قوية سوى بعض أعراض تشبه نزلات البرد كالزكام وخلافه، والذي قد يكون هو نفسه فيروس كورونا، الأمر الذي يخلق مبررات قوية للقلق على مستقبل الأوضاع الصحية في الصومال وجيرانها من سكان منطقة القرن الإفريقي أو شرق إفريقيا عامة.
في ظل هذه الأجو اء ينبغي ألا تقف دول العالم وخاصة العالم المتقدم علميا متفرجة على تلك الأوضاع وأن تتحرك وتسعى بكل الإمكانيات والموارد ورصد الميزانيات اللازمة لمساعدة وإنقاذ شعوب هذه المنطقة المظلومة من العالم والتي تعاني على مدار فترات طويلة من أزمات وصراعات متتابعة ولا تنتهي، كما لم تساعدها الأقدار على التمتع بثرواتها الكامنة في أراضيها، ومن ثم فهذه الشعوب في حاجة ماسة إلى مد يد العون والتعاون على المستويين الإقليمي والدولي، مع التأكيد على أن الإهتمام بها سينطوي أيضا على تحقيق مصالح جمة لشعوب العالم وأهمها قطع الطريق على هذا الفيروس الخطير ليستوطن تلك المناطق وتحويلها إلى بؤرة جديدة لسنا في حاجة إليها في ظل تعدد بؤر الانتشار في أنحاء العالم.