انفتاح إثيوبي متزايد على الاتحاد الأوروبي في عهد أبي أحمد
صفاء عزب
آخر تحديث: 17/02/2019
القاهرة- تشهد إثيوبيا حالة من النشاط الدولي والتعاون المشترك مع مختلف دول العالم سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي، وازداد هذا النشاط وضوحا خاصة بعد ظهور الدكتور أبي أحمد على الساحة السياسية وتوليه رئاسة الوزراء، وقيامه بحزمة من الإجراءات الإصلاحية داخل بلاده أكسبته ثقة وتقدير واحترام الجميع. كما لعب دورا مهما في إبرام اتفاق السلام مع الجارة إريتريا وإبدائه روحا طيبة ومرونة في المفاوضات لطى صفحة طويلة من الصراعات والحروب امتدت لعشرين عاما، إضافة إلى مساعيه الحثيثة نحو تأليف القلوب بين أبناء شعبه أو فيما بين بلاده وجيرانها.
بطبيعة الحال ساهمت هذه الأجواء في خلق مناخ إيجابي ومحفز للأطراف الدولية للدخول في علاقات تعاون مشترك، سياسيا واقتصاديا يعكس الأهمية الكبرى التي تتمتع بها إثيوبيا في المنطقة. وكان صندوق النقد الدولي قد أعلن عن تقدم الاقتصاد الإثيوبي ونموه بشكل جيد خلال السنوات العشر الماضية، حيث تقلص العجز في الحساب الراهن، وتحسنت مستويات المعيشة وانخفضت نسبة الفقراء من 45% عام 1995 إلى 23% عام 2015. ووفقا لمؤشرات البنك الدولي تحسن دخل الفرد في إثيوبيا بعدما ارتفع من 171 دولارا عام 2005 إلى 590 دولارا عام 2015 . وهو ما ارتبط بنجاح الإقتصاد الإثيوبي وتحقيقه طفرة كبرى تجاوزت العديد من اقتصادات جيرانها. ولا تكتفي إثيوبيا بما حققته وإنما تخطط من خلال مسؤوليها لرفع مستويات الدخل لأبنائها إلى ما فوق المتوسط خلال الخطط الإقتصادية المستقبلية، بعد أن كان شعبها من أفقر شعوب العالم. وتأتي أهمية تعاون إثيوبيا مع دول العالم الخارجي وانفتاحها إقليميا وعالميا لجذب المستثمرين والحصول على صفقات اقتصادية مهمة بالنسبة للإقتصاد الإثيوبي إلى جانب التأكيد على الثقل السياسي الإثيوبي في منطقة القرن الإفريقي.
مع وصول الدكتور أبي أحمد لمنصب رئيس الوزراء في بلاده، حدث انفتاح ملحوظ لإثيوبيا على العالم الخارجي ولا سيما دول الإتحاد الأوروبي، وهو ما تعكسه الزيارات المتبادلة واللقاءات بين مسؤولين إثيوبيين وأوروبيين وتتويجها في كثير من الأحيان بتوقيع اتفاقات تعاون جديدة أو تفعيل اتفاقات موجودة. وهو ما تمثل واضحا في منتدى دافوس الإقتصادي مؤخرا والذي شهد توقيع كل من إثيوبيا والإتحاد الأوروبي لاتفاقية تنموية بقيمة 130 مليون يورو في العاصمة البلجيكية بروكسل، وذلك وسط تأكيدات لرئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي جان كلود جنكر عن قوة الشراكة بين إثيوبيا والاتحاد الأوروبي، والرغبة الأوروبية في تعميقها.
وتعد هذه الإتفاقية حيوية لإثيوبيا حيث سيتم تخصيص نحو 50 مليون يورو منها لخلق فرص العمل، و35 مليون يورو للطاقة المستدامة ونحو 45 مليون يورو لإنشاء مناطق صناعية للتصنيع الزراعي في إثيوبيا وذلك وفقاً لبيانات رسمية صادرة عن المفوضية الأوروبية.
كما وقع وزير المالية الإثيوبي اتفاقية مع رئيس وفد التعاون الأوروبي في إثيوبيا إيريك هابرس، لتقديم مفوضية الاتحاد الأوروبي منحة بقيمة 20 مليون دولار، لتحسين الصحة والتغذية في البلاد. وأوضح رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي للتعاون في إثيوبيا، أن المنح الأوروبية لإثيوبيا تركز على قضايا متعلقة بالصحة والممارسات الضارة وتنظيم الأسرة.
وتتميز البيئة الإثيوبية بمجموعة من المحفزات والحوافز التي تجذب المستثمرين وتشجع الأطراف الدولية على ضخ الأموال داخل إثيوبيا، خاصة في الفترة الأخيرة التي تشهد استقرارا نسبيا وتطورا إيجابيا في المشهد الداخلي الإثيوبي تحت قيادة رئيس الوزراء آبي أحمد والذي نجح في زيادة الثقة في مصداقية الدولة ولا سيما مع حرصه على فتح صفحة جديدة من العلاقات الدولية الخالية من الصراعات والهادفة إلى التركيز في تحقيق التنمية ورفع مستويات المعيشة لأبناء شعبه.
وإذا كان كل من إثيوبيا والإتحاد الأوروبي يتمتعان بشراكة طويلة الأمد توجت عام 2016 بتوقيع الاتحاد الأوروبي وإثيوبيا “شراكة استراتيجية”، تشمل التعاون الوثيق في مجالات السلام والأمن الإقليمي والتجارة والاستثمار والهجرة والتهجير القسري، فإن الشهور القليلة التي مرت منذ وصول أبي أحمد للسلطة قد شهدت لقاءات عديدة ونشاطا مكثفا بين إثيوبيا والإتحاد الأوروبي وصارت هناك جولات مكوكية متكررة ومتبادلة بين الطرفين بشأن دعم وتفعيل التعاون المشترك.
شملت هذه الجولات زيارة فيديريكا موجيريني نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي والممثلة السامية للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، مؤخرا لإثيوبيا ولقاءها مع رئيسة إثيوبيا سهلي ورق زودي في القصر الوطني، وإجراءها محادثات مع رئيس الوزراء آبي أحمد، وذلك امتدادا للمناقشات التي أجراها الطرفان حول التعاون التنموي الذي عقد في بروكسل في أواخر شهر يناير الماضي. وقد أكدت موجيريني أن الاتحاد الأوروبي يدعم الإصلاحات السياسية والاقتصادية في أفريقيا، وأن إثيوبيا لا تنفذ إصلاحا سياسيا بداخلها فقط وإنما في المنطقة بأكملها.
وفي وقت سابق وتحديدا في نهايات عام 2018 استقبل وزير المالية الإثيوبي أحمد شيدي، وفدا من الاتحاد الأوروبي برئاسة المدير بالنيابة للجنة الأوروبية للتعاون الإنمائي الدولي هانز ستوسبول، وذلك لمناقشة التعاون الطويل الأمد بين إثيوبيا والاتحاد ومواصلة تعزيز التعاون المثالي بين الطرفين. كما وقع وفد الاتحاد الأوروبي وإثيوبيا في نوفمبر الماضي اتفاقية قرض بـ34 مليون دولار أمريكي مخصص لمساعدة سيدات الأعمال في إثيوبيا. وإلى جانب ذلك فإن الاتحاد الأوروبي أعلن عن تقديم منحة بقيمة 2.5 مليون يورو لمكتب منظمة اليونيسيف في إثيوبيا لتحسين التغذية للأطفال الذين يعانون من سوء تغذية حاد في البلاد، وذلك بموجب لقاءات وزيارات متكررة من الإتحاد الأوروبي لجهات مجتمعية في إثيوبيا.
ووفقا لاتفاقيات الشراكة الإثيوبية مع الإتحاد الأوروبي، فإن أوجه التعاون الوثيق بينهما لاتقتصر على النواحي السياسية والإقتصادية، وإنما تمتد لتشمل أيضا الهجرة والتهجير القسري. وفي هذا الإطار قام خريستوس ستيليانيدس المفوض الأوروبي للمساعدات الإنسانية، بزيارة لمخيمات إيواء بإثيوبيا لتقديم مساعدات إنسانية بقيمة ثمانية وتسعين مليون يورو لتلبية احتياجات النازحين ومساعدة مليون لاجئ هناك، وكذلك لمعالجة الكوارث الطبيعية.
ويبدو أن إثيوبيا قد بدأت في جني ثمار السلام الذي أبرمه الدكتور أبي أحمد مع إريتريا، وذلك من خلال نجاحها في إقامة علاقات تعاون ثنائية واسعة مع دول أوروبية، تتوازى مع علاقاتها القوية بمفوضية الإتحاد الأوروبي. حيث شهدت الفترة الأخيرة لقاءات مكثفة بين قادة إثيوبيا ومسؤولين من دول الإتحاد ممن يحرصون على توطيد العلاقات الثنائية مع إثيوبيا في عهدها الجديد، وبعد إنهاء خصومتها مع إريتريا. وكان من بين هذه الزيارات، زيارة الرئيس الألماني لإثيوبيا لإجراء مفاوضات ومباحثات للتعاون في الاستثمار والتدريب المهني. كما أشادت سوزانا مورهيد سفيرة المملكة المتحدة في أثيوبيا بالإصلاحات التي يقودها رئيس الوزراء أبي أحمد، مؤكدة على استعداد بريطانيا لمساعدة رئيس الوزراء الأثيوبي في إنجاز أجندة أعماله الإصلاحية. وكشفت السفيرة البريطانية عن علاقة وثيقة بين بلادها ودولة إثيوبيا باعتبارها أكبر متلق لمساعدات دعم التنمية من المملكة في القارة الإفريقية. ومن الجدير بالذكر أن بريطانيا تقدم سنويا أكثر من 340 مليون دولار إلى إثيوبيا لدعم الأنشطة التنموية فيها. وفي إطار هذه العلاقة حصلت إثيوبيا مؤخرا على منحة قدرها 176 مليون استرليني من بريطانيا وأيرلندا لرفع مستوى تعليم الأطفال والشباب. وتعد إيطاليا أيضا من الدول الأوروبية التي تحرص على التقارب مع إثيوبيا من خلال مشروعات كبرى مشتركة منها مشروع سكة حديد إريتريا-إثيوبيا.
وواقع الأمر أن كثيرا من الخير ينتظر إثيوبيا في ظل عهد الدكتور أبي أحمد الذي يسير بخطى منتظمة وفي اتجاهات متنوعة لدعم علاقات بلاده الدولية، من خلال التوسع في الانفتاح على العالم كله وخاصة الإتحاد الأوروبي ودوله التي تولي اهتماما كبيرا بالتعاون مع إثيوبيا. ولاشك أن هذه السياسة الحكيمة التي ينتهجها رئيس وزراء إثيوبيا منذ تصدر المشهد السياسي في بلاده، تأتي تحقيقا لطموحات شعبه والإرتقاء بهم وتحسين مستوى معيشتهم، وجعل إثيوبيا في مصاف الدول الكبرى في القارة السمراء.