انسحاب القوات الإفريقية بين الإقرار وصعوبة التنفيذ
الصومال الجديد
آخر تحديث: 28/02/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 21
مقدمة
تم نشر جنود بعثة الاتحاد الإفريقي لأول مرة في الصومال عام 2007 لمساعدة الحكومة الصومالية في إعادة الأمن والاستقرار ودحر حركة الشباب، وقد حققت تلك القوات بعض الإنجازات في المهام الموكلة إليها إلا أن بقاءها في الصومال أصبح أكثر مما كان متوقعا لظروف أمنية وسياسية شهدها الصومال فترة تواجدها، إلا أن مجلس الأمن الدولي اعتمد العام الماضي قرارا بسحب تدريجي للقوات الإفريقية وتسليم مهامها إلى القوات الوطنية الصومالية، غير أن ذلك القرار أثارا جدلا واسعا داخل الصومال وخارجه حول إمكانية تطبيقه على أرض الواقع.
لذلك فإن هذا التقرير يسلط الضوء على أهداف نشر القوات الإفريقية في الصومال والإنجازات التي حققتها تلك القوات والعقبات التي واجهتها وأسباب فشل الجهود التي بذلت على مدار سنوات طويلة في تأسيس قوات فاعلة للصومال تستلم المهام الأمنية من القوات الإفريقية وكذلك قرار مجلس الأمن حول انسحاب القوات الإفريقية وتداعياته المحتملة على الصومال التحديات التي تحول دون تنفيذه على الأقل في الأمد المنظور.
نشر القوة الإفريقية في الصومال
يصل قوام بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (أميصوم) إلى نحو 22 جنديا من أوغندا وبوروندي وكينيا وجيبوتي وأثيوبيا وتم نشر تلك القوات لأول مرة في الصومال في مارس 2007 الوقت الذي كان عبد الله يوسف أحمد يشغل رئيسا للبلاد ومكنت تلك القوة حكومة يوسف من العمل في العاصمة مقديشو.
وقد تم نشر القوات الإفريقية في الصومال بعد بيان أصدره الاتحاد الإفريقي في 19 يناير 2007 قرر فيه إرسال بعثة سلام إلى الصومال تحل محل القوات الأثيوبية، مهمتها الحد من التهديد الذي تشكله حركة الشباب وتقديم الدعم لجهود مؤسسات الحكومة الرامية إلى ضبط الاستقرار في البلاد وتوفير تسهيلات للجهود الإنسانية وخلق ظروف مواتية على المدى البعيد للاستقرار وإعادة الإعمار والتنمية، وأصدر مجلس الأمن الدولي في فبراير 2007 قرارا رقم 1744/2007 أكد فيه دعمه لخطوة الاتحاد الإفريقي لنشر بعثة حفظ سلام إفريقية في الصومال وترحيبه بإعلان الحكومة الاثيوبية استعدادها لسحب قواتها من الصومال.
إنجازات القوات الإفريقية في الصومال والعقبات التي واجهتها
تمكنت بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال «أميصوم» في حدود قدراتها من تحقيق بعض المهام المنوطة بها، وذلك بتوفير الأمن نسبياً في البلاد، ودعم العملية الانتقالية التي أفضت إلى تكوين البرلمان، وإصدار الدستور، وانتخاب حسن شيخ محمود كأول رئيس غير انتقالي للصومال في عام 2012، وبسط سلطة الدولة تدريجيا، بإجبار حركة الشباب على التخلي عن معقلها الأساسي بميناء كسمايو، والتراجع صوب المناطق النائية والريفية بجنوبي الصومال، بعدما كانت تسيطر على ثلثي مساحة البلاد لدى انتشار البعثة. ولا تزال البعثة مستمرة في تعضيد النظام الصومالي الحالي بقيادة الرئيس محمد عبدالله فرماجو.
وكان من بين الإنجازات التي حققتها القوات الإفريقية طرد مقاتلي حركة الشباب من العاصمة مقديشو بشكل كامل ما مكن سكانها من العودة إلى منازلهم وكانت لانتصاراتها آثار إيجابية في الساحة السياسية حيث عقدت لأول مرة في مقديشو فعاليات تشكيل البرلمان الصومالي في 2012، وبالرغم من سقوط معظم المدن الرئيسية مثل كسمايو ومركا وبراوه وجوهر وبلدوين وبيدوا في يد الحكومة إلا أن حركة الشباب ما تزال تسيطر على مناطق شاسعة في وسط وجنوب البلاد منها إقليم جوبا الوسطى الذي تديره الحركة بشكل كامل مما يشكل تحديا على تنقل القوات الإفريقية بين المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وبالرغم من الإنجازات التي حققتها القوات الإفريقية في دعمها للحكومة الصومالية فإنها تعرضت لتحديات كبيرة داخل الصومال كما واجهت مشاكل البلدان التي جاءت منها وقتل الكثير من القوات الإفريقية في هجمات كبيرة شنتها حركة الشباب على قواعدها في مختلف المناطق الصومالية.
فقد لقي العشرات من جنود بعثة الاتحاد الإفريقي مصرعهم في هجوم شنه مقاتلون من حركة الشباب في 1 سبتمبر عام 2015 على قاعدة “جنالي” على مسافة 90 كم جنوبي العاصمة مقديشو واستولت على القاعدة.
كما قتل عشرات الجنود في هجوم شنته حركة الشباب في شهر يونيو عام 2015 على قاعدة للقوات الإفريقية في ليغو التي تبعد نحو 100 كم من العاصمة مقديشو والتي كان يتحصن فيها جنود بورونديون تابعون للاتحاد الإفريقي حيث تحدث شهود عيان أنهم رأوا جثث 50 جنديا قتلوا.
أما الهجوم على قاعدة القوات الكينية التابعة للاتحاد الإفريقي في قرية “عيل عدي” في إقليم جدو جنوب الصومال في شهر يناير عام 2016 فكان الأسوأ حيث قتل مقاتلو حركة الشباب نحو 180 جنديا كينيا حسبما أكده الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود وذلك في مقابلة مع محطة التلفزيون الصومالية عند حضوره مراسم تذكارية للجنود في كينيا.
وإلى جانب الهجمات الدامية التي شنتها على قواعد القوات الإفريقية في الصومال فإن الحركة شنت هجمات انتقامية على الدول التي ساهمت بقوات في بعثة الاتحاد الإفريقي، فقد شنت عام 2010 هجوما على العاصمة الأوغندية كمبالا أسفر عن مصرع أربعة وسبعين شخصا، وأشارت إلى أنها نفذت التفجير انتقاما لما وصفته بمقتل الأبرياء جراء القصف العشوائي الذي تقوم به القوات الإفريقية في الصومال وتوعدت بمزيد من العمليات ضد الدول التي شاركت بقوات حفظ السلام الإفريقية في الصومال.
وأما كينيا كان معظم هجمات حركة الشباب من نصيبها حيث ما تزال تلك الهجمات مستمرة حتى هذه اللحظة، ومن الهجمات الدامية التي تعرضت لها كينيا هجوم مركز ويست غيت التجاري في عام 2013 حيث أعلنت الحركة أنها قتلت أكثر من 100 مواطن كيني في المركز وبررت هجومها بأنه رد على تدخل الجيش الكيني في الصومال وذكرت أن ما تعرض له الكينيون في ويست غيت هو القصاص العادل للجرائم التي ارتكبها جنودهم في الصومال، وأشارت إلى أنها حذرت كينيا من أن بقاء قواتها في الصومال سيكون له عواقب وخيمة. ومن هجمات حركة الشباب على كينيا هجومها في عام 2015 على جامعة مدينة جارسا بشمال شرق كينيا والذي أسفر عن مصرع 147 شخصا فيما أصيب 80 آخرون بجروح وأشار الرئيس الكيني أهورا كينياتا إلى أن الهجوم جعل بلاده على خطر بعد أن تمكن الإرهابيون من ارتكاب قتل وجرح واختطاف في الجامعة.
وأصبحت بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (أميصوم) تعاني بالإضافة التي التحدي الذي واجهتها من حركة الشباب من نقص التمويل والتسليح مما جعلها غير قادرة على هزيمة الحركة، فقد صدرت عدة تقارير تؤكد أن “أميصوم” لا يمكن أن تهزم حركة الشباب بمفردها، ولم تجد مطالب الاتحاد الإفريقي بتعزيز قوام البعثة إلى 26 ألف جندي آذانا صاغية، واكتفت الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم الفتات من الدعم المالي والتسليحي وتحذيرها رعاياها من السفر إلى الصومال فيما اتبعت الأمم المتحدة استراتيجية تقوم على فكرة ” الاقتراب الحذر” من الصومال دون التورط المباشر فيها وازدادت معاناة “أميصوم” بعد أن أصاب الفتور الجهات المانحة، حيث قرر الاتحاد الأوروبي في نياير 2016 خفض رواتب الجنود والعاملين في البعثة بنسبة 20% مطالبا الاتحاد الإفريقي بالبحث عن مصادر بديلة للتمويل مما أدى إلى تهديد دول مساهمة بالبعثة بالانسحاب مثل أثيوبيا وكينيا وحتى أوغندا التي تعتبر المساهم الأكبر في البعثة.
فشل جهود تأسيس قوات صومالية فاعلة
انعقد في العاصمة الصومالية مقديشو في ديسمبر 2017 مؤتمر أمني بمشاركة جهات عالمية لمناقشة بناء القوات الوطنية الصومالية وتمويلها وهي إحدى القضايا التي تناولها مؤتمر لندن بشأن الصومال في مايو 2017، وتم الاتفاق على إنشاء قوة قوامها 18000 جندي يأتون من جميع الأقاليم الصومالية لتدريبهم وتجهيزهم من أجل استلام المهام الأمنية من بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال “أميصوم”.
غير أنه يبدو أن جميع الجهود التي بذلت في إعادة القوات الوطنية الصومالية منذ سنوات طويلة باءت بالفشل ولم تنجح برامج التدريب التي قدمها الاتحاد الأوروبي للقوات الصومالية وكذلك دول أخرى مثل أثيوبيا وجيبوتي وغيرهما فما تزال القوات الصومالية التي استفادت من تلك البرامج تتعامل وكأنها مليشيات قبلية وليس على غرار القوات النظامية.
ويرجع الفشل إلى ثلاثة أسباب رئيسية هي:
1. الظروف المالية وغياب الرعاية اللازمة حيث إن الجنود يتسلمون راتبا شهريا لا يسد احتياجات الجندي مما يجعل الالتحاق بالجيش خيارا صعبا لا يقدم عليه إلا من سدت عليه بقية الأبواب.
2. حظر السلاح الذي فرضه مجلس الأمن الدولي على الصومال في مطلع التسعينيات الأمر الذي يحد من قدرات الجيش الصومالي رغم قيام المجلس بتخفيف الحظر بقدر ما يسمح بتقديم الأسلحة الخفيفة للجيش الصومالي إذ إن الجيش يحتاج إلى معدات عسكرية ثقيلة وتكنولوجيا متطورة تجعله متفوقا في الرصد والاستطلاع وتأمين شبكة اتصالات عسكرية لكن ذلك بحاجة إلى موافقة مجلس الأمن وقوى دولية وإقليمية.
3. تقلبات الأحداث السياسية في الصومال وكون المحاصصة القبلية معيارا لتقاسم السلطة مما يجعل رؤساء الأركان وقيادات الجيش عرضة للتغيير المستمر.
قرار انسحاب القوات الإفريقية من الصومال وتداعياته
أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا رقم 2372 (2017) في 30 أغسطس 2017 بخفض تدريجي لقوات بعثة الاتحاد الإفريقي من أجل إسناد دور أكبر في مجال الدعم لقوات الأمن الصومالية مع قيادتها شئون الأمن في الصومال على نحو تدريجي، مؤكدا مراعاة الظروف السياسية والأمنية في نقل المسئولية الأمنية إلى قوات الأمن الصومالية.
واستجابة لهذا القرار فقد سحبت الحكومة الأوغندية 281 من قواتها التابعين لبعثة الاتحاد الإفريقي في نهاية ديسمبر 2017 كجزء من تخفيض عدد القوات الإفريقية حسبما ذكره الناطق باسم الجيش الأوغندي رتشارد كاريميري. وأعلنت الحكومة الفيدرالية الصومالية أنها شرعت في وضع خطة لانسحاب القوات الإفريقية من البلاد وتولي القوات الوطنية المسئولية الأمنية، وأشار وزير الخارجية عيسى أحمد عود إلى أن حكومته كلفت بوضع خطة انسحاب بعثة الاتحاد الإفريقي (أميصوم) من الصومال بأسره لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن انسحاب القوات الإفريقية قد يستغرق وقتا طويلا.
إن هناك مجموعة من التحديات التي تواجه بعثة الاتحاد الإفريقي تمنعها من إنجاز المهام المنوطة بها، ومن ثم تجعل من الصعب تحقيق استراتيجية انسحابها على الأقل في المدى المنظور تتمثل في:
1 – قدرة حركة الشباب على التكيف مع بيئتها الجديدة.
2 – المشاكل الداخلية داخل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال.
3 – العقبات التي تعوق بناء مجموعة فعالة من قوات الأمن الوطنية الصومالية.
4 – عدم وجود تسوية سياسية مستدامة توضح طبيعة الفيدرالية في الصومال.
5 – تصاعد التصورات المحلية السلبية بشأن بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال.
وفي ظل هذه التحديات فإن من السابق لأوانه الحديث عن انسحاب قوات البعثة الإفريقية في الصومال، ويستبعد الخبراء أن يكون الجيش الصومالي ومؤسسات الدولة جاهزين لتسلم المهام نظرا للوضع الأمني الراهن، ويقولون إن انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي في عام 2020 سيكون في غير أوانه مشيرين إلى أن الخيار الأكثر قابلية للتطبيق هو أن تقوم الجهات الدولية المانحة بدعم مرحلة انتقالية أطول، تتراوح من خمس إلى عشر سنوات.
ونظرا للتداعيات السلبية المحتملة التي قد يتركها أي انسحاب عاجل لبعثة الاتحاد الإفريقي تعالت داخل الصومال وخارجه أصوات تحذر من ذلك الانسحاب، فقد أعرب رئيس إدارة جنوب غرب الصومال شريف حسن شيخ آدم عن قلقه الشديد حيال أخبار انسحاب القوات الإفريقية من الصومال وأوضح أن المعركة لما حسمت بعد. وذكر أن وقت انسحاب قوات الاتحاد الإفريقي لم يحن بعد، مشيرا إلى عدم استكمال بناء الجيش الصومالي لتسلم الملفات الأمنية بشكل كامل مضيفا أن الجيش الصومالي لا تتوفر لديه الإمكانات العسكرية اللازمة وأنه يعاني من نقص الاسلحة والمعدات العسكرية الثقيلة.
وهذا القلق نفسه قد عبر عنه قادة بعثة الاتحاد الإفريقي فقد شكك مبعوث الاتحاد الإفريقي إلى الصومال السفير فرانسيسكو ماديرا في جاهزية القوات المسلحة الصومالية لتولي المسئولية الأمنية بعد انسحاب القوات الإفريقية، وأوضح أنه يمكن أن تذهب الإنجازات الأمنية التي حققتها تلك القوات في العقد الماضي أدراج الرياح بسبب الانسحاب المقرر والعاجل، وأشار إلى أنه يجب على الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إدراك خطورة ذلك، مؤكدا أنه يجب إعطاء المزيد من الدعم وتمديد الصلاحيات للقوات الإفريقية.
بل إن ماديرا صرح بأن الصومال في حاجة إلى بقاء بعثة الاتحاد الإفريقي وأكد أن القوات الصومالية غير قادرة على النهوض بالمسئوليات الأمنية، وأوضح أن القوات الإفريقية ستبقى في الصومال حتى عام 2021، مضيفا أن التهديد الذي تشكله حركة الشباب والأوضاع السياسية في الصومال تحتمان بقاء القوات الإفريقية، وذكر أن الإسراع في إنهاء مهام البعثة الإفريقية ربما يؤدي إلى انزلاق الصومال إلى أوضاع أكثر خطورة.
ومن المقرر أن تستضيف أوغندا مطلع مارس المقبل مؤتمر قمة الدول المساهمة بقوات في بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال لمتابعة استنتاجات اجتماع سبتمبر لقادة هذه الدول الذي استضافه الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة لتبادل وجهات النظر بشأن الحالة في الصومال ومستقبل بعثة الاتحاد بعد اعتماد مجلس الأمن على قرار رقم 2372 (2017) بشأن التخفيض التدريجي لقوات البعثة في الصومال وتسليم المهام إلى القوات الصومالية.
وبالرغم من أن الجهات المانحة ملّت من عملية بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال الطويلة الأمد إلا أنه ليس أمامها إلا خياران الاستمرار في الدعم الذي تقدمه للبعثة حتى تنتهي العقبات التي تحول دون انسحابها من الصومال أو رجوع الصومال إلى المربع الأول حيث يرجح كثيرون أن مقاتلي حركة الشباب سيسيطرون على أية منطقة ستنسحب عنها القوات الإفريقية.
فالتهديد الذي تشكله حركة الشباب على الحكومة الصومالية والقوات الإفريقية ما زال قائما فقد وصلت ضحايا آخر هجوم شنته على العاصمة مقديشو في شهر فبراير الحالي إلى 45 قتيلا و36 جريحا، فالحركة رغم خسارتها معظم معاقلها في الصومال بعد طردها من مقديشو في أغسطس 2011، إلا أنها لا تزال تسيطر على مناطق ريفية شاسعة، مستخدمة إياها كقواعد لشن عمليات كر وفر وهجمات انتحارية في مناطق بالبلاد، بما في ذلك مقديشو، إضافة إلى استهدافها قواعد عسكرية صومالية وأجنبية.