انتعاش العلاقات المصرية الصومالية مع تولي الرئيس حسن شيخ رئاسة الصومال
الصومال الجديد
آخر تحديث: 2/07/2022
القاهرة: صفاء عزب
تشهد العلاقات الصومالية المصرية حالة من التطور الإيجابي في الفترة الأخيرة والذي تجسد بشكل واضح في العديد من الأحداث والفعاليات كان أبرزها حضور كبار المسؤولين المصريين وعلى رأسهم رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي ، نيابة عن الرئيس المصري، حفل تنصيب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في مقديشيو، الذي نقل إليه دعوة الرئيس السيسي لزيارة مصر والتباحث حول القضايا المشتركة وذلك وسط حفاوة واحتفاء كبير من الجانب الصومالي على المستويين الرسمي والشعبي. وهو ما يعتبره المحللون مؤشرا طيبا على عودة الدفء وبث الروح من جديد في العلاقات الصومالية المصرية، بعدما شهدت حالة من الفتور في ظل حكم النظام السابق، بشكل استثنائي، حيث تجمع البلدين علاقات قوية ووطيدة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ بداية من عصر الفراعنة وقدماء المصريين ومرورا بالفتح العربي الإسلامي لإفريقيا، وصولا للعصر الحديث وما شهده من خصوصية شديدة في علاقة البلدين، سيما في ظل طبيعة الموقع الجغرافي الحيوي والإستراتيجي لدولة الصومال بشرق إفريقيا وفي منطقة القرن الإفريقي، ما يجعل أمنها امتدادا مهما للأمن القومي المصري.
عودة الأجواء السياسية الدافئة
يجمع بين الصومال ومصر عدة أطر مشتركة فهما دولتان عربيتان مسلمتان إفريقيتان مما يزيد من دائرة المصالح المشتركة، كما تشترك مصر فى عضوية مجموعة الاتصال الدولية المعنية بمكافحة القرصنة قبالة السواحل الصومالية، والتي ترأست مجموعة العمل الرابعة المنبثقة عن مجموعة الاتصال والتي تختص بدعم الجهود الدبلوماسية ونشر الوعى بشأن ظاهرة القرصنة.
في هذا الإطار الأخوي تحرص مصر دائما على تعميق التعاون والعمل على زيادة أواصر الروابط المشتركة مع شقيقتها الصومال من خلال العديد من الفعاليات والمشروعات مختلفة المجالات. وقد أكد رئيس الوزراء المصري على أن مصر سوف تستمر على نهجها في مساندة الصومال، والوقوف إلى جانب تطلعات شعبه في التنمية والاستقرار والأمن، بالإضافة إلى توجيهات الرئيس السيسي بتقديم مختلف صور الدعم والمساندة الممكنة للصومال ، في كل المجالات التنموية والتدريبية والأمنية.
تزامن ذلك مع الوقت الذي أعرب فيه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود عن تقديره البالغ للمشاركة المصرية رفيعة المستوى في مراسم التنصيب نيابة عن الرئيس السيسي، وأرسل له التحية، واصفا إياه بأنه يحرص دوما على دعم الصومال في كافة المجالات وعلى جميع الأصعدة.
بطبيعة الحال انعكست هذه الأجواء السياسية الدافئة بين مصر والصومال والتي شهدها حفل تنصيب الرئيس الصومال الجديد، على مناخ العمل الديبلوماسي، حيث أكد السفير الياس شيخ عمر أبو بكر سفير جمهورية الصومال الفيدرالية لدى جمهورية مصر العربية والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية، أن العلاقات الصومالية المصرية تمر بمرحلة جديدة ومهمة، في ضوء زيارة رئيس الوزراء المصري إلى العاصمة الصومالية مقديشيو، ووصفها بأنها الزيارة التي أثلجت صدور الصوماليين وشهدت ترحيبا كبيرا في الصومال على كافة المستويات.
كما هنأ السفير الصومالي مصر رئيسا وحكومة وشعبا بمناسبة حلول الذكرى التاسعة لثورة الثلاثين من يونيو، وثمن الإنجازات الكبيرة التى حققتها مصر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى، وأشاد مجددا بالتقدم المحرز فى مستوى العلاقات المصرية – الصومالية فى الفترة الحالية مؤكدا أنها علاقات تاريخية واستراتيجية، وأن هناك حرصا مشتركا لدى القيادتين لتعزيز التعاون والتنسيق، بما يحقق تطلعات الشعب الصومالى فى السلام والأمن وتحقيق التنمية المستدامة والقضاء على الإرهاب.
وفي أعقاب ذلك بعث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، برقية تهنئة إلى رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية، حسن شيخ محمود، بمناسبة الاحتفال بذكرى تأسيس الجمهورية. وبهذه المناسبة استقبل السفير الصومالي لدى مصر، في القاهرة، مبعوث الرئيس السيسي، محمد رضا السيد، للتهنئة بهذه المناسبة.
وأعرب السفير الصومالي عن ثقته في أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من تعزيز العلاقات والتعاون بين مصر والصومال لتحقيق مصالح الشعبين المصري والصومالي.
تفاؤل بولاية الرئيس شيخ محمود
تفاؤل كبير يسود في الأوساط السياسية حول مستقبل العلاقات الصومالية المصرية، أخذ يلوح في الأفق بشكل واضح وقوي بعد الزيارة التاريخية الأخيرة للدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري والذي يعد أكبر مسؤول مصري يزور الصومال رسميا بعد وزير الخارجية الأسبق محمد كامل عمرو الذي قام بزيارة رسمية للصومال في 2013 والتي تواكبت وقتها مع تولي الرئيس حسن شيخ محمود فترة رئاسته الأولى. ويتوقع الخبراء أن تدشن هذه الزيارة لمرحلة جديدة في مسيرة العلاقات الصومالية المصرية
كما يعلق المحللون آمالا عريضة على تولي الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود في تحقيق دفعة أكبر لقوة العلاقات المصرية الصومالية نحو مزيد من التعاون الشامل الذي يهدف إلى مصلحة شعبي البلدين. لقد شهدت فترة الرئاسة الأولى للرئيس شيخ محمود (2012 – 2017) تقاربا كبيرا مع مصر حيث أجرى أربع زيارات إلى القاهرة، وتم إعادة فتح سفارتها فى مقديشيو فى عام 2013. وحتى عندما ترك منصبه، ظل محافظا على علاقته بمصر وزياراته إلى القاهرة، وجمعته علاقات جيدة مع الأكاديميين المصريين خاصة لدى مراكز البحوث الحكومية المصرية.
ولاشك أن أجواء التفاهم السياسي والديبلوماسي التي تجمع بين البلدين تسهم في خلق مناخ مناسب لتهيئة وفتح آفاق جديدة للعمل المشترك والتعاون في شتى المجالات. وهو ما أكدته تصريحات إعلامية للسفير صلاح حليمة نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الإفريقية الذي قال إن الصومال تمتلك موقعا استراتيجيا على مدخل البحر الأحمر وخليج عدن ولها أهمية قصوى فيما يتعلق بالأمن القومى المصرى والعربى .وأضاف أن المرحلة الحالية للصومال تختلف عن سابقتها فيما يتعلق بتوطيد العلاقات العربية بشكل أكثر عما كانت عليه.
تعاون مشترك
وتأسيسا على تاريخ طويل من التعاون الذي يجمع بين الصومال ومصر عبر عقود من الزمان في مجال التعليم والثقافة والتجارة والأمن وغيرها من المجالات، تشهد المرحلة الحالية إرادة قوية من البلدين في استئناف هذا التعاون بشكل أقوى مما سبق.
في هذا الإطار التقى الدكتور عبد الله الباطش مساعد وزير الشباب والرياضة للسياسات والتنمية الشبابية مع حمزة عبدى الوهاب مستشار وزير الشباب والرياضة بالصومال ومؤسس سلسلة حوارات دبلوماسية، وذلك تنفيذا لتوجيهات الدكتور أشرف صبحى وزير الشباب والرياضة ورئيس المكتب التنفيذى لمجلس وزراء الشباب والرياضة العرب نحو التوسع فى التعاون الشبابى مع الدول العربية، وفى ضوء العلاقات الوطيدة بين مصر والصومال تمت مناقشة ملف الدبلوماسية الشبابية، وكيفية تنشيط التعاون الثنائى بين وزارة الشباب والرياضة المصرية والصومالية فى مجال الشباب، وكذلك بحث الأنشطة والبرامج التى يمكن تنفيذها خلال الفترة المقبلة. وحرص الجانبان على مناقشة إمكانية استضافة وفد شبابى من الصومال فى إطار التبادل الشبابى، والإعداد لزيارة وزير الشباب والرياضة الصومالى على هامش يوم الشباب العربى والذى سيعقد خلال يوليو المقبل بالقاهرة.
وعلى الصعيد الإقتصادي تسعى مؤسسات بنكية مصرية للتواجد بشكل أقوى بالصومال، حيث يستهدف بنك مصر التواجد في قارة إفريقيا من خلال فروع في الصومال وكوت ديفوار، بالإضافة إلى مكتب تمثيل البنك بكينيا، والذي سيتم تحويله إلى فرع في وقت قريب.
وقد كشف مسؤولون صوماليون أنه جرى الانتهاء من الإجراءات الحكومية لافتتاح بنك مصر بالعاصمة مقديشيو، وسط طموحات صومالية بأن يعقب هذه الخطوة قيام مصر بالإستثمار فى الصومال لاسيما بمجالات التعليم، والرعاية الصحية، والزراعة، والمياه، وذلك بعد ضخ استثمارات مصرية بقطاعات الطاقة والمعادن والثروة السمكية. وكانت مصر قد استقبلت شحنات من العجول الحية من الصومال عبر ميناء مقديشيو الصومالي وميناء الطور المصري وذلك في إطار التعاون الإقتصادي المشترك.
كما يوجد تعاون مصري صومالي في المجال الأمني منها على سبيل المثال تدريب الضباط الصوماليين بالتعاون مع القوات المسلحة المصرية، وإن كان ذلك بشكل محدود في الفترة الحالية إلا أنه قابل للزيادة مستقبلا لمساعدة الصومال على حماية ثرواته التي حباه الله بها في أراضيه مترامية الأطراف وسواحله الشاسعة. وقد أكد الرئيس الصومالي شيخ محمود على أهمية الحاجة إلى الدعم المصري للصومال في جميع المجالات التنموية، بما فيها مجال تدريب الكوادر المدنية والأمنية.
ويأتي التعليم والثقافة على رأس أولويات التعاون بين الصومال ومصر التي أعلن مسؤولوها عن زيادة عدد المنح المصرية المقدمة لطلاب الصومال لتصل إلى 450 منحة دراسية بدلاً من 200 منحة، وسط ترحيبهم بالتعاون مع الصومال في المجالات العلمية والتعليم العالي. كما توجد تكليفات رئاسية بتقديم التسهيلات والتيسيرات للطلاب الصوماليين وقبولهم للدراسة بالجامعات المصرية، بجانب تفعيل مبادرة “ادرس فى مصر” والتي تسمح بتقديم فرص تعليمية بشكل أكبر للطلاب من الصومال، للدراسة بالجامعات المصرية فى مختلف المجالات الدراسية. ومن المتوقع أن يزداد حجم التعاون في هذا المجال خاصة مع الطلب الصومالي بفتح فروع للجامعات المصرية ومشيخة الأزهر بالصومال.
كما يأمل الصوماليون بتشغيل خط طيران مباشر بين القاهرة ومقديشيو لتعزيز التواصل إضافة إلى الحاجة للدعم الفني والمهني للكوادر في المؤسسات الصومالية لمنحها دفعه قوية حتى يتسنى لها القيام بمهامها على أكمل وجه.
ويعد المجال الصحي من المجالات الجديرة بالتعاون المشترك بين البلدين خاصة مع حاجة الصومال إلى حزمة من الدعم في القطاع الصحي، والمتمثل في تشغيل عدد كبير من المستشفيات في الأقاليم المختلفة، وإمداد هذه المستشفيات بأطباء مصريين، بجانب إمكانية إقامة مستشفى مصري في الصومال بالتوازي مع إيفاد القوافل الطبية.
بطبيعة الحال فإن توافر المناخ السياسي والأمني الهادي والمناسب للبناء والإعمار والاستثمار في مختلف المجالات هو المحفز الأساسي الذي يشجع المستثمرين المصريين على القدوم للصومال، وفي ظل القيادة الحكيمة للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود يأمل الجميع أن يزداد مستوى التعاون الصومالي والمصري ويتسع بشكل كبير بما يتناسبب مع خصوصية العلاقة ووحدة المصير الذي جمع بينهما عبر التاريخ.