انتخابات مجلس الشيوخ: موازنات بين نزاهتها ومدى تأثير رؤساء الولايات عليها
الصومال الجديد
آخر تحديث: 3/08/2021
انطلقت من مدينة كسمايو في الـ 29/يوليو/2021م، إجراءات العملية الانتخابية لأولى مقاعد مجلس الشيوخ بالبرلمان الفيدرالي القادم، محققة بذلك التحريك الرسمي للقضايا الانتخابية وترجمة الاتفاقيات السياسية بشأنها إلى واقع عملي ملموس.
وانتخب برلمان جوبالاند يومئذ أي في الـ 29/يوليو/2021م، 4 من أصل 8 نواب سيمثلون جوبالاند في مجلس الشيوخ بالبرلمان الصومالي الحادي عشر القادم.
حظيت هذه الانتخابات بترحيب واسع من قبل الأطراف الصومالية لإنهائها مرحلة من المخاوف والشكوك حول إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها المحدّد، وظهور أصوات تحذّر من محاولات جديدة تهدف إلى تأجيل الانتخابات أو إلغائها تحت مبررات مختلفة، إلاّ أن الخطوة التي قامت بها جوبالاند أزالت هذه المخاوف والشكوك.
في تعليقه على ما حدث في كسمايو يوم الخميس الماضي الـ 29/يوليو/2021م، أشار أحمد مذوبي رئيس جوبالاند إلى أن هذه الخطوة انتشلت البلاد من وحل المخاوف المحيطة والمشككة في إمكانية عقد انتخابات توافقية سلمية في الموسم الانتخابي الحالي.
بعدها بـ 4 أيام، أي في الـ 2/أغسطس/2021م، أقدمت ولاية جنوب غرب الصومال على خطوة مماثلة للخطوة التي قامت بها جارتها من الولايات الإقليمية المكوّنة للاتحاد الفيدرالي، وذلك عندما انتخب نواب برلمان الولاية 5 من أصل 8 مقاعد سيمثلون الولاية في مجلس الشيوخ بالبرلمان الفيدرالي الحادي عشر القادم.
اختلفت انتخابات جنوب غرب الصومال عن سابقتها في جوبالاند بتخصيص مقعدين من المقاعد الـ 5 المتنافس عليها لحصة الـ 30% للمرأة الصومالية في البرلمان الفيدرالي، مما أدّى إلى قدوم أول سيدتين في البرلمان الصومالي الحادي عشر القادم، من ولاية جنوب غرب الصومال.
كذلك، نالت هذه الانتخابات ونتائجها ترحيب القيادات السياسية المحافظة والمعارضة بما في ذلك اللجنة الفيدرالية لإدارة الانتخابات والقائم بأعمال رئيس الوزراء الّذي تقع على عاتقه مسؤولية إجراء انتخابات حرّة ونزيهة بالبلاد في هذا الموسم الانتخابي.
في المقابل، أظهرت نتائج هذه الانتخابات، أن لرئيس الولاية دورا كبيرا في تحديد المتنافسين على المقاعد وانتخابهم لتمثيل الولاية في مجلس الشيوخ بالبرلمان الفيدرالي، مما يعني أنه تتضاءل فرص الأشخاص والجهات المخالفة له في الفوز بهذه الانتخابات ما لم يتجرد الرئيس عن هوى النفس وحظوظها، ولم يقدّم فرصا متكافئة بين مواليه ومعارضيه.
في انتخابات مقاعد مجلس الشيوخ التي عقدت في جوبالاند، شاهد الجميع كيف استبعد مذوبي، رئيس الولاية من السباق كلّ من كانت تربطه علاقات سياسية بالرئيس المنتهية ولايته في دليل صارخ على بأنه لن يسمح للموالين لفرماجو بتمثيل جوبالاند في مجلس الشيوخ بالبرلمان الفيدرالي، وبدلا من ذلك أعاد ترشيح بعض النواب المعارضين لسياسة فرماجو مثل عبدالله شيخ إسماعيل فرتاغ، والنائب إفتين حسن محمد اللذان ينتميان إلى الحزب السياسي الذي يقوده المرشح الرئاسي حسن شيخ محمود الرئيس الصومالي السابق، وقد حقق الرجلان انتصارا ساحقا في تلك المنافسة.
وعلى النقيض من ذلك، استبعد لفتاغرين، رئيس ولاية جنوب غرب الصومال من قائمة ترشيح المتنافسين على مقاعد الولاية كل من كان يشم منه رائحة مخالفة فرماجو ومعارضته كإلياس حسن، علي سكرتير الشؤون الخارجية لحزب هميلو قرن المعارض، وحسين شيخ محمود، الأمين العام لحزب الاتحاد من أجل السلام والتنمية المعارض، ورشح لهذه المقاعد أشخاصا آخرين محيطون به سياسيا واجتماعيا مما أدّى إلى فوزهم بهذا السباق نحو مقاعد مجلس الشيوخ في البرلمان القادم.
أثبتت هذه النتائج أن لرئيس الولاية تأثيرا واضحا على عملية انتخاب ممثلي الولاية في مجلس الشيوخ بالبرلمان، وبالتالي فلن تكون العملية الانتخابية بمأمن من التزوير والتزييف واستبعاد أشخاص منها، طالما يتمتع رئيس الولاية بصلاحيات تحديد المرشحين الّذين يخوضون السباق، وهنا يقول الأستاذ حسن أحد المحللين الصوماليين: “كان ينبغي أن لا يخوّل لرئيس الولاية مثل هذه الصلاحيات، وكان من الأجدر أن يسمح لخوض الانتخابات كل من استوفى الشروط الدّستورية اللازمة لتولّي هذا المنصب، بغض النظر عن آرائه السياسية واتجاهاته الفكرية، ما لم تكن تسبح أفكاره ضدّ المسموح بها سياسيا وقانونيا ودستوريا”.
إن إطلاق يد رئيس الولاية في تقديم قائمة المرشحين لمقاعد مجلس الشيوخ، من شأنه أن يقضي على التنوع السياسي والفكري داخل قبة البرلمان، وبالتالي سيتسبب في انحسار العملية السياسية على يد فصيل سياسي معين دون الأطياف السياسية الأخرى، كما أن ذلك من شأنه أن يعطل المجلس النيابي عن أداء مهامه الدستورية: كمحاسبة السلطات التنفيذية ومتابعتها، وفي ذلك خسارة كبيرة قد تعجّل بانفراط عقد بناء الدولة الصومالية وعودة البلاد مرة أخرى إلى الوراء، – كما عرّض بذلك أحمد دعالي غيلي حاف، المرشح لأحد مقاعد مجلس الشيوخ في غلمذغ، عندما أشار إلى أنه لن يقبل أية محاولة لصده أو منعه عن خوض هذا السباق البرلماني، وعليه فإنه يجدر بالقوى السياسية الصومالية من الآن البحث عن صيغة أخرى توفر الفرص المتكافئة لجميع الأطياف السياسية على حدّ سواء لتنعم البلاد بالهدوء الأمني والاستقرار السياسي، ولكي يتم الحد من محاولات التشفي والانتقام من الطرف الآخر التي تشهدها الساحة السياسية الصومالية في كل موسم انتخابي.