الوجه الحقيقي للجنرال مونجاب
الصومال الجديد
آخر تحديث: 24/02/2017
بقلم: محمد علي حسن
في بداية الأمر انتمى السياسي الجنرال حسن محمد حسين “مونجاب” الى مريدي الطريقة القادرية وهي أحدى الطرق الصوفية ذات الانتشار الواسع في ربوع الصومال، وبعد انهيار الحكومة المركزية في البلاد وبالتحديد في الفترة مابين عامي1992-1998 كان منتظما في الحلقات العلمية في المساجد التي كانت تحت إدارة جماعة الاتحاد الإسلامي سابقا (الإعتصام بالكتاب والسنة لا حقا) وخلال تلك الفترة تأثر بشكل كبير بالفكر السلفي الذي تتبناه الجماعة لكنه لم ينضم الى صفوفها أبدا.
وفي بداية عام1999 وبالتحديد في شهر يناير / كانون الثاني من ذلك العام سافر الجنرال مونجاب الي السودان لدراسة التعليم العالي بعد أن حصل منحة دراسية من جامعة إفريقيا العالمية،وأثناء وجوده في السودان تنازل عن الفكر السلفي الذي رآه متزمتا، وأصبح ملتزما بنهج وسطي معتدل أو رثته البئية السودانية.
وفي عام2001 وبعد جهد متواصل استطاع مونجاب أن يفوز بمنصب رئيس اتحاد الطلاب الصوماليين في السودان، وجاء ذلك الفوز نتيجة استقلالية مونغاب عن التيارات الإسلامية المتنافسة حيث كان زعيم ماكان يعرف بالطلاب المستقلين عن الحركات الإسلامية الموجودة في الساحة الطلابية في السودان مثل حركة الإصلاح والتجمع الإسلامي(آل الشيخ) والإعتصام وغيرها.
ويرى بعض المحللين في شؤون الحركات الإسلامية أن الجنرال مونجاب انضم بصورة سرية الي صوفوف الحركة الإسلامية في القرن الأفريقي(الإصلاح) في الفترة مابين2001-2002 عندما كان رئيسا لإتحاد الطلاب الا أن تلك المعلومات التي كانت شائعة في أو ساط الطلاب فترة من الزمن تأكدت في نهاية المطاف عدم صدقيتها بعد غيابه وعدم مشاركته في الإجتماعات والأنشطة الحركية مثل الشعبة، والكتيبة والأسرة وما شابهها، وكذلك اختلاف أسلوب حياته مع الأدبيات الحركية المشتهرة لدى حركة الإصلاح.
وأثبتت تلك الحقائق بما لايدع مجالا للشك أن مونجاب لم يستسلم ولم ينضم يوما الى حركة الإصلاح، ولكن كان هناك شكل من أشكال التعاون بينه وبين الحركة.
وفي منتصف عام2005 عاد مونجاب الى مقديشو بعد أن شارك في مؤتمر المصالحة الذي عقد في إمغاتي بكينيا، وبعد عودته إلى البلاد أصبح مدرسا في مدرسة جوبا الثانوية الى جانب عمله في مكتب لتوثيق المعاملات والإستشارات القانونية الخاص به.
وبعد سنوات من ذلك التاريخ وبالذات عام2008 حصل لأول فرصة للإنضمام في مجال السياسية وعين مستشارا للسفارة الصومالية في السودان، ولكن ذاع صيت مونجاب وانتشر اسمه في البلاد بعد أن عينه الرئيس الصومالي الأسبق شريف شيخ أحمد رئيسا للمحكمة العسكرية، وأدى مهامه المنوطة به بجدارة في القضاء العسكري وقام بأعمال جليلة كما أدخل تعديلات جوهرية وتغييرات جذرية في عمل هذه المحكمة. ويرى بعض المهتمين بشؤون الحركات الإسلامية أن الجنرال مونجاب في تلك الفترة كان رجلا من جماعة التجمع الإسلامي(آل الشيخ).
وبعد انتخابات عام 2012 وفي حين كان السيد/عبد الكريم حسين جوليد يشغل منصب وزير الأمن الوطني كان مشغولا جداً بإدارة حملة قوية تستهدف الى تعيين الجنرال مونجاب محافظا لإقليم بنادر وعمدة لمدينة مقديشو العاصمة لإعتقاد البعض أنه عضو في تيار “الدم الجديد” لكن هذا الاعتقاد لم يكن صحيحا. وكان هناك أيضا من يعتقد أن الجنرال انضم في تلك الفترة الى “الدم الجديد” والتي هي أحدى أجنحة جماعة “الإصلاح”.
والسؤال الذي حير الكثيرين هو كيفية معرفة من هو إصلاحي من “الدم الجديد”، والسبب في ذلك يعود الي التصدع الكبير الذي لحق بجماعة الإصلاح جراء الإنشقاقات والإنقسامات، وجعلت تلك الأزمة الباب مفتوحا أمام تكهنات نتج عنها وسم كل من جالس يوما مع المجموعة بانتمائه أو بانتسابه اليها. وانتهت الجهود المارثونية بتعين الجنرال مونجاب محافظا لاقليم بنادر وعمدة لمدينة مقدشو في شهر فبراير 2014.
وكان من اللغز المحير بالنسبة للكثير أن يشاهدوا مونجاب وهو يزور، ويرحب، ويستضيف مشايخ من الطرق الصوفية من داخل وخارج البلاد، كما كان يقوم بزيارات رسمية الي مراكز الطرق الصوفية، ويشارك في المناسبات والاجتماعات المقامة على ذكرى وفاة علماء الطريقة الكبار.
يضاف الى ذلك أن الجنرال مونجاب من محبي الفنون الشعبية التقليدية، وهذا ما أثار تساؤلا لدى البعض حول وجود تفسير الى ذلك، إذ أنه كيف يمكن التوفيق بين ما قيل عن الجنرال مونجاب واتهامه بالانتماء الى السلفية العلمية، وجماعة آل الشيخ، والإصلاح تيار ”الدم الجديد”، ومع ذلك يشاهد وهو يأكل البن ويشارك في حلقات الذكر والمديح مع علماء الطرق الصوفية، الى جانب مشاركته في الرقصات الشعبية المقامة علي ترحيب دبلوماسيين أجانب والوفود الزائرة للبلاد أثناء شغله منصب محافظ بنادر وعمدة العاصمة، هذالأسلوب غير معروف عند السياسين المنتمين الى الحركات الإسلامية ومن بينها “الدم الجديد”، وهذا دليل آخر كشف الغطاء عن حقيقة أخرى مفادها أن مونجاب لم يكن يوما من الأيام عضوا في تيار “الدم الجديد”.
وبعد مرور ستة أشهر على تعينه محافظا لمحافظة بنادر وعمدة مقديشو بدأ الخلاف يدب بينه وبين “الدم الجديد”، وبدأ هذا الخلاف بعد قيامه بإقالة بعض مديري الأحياء في إقليم بنادر، وأثارت هذه الخطوة حفيظة قادة التيار ورأت مونجاب رجلا يعزز مكانته الشخصية بعيدا عن المطالب الحركية بعد تعيينه عددا كبيرا من مدراء لاينتمون الى الحركة، وكان من نصيب الحركة في وقته 3 مدراء فقط من بين17 مديرا لأ حياء العاصمة، ومنذ ذلك الوقت بدأت الحركة نشر إشاعات ضد الجنرال وهو الذي أدى في النهاية الى إعفائه من منصبه.
وبعد شهور تم تعينه مرة اخرى لمنصب وزير الدولة بوزارة العدل في الحكومة الفدرالية، وكان الاعتقاد السائد لدي الكثير أن مونجاب يتكيف مرة أخرى ويقف الى جانب المجموعة في الحملة الانتخابية الرامية الى عودة الرئيس حسن شيخ محمود لفوزه بولاية رئاسية ثانية، لكن لم يفعل ذلك وعارض بشدة قيادة الرئيس السابق حسن شيخ محمود، وبدأ يوجه انتقادات لاذعة للتيار “الدم الجديد”، ويهاجم النظام بشدة، وانخرط في الحملة الوطنية الداعية الى إحداث تغيير في النظام السياسي في البلاد، وبدأ ينادي في الساحات بأن وقت التعاضد والتكاتف لتغيير النظام قد حان، ويتعاون مع بعض المرشحين المنافسين للرئيس السابق حسن شيخ محمود والدم الجديد، وأن نضاله من أجل التغير قد تحقق في الثامن من فبراير عام2017 عندما انتخب الرئيس محمد عبد الله فرماجو.
هذا والذي يظهر من المسيرة العملية المعروضة في هذا التقرير أن الجنرال حسن محمد حسين سياسي غامض وقد تم اتهامه سابقا الى انتمائه الى السلفية وكذلك لآل الشيخ وفي وقت لاحق الى الإصلاح، لكن كلها مجرد ادعائات لا تمت بصلة الى الواقع.
ولكن من المؤكد ان الجنرال مونجاب شخصية متزنة تراعي الصداقة الشخصية والمصالح الوطنية بعيدا عن القبلية، وهو شجاع في اتخاذ القرارات الصعبة مع كفاءة يمكن له من خلالها كسب تأييد الشعب الصومالي .
وأخيرا مونجاب رجل عسكري صعب المراس ومن جانب آخر رجل دين متعدد، وسياسي معتدل.