الوجه الثالث لمؤتمر دوسمريب بين مخاوف الفشل وآمال النجاح
الصومال الجديد
آخر تحديث: 20/08/2020
في 17/أغسطس/2020م، أعلن رئيس ولاية غلمذغ السيد أحمد عبده كاريي (قورقور) انطلاق فعاليات المرحلة الأولى من مراحل الوجه الثالث لمؤتمر دوسمريب التّشاوري، في ظلّ غياب رئيسي بونتلاند وجوبالاند عن المؤتمر.
ودعا السيد قورقور حينها رئيسي بونتلاند وجوبالاند إلى المشاركة في المؤتمر وطرح قضاياهم على طاولة الحوار في الوجه الثالث لمؤتمر دوسمريب التّشاوري.
إن غياب رئيسي بونتلاند وجوبالاند عن مكان المؤتمر وإعلان الرئيس قورقور مضيف المؤتمر بانطلاق فعاليات المؤتمر أثار موجة من التّساؤلات، قسمت الشارع الصومالي إلى قسمين رئيسين: قسم يأمل في نجاح مؤتمر دوسمريب والوصول إلى اتفاق شامل وفق معطيات وقرائن على أرض الواقع، وقسم يبدي مخاوفه من فشل المؤتمر وتعذّر الوصول فيه إلى اتّفاق بين الأطراف والقوى السياسية في البلاد.
هذا، وتتمثّل النقاط التي تبعث على الأمل بنجاح المؤتمر في:
–وصول كلّ من الرئيس فرماجو، ورئيسي هيرشبيلي وجنوب غرب الصومال، ورئيس بلدية مقديشو إلى مدينة دوسمريب التي استقبلهم فيها رئيس ولاية غلمذغ الّذي يستضيف المؤتمر: يرى البعض أن وصول بعض الوفود إلى مدينة دوسمريب للمشاركة في المؤتمر بحدّ ذاته يعتبر خطوة تقدمية نحو نجاح المؤتمر، حيث كانت هناك مخاوف بإمكانية مقاطعة الجميع للمشاركة في المؤتمر بسبب التغيرات السياسية التي حدثت في البلاد جرّاء سحب البرلمان بطريقة مثيرة للجدل الثقة عن رئيس الوزراء السابق حسن علي خيري، مما أدّى إلى إبداء البعض مخاوفهم تجاه إمكانية انعقاد الوجه الثالث لمؤتمر دوسمريب، وفي هذا المضمار كتب يوسف غراد عمر وزير خارجية الصومال السابق على صفحته في الفيس بوك تعليقا يقول فيه ما معناه: “إنه لا يمكن الحديث عن فشل المؤتمر أو نجاحه قبل انعقاده، إذ إن انعقاد المؤتمر يتقدم على توقع نتائجه والتنبؤ بما سيؤول إليه الحال” وهذا دليل على وجود مخاوف لدى قطاع واسع من الشعب، لكن تبددت تلك المخاوف ولو جزئيا عند بدء التوافد على مدينة دوسمريب في 15/أغسطس/2020م، وانطلاق فعاليات المؤتمر في 17/أغسطس/2020م، مما يبعث الأمل على إنجاز المؤتمر لأهدافه وتحقيق نجاح سياسي يرضي الأطراف.
–جهود المجتمع الدولي: تتوالى دعوات المجتمع الدولي الدّاعية إلى مشاركة الجميع في المؤتمر وطرح قضاياهم هناك للوصول إلى حلّ شامل يرضي الأطراف والشركاء السياسيين حول القضايا العالقة، وعلى رأسها قضية تحديد نوع وموعد الانتخابات التي تشهدها البلاد أواخر هذا العام 2020م، أو أوائل العام القادم 2021م. إن الضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي على شركاء السياسة في الصومال من أجل انعقاد هذا المؤتمر ونجاحه، من الأمور التي تزرع الأمل في نفوس الشعب الصومالي، إذ إنه من الواضح للمتابع قوّة تأثير المجتمع الدولي على مسيرة بناء الدولة الصومالية، وعلى القوى السياسية في البلاد، لكونه مموّل عمليات إعادة بناء الصومال من جديد، لذلك فإنه من الصعب أن يكون مكتوفي الأيدي أمام تداعي البنيان الهش الّذي يسقيه ويرعاه طيلة العقدين الماضيين ولا يحرّك ساكنا، لذلك فإن المجتمع الدولي يبذل جهودا لإنجاح المؤتمر وهو مما يبعث على الأمل بنجاح المؤتمر.
–الاجتماعات التمهيدية لأعضاء اللجنة الفنية المشتركة لتقديم توصيات حول نظام الانتخابات القادمة: إن مواصلة اللجنة الفنية المشتركة لأعمالها حول تقديم خيارات متنوعة لصيغة الانتخابات التي تشهدها البلاد، من الأمور الباعثة على الأمل بنجاح المؤتمر، إذ إن وجود أجندات معينه يتم النقاش عنها لمن أهم الأسباب التي تساعد على نجاح المؤتمر والوصول فيه إلى تفاهمات حول بعض النقاط، حتى وإن تعذّر التفاهم على جميع النقاط.
إلى جانب هذه الأمور الممثلة لمؤشراتٍ على نجاح الوجه الثالث لمؤتمر دوسمريب، هناك بعض النقاط التي تشكّل مخاوف تهدد بنجاح المؤتمر وتمهّد لفشله ومن ذلك:
-استمرار غياب رئيسي بونتلاند وجوبالاند عن المؤتمر ووضع شروط للمشاركة فيه: يغيب كل من سعيد عبدالله دني رئيس بونتلاند وأحمد محمد إسلام (أحمد مذوبي) رئيس جوبالاند عن المؤتمر واشترطا للمشاركة فيه بشروط أهمها: تعيين رئيس وزراء جديد يكون حزءا من تنفيذ اتفاقيات إجراء الانتخابات القادمة 2020/2021م، ووجود ضمانات دولية لتنفيذ مخرجات المؤتمر حسبما يتم الاتفاق عليها، وغير ذلك من الشروط، مما يعقّد عملية التواصل والتفاوض بين الأطراف، وبالتالي سيمهد لفشل المؤتمر وانهياره.
–خطاب الرئيس فرماجو أمام مجلس الشعب قبيل مغادرته إلى دوسمريب: ألقى الرئيس محمد عبدالله فرماجو قبيل مغادرته إلى دوسمريب خطابا مقتضبا ذكر فيه بأنه سيعرض على مجلس الشعب بكلّ ما يتم الاتّفاق عليه في دوسمريب ليكون له – أي مجلس الشعب- القول الفصل في ذلك، طالما أنه هو السلطة التشريعية في البلاد، وممثل الشعب الصومالي، والنواة الأساسية للدولة الصومالية، مما أثار حفيظة القوى المعارضة الّذين رأوا في هذا الخطاب تمهيدا للتنصل عما سيخرج من مؤتمر دوسمريب عن قرارات سياسية مصيرية، وأن مشاركة الرئيس في هذا المؤتمر ليس إلا نوعا لكسب الوقت ولتضييع جهود القوى المعارضة وتشتيتها، بل ذهب البعض إلى أبعد من هذا عندما اعتبروا هذا الخطاب بأنه خطة لإفشال المؤتمر قبل انطلاقه، حيث يقول السياسي عبدالرحمن عبدالشكور زعيم حزب ودجر المعارض على صفحته في الفيس بوك: “إن الرئيس بخطابه هذا قد سدّ باب المفاوضات في الوجه الثالث لمؤتمر دوسمريب، إذ إن الجميع يعلم أن مجلس الشعب لن يقبل بأي نتيجة غير التمديد الإداري! وعليه فإن الطريقة الوحيدة للوصول إلى اتفاق حول صيغة انتخابية توافقية تجرى في موعدها المحدد هو وجود حكومة يمكن الاعتماد عليها والوثوق بها، إلى جانب ضمانات دولية لتنفيذ مخرجات المؤتمر” وعليه فإن خطاب الرئيس أمام مجلس الشعب قد يمثل نقطة من نقاط المخاوف التي تهدد نجاح المؤتمر والتمهيد لفشله وانهياره.
–الثبات على المواقف وعدم تقديم تنازلات: يبدو حتى هذه اللحظة تمسّك الجميع بمواقفهم وعدم استعدادهم لتقديم تنازلات، حيث إن الرئيس فرماجو ورئاسة مجلس الشعب ما زالوا يتمسكون بموقفهم الداعي إلى إجراء “انتخابات صوت واحد لشخص واحد“، بينما يتمسك الطرف الثاني المتمثل بالولايات الإقليمية، الأحزاب المعارضة، ورئاسة مجلس الشيوخ في البرلمان الصومالي بموقفهم المتمثل بعدم إمكانية إجراء هذا النوع من الانتخابات، وبالتالي فلا بدّ من وجود صيغة انتخابية أخرى يتم التوافق عليها، إن استمرار هذا التباين في الرؤى وعدم تقديم تنازلات من قبل الأطراف للوصول إلى حل، يعدّ من مهددات نجاح الوجه الثالث لمؤتمر دوسمريب.
–تغييب أو استبعاد القوى المعارضة من الأحزاب والسياسيين المستقلين عن المؤتمر: يلاحظ غياب شريحة قوية من شركاء السياسة في الصومال ومؤثّريها عن هذا المؤتمر، وهي الأحزاب السياسية المعارضة سواء كانوا منضمين تحت لواء واحد مثل منتدى الأحزاب الوطنية المعارض بقيادة شيخ شريف شيخ أحمد الرئيس الصومالي الأسبق، أو أحزابا قائمة بذاتها لا تنضم إلى تكتلات وتحالفات سياسية قائمة الآن كحزب ودجر المعارض بقيادة عبدالرحمن عبدالشكور ورسمي، وغياب هذه الشريحة عن المؤتمر يعتبر بحدّ ذاته نقطة من نقاط مخاوف فشل مؤتمر دوسمريب وانهياره.