النزاع العرقي بين أورومو والصوماليين في إثيوبيا
الصومال الجديد
آخر تحديث: 25/09/2017
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 7
المقدمة:
تشهد الأقاليم الصومالية والأورومية هذه الأيام نزاعا عرقيا متجددا بين القوميتين، وقد استفحلت الاشتباكات العنيفة الناجمة عن النزاع الذي يدور حول ملكية الأراضي، وخرج عن السيطرة، ويبدو أن نطاق الصراع يتوسع يوما بعد آخر؛ رغم كل الجهود التي بذلتها حكومتا إقليمي أروميا والصومال في إثيوبيا لوقف النزاع وتخفيف الآثار الناجمة عنه؛ إلا أن الآثار الناتجة تتخطى حدود الإقليمين.
ومما يعمق الأزمة ويوسع نطاق النزاع هو عدم رغبة الطرفين في إنهاء النزاع إلا بعد إحراز مكاسب وانتصارات على الأرض، وهذا غير بعيد في هذه المرحلة بالذات، ثم إن محاولة بعض الجهات لاستثمار النزاع الحالي بين القوميتين وتوظيفه في مصالح آنية يصب الزيت على النار ولا يخدم لمصالح القوميتين.
الخلفية التاريخية:
النزاع الصومالي- الأورومي في إثيوبيا ليس جديدا في المنطقة، بل له جذور تاريخية تعود إلى فترة ما قبل سيطرة العناصر الأخرى على المنطقة، وخاصة العناصر الأمهرية والتغراي أباطرة إثيوبيا التقليديين، ويذكر أن لأوروميا والصومال على التوالي أكبر منطقتين في إثيوبيا، ويشتركان في حدود تصل إلى 1400كيلومتر، ويمثل الصوماليون المجتمع الرعوي، بينما جيرانهم الأوروميون مع مزاولتهم حرفة رعي المواشي يميلون نحو الزراعة. وتقطن كلتا المجموعتين في المناطق المحيطة بالحدود الإقليمية.
تاريخيا تميزت علاقتهما بالمنافسة الإقليمية التي غالبا ما تؤدي إلى النزاعات والصراعات حول الموارد، بما في ذلك الآبار وأراضي الرعي. ويمكن أن تؤدي تلك الصراعات البينية إلى تشريد عشرات الآلاف وإلى مقتل مئات من القوميتين قبل أن تنتهي بحل تقليدي أو بتدخل الحكومة المركزية لإنهائها.
وفي عام 2004 أجري استفتاء لتقرير مصير في أكثر من 420 وحدة إدارية ” kebeles” ذهبت أكثر من 80% منها إلى أورميا، وعقب هذه النتيجة فر عشرات الآلاف من القومية الصومالية من تلك المناطق خوفا من العواقب، ولم تنفذ اتفاقية نقل الأرضي الواقعة تحت سيطرة الحكومية الأورومية المحلية إلى حكومة إقليم الصومال بعد، وهذا أهم أسباب وراء تجدد النزاع الحالي(1)
القواسم المشتركة والعوامل المفرقة
هناك قواسم مشتركة بين القوميتين الصومالية والأورومية لعل أهمها:
1- الأصل العرقي المشترك بين القوميتين حيث ينتمي الأوروميون إلى الأصل السلالي الحامي، وخاصة إلى الأسرة الكوشية، والتي تضم أيضا إلى جانب العفر، والساهو، القومية الصومالية ذات الانتشار الواسع في منطقة القرن الأفريقي، وتشترك هذه المجموعة لغة واحدة رغم اختلاف لهجاتها، وهي مجموعة اللغات الكوشية، والتي تصنف ضمن اللغات الأفرو- الآسيوية(2).
فالإنسان مهما بلغت درجة معرفته في الشعوب الأفريقية لا يستطيع أن يميز بين القوميتين سواء في المظهر العام والملامح والممارسات والعادات والتقاليد.
2- الدين الإسلامي: بحيث أن ما يقارب ما بين 50% إلى 80% حسب اختلاف الإحصائيات والمصادر من القومية الأورومية يدينون بالدين الإسلامي، بينما الباقي يتوزعون بين المسحية الأرثوذكسية والبروتستانت وبعض النحل والأديان المحلية الأفريقية(3).
يضاف إلى ذلك كون الصوماليين مسلمين سنة يتمذهبون بمذهب الإمام الشافعي، وهي أيضا ما تشاركه القومية الأورومية معهم.
وبالرغم من وجود الإرث المشترك من الأصل والانتماء والتقارب اللغوي والثقافي والمعيشي إلا أن بينهما تباينا ذا طابع اجتماعي وثقافي من جانب آخر، ويمكن حصر ذلك التباين فيما يلي:
1. يتميز الصوماليون برعي الإبل بينما جيرانهم من القومية الأورومية يشتهرون برعي المواشي، خاصة الأبقار، كما أن معظم الأوروميين مزارعون وفلاحون. وهذا التمايز الحرفي هو من أعظم العوامل المفرقة بين القوميتين.
2. التمايز التفاضلي في العالم الاجتماعي الإسلامي؛ بحيث اعتنق الصوماليون بكل مجموعهم الدين الإسلامي في وقت سابق، في حين اعتنقت بعض المجموعات الأورومية الدين الإسلامي في وقت لاحق؛ نتيجة لتطورات السياسية والاجتماعية في المنطقة، كما أن بعض المجموعات الأورومية مثل “بوران” حافظت على نظامها التقليدي للمعتقدات، وقد شكلت بعض المزارات والأضرحة بين الصوماليين ومسلمي أروميا مثل ضريح الشيخ حسين بليالي في “بالي” كرمز للتكامل الديني بينهما.
ومن ناحية أخرى اتسمت العلاقة بين بوران والعشائر الصومالية القاطنة في المناطق الحدودية بالمنافسة والصراع، ولا يمكن فهم الصراع الصومالي- البوراني إلا في إطار المنافسة الإقليمية الطويلة الأمد، والتفاعل بين المجموعات الإثنية فيما يتعلق بالدولة في إطار سياسات القرن الأفريقي عموما، وإثيوبيا، في مرحلة ما بعد نظام منغستو في عام 1991م؛ حيث أعيدت صياغة العلاقات بين القومية الأورومية والصومالية في السياق السياسي الجديد، بحيث حصلت كل مجموعة على إدارتها الإقليمية، وقد سهم ذلك في إعادة تشكيل المنافسة القائمة بالفعل؛ بحيث يكون لها الشكل الإقليمي، وفي هذه الحالة أصبحت الحدود الإقليمية والمطالبات الإقليمية مركزا للصراعات(4).
البحث عن المراعي أم السيطرة على الأراضي
على الرغم من التحريض وإذكاء نار العداوة وروح الكراهية من قبل بعض السياسيين الأوروميين ودعمهم الواضح لمطالب المليشيات المهاجمة على المدن والقرى الصومالية، بل ومشاركة السلطات المحلية في المواجهات إلا أنها تكتفي بتصريحاتها العلنية حول الأزمة بأنها بين رعاة وبدو من القوميتين حول المرعي والمياه، وأن السكان المحليين من القومية الصومالية يتهمون القوات الحكومية بمشاركة المعارك إلى جانب المليشيات الأورومية، الأمر الذي يؤكد على وجود نوايا عدوانية مبيّتة، الهدف من ورائها سيطرة السلطات المحلية الأورومية على أراضي صومالية جديدة، وهو ما تشير إليه كل التقارير الواردة من مناطق النزاع.
النظام الفيدرالي ودوره في تأجيج النزاع
النزاع حول ملكية الأرضي بين القوميتين كما ذكرنا كان قائما منذ عقود من الزمن؛ لكنه كان من القضايا ذات الاحتراق البطيء، وواجهت المنطقة في ظل الفيدرالية القائمة على أساس الإقليمية العرقية استدعت ضرورة ترسيم الحدود بين الإقليمين الأورومي والصومالي، والتي واجهت هي الأخرى تحديات جمة منذ البداية، فكلتا المنطقتين تطالبان مناطق حدودية معينة لنفسيهما باعتبار كونها مناطق تابعة لهما، ويتم إحياء النعرات العرقية، واستدعاء النزاع القديم لكسب معركة الاستحواذ على الأراضي، والتي يراها الكل بأنها مصيرية.
وبدعم من السلطات الاتحادية واستنادا إلى اتفاق بين الجانبين أجري استفتاء على الأراضي المتنازعة عليها بالطرق السلمية، فإن20% من أصل420 وحدة إدارية ذهبت إلى القومية الصومالية بينما الباقي إلى أوروميا، وعلى الرغم من أن الحكومة الإقليمية الصومالية سلمت جميع الوحدات الإدارية التي فقدتها والتي كانت تحت سيطرتها سابقا إلى الإدارة الأورومية المحلية فإنها لم تحصل على معاملة مماثلة من جانب سلطات إدارة أوروميا، وحتى يومنا هذا فإن إدارة أوروميا المحلية تحتفظ الوحدات الإدارية تحت سيطرتها، والتي خسرتها بسبب الاستفتاء لصالح الإقليم الصومالي(5).
وقد درجت الحكومات الإقليمية المتعاقبة على إقليم أوروميا على استخدام تكتيكات مختلفة لتأخير نقل الأراضي رغم أنها لم تعترض نتيجة الاستفتاء بصورة علنية في البداية، وبصفتها عضو ثقيل في الجبهة الثورية للشعب الإثيوبي كانت السلطات الأورومية دائما تحاول سحب البساط من تحت الأقدام عندما تأتي القضايا المتعلقة بالأرض؛ مما يعيق في نهاية المطاف تحقيق أي تقدم في موضوع النزاع حول الأراضي.
وفي المقابل، وفي مواجهة عدم اليقين، وتصاعد الإحباط، وعلى الرغم من عدم تحقيق أي انفراج قابل للتطبيق في هذه المسألة على مدى السنوات التي أعقبت الاستفتاء، كانت إحدى الاستراتيجيات البسيطة التي استخدمتها سلطات المنطقة الصومالية الانتظار بصبر وتعزيز التعايش السلمي بين الجانبين ريثما تتسنى فرصة لحل أزمة النزاع حول الأراضي مع الجارة إدارة أورميا، وهي السياسة الإقليمية التي لم تتغير عبر تلك المدة رغم اختلاف الإدارات التي جاءت إلى السلطة في المنطقة.
وهذا النهج هو الذي ساهم في إبقاء السلام في المناطق الحدودية رغم غياب روح الإيجابية من الجانب الآخر إدارة أورميا(6).
والواقع أن ما يسمى بالاستفتاء الذي أجرته الحكومة الإثيوبية على المناطق المتنازع عليها لم يأخذ بعين الاعتبار الحالة الاجتماعية والاقتصادية في منطقة يعتمد سكانها على الرعي للمعيشة، والذي يتطلب هو الآخر التنقل والارتحال الموسمي والاستخدام الواسع للبيئة، وبالتالي من الصعب ترسيم خط متين يفصل بين المجتمعات الرعوية المتجاورة، وفي حالة السعي وراء المراعي فإن الصوماليين والأوروميين يعبرون الحدود الدولية، ثم إنه في حين يقطن الأوروميون في كل من إثيوبيا وكينيا فإن الصوماليين يقطنون في أربعة بلدان في شمال شرق أفريقيا والتي هي الصومال وكينيا وجيبوتي وإثيوبيا.
ومن الواضح أن النظام الفيدرالي القائم على أساس العرقيات كالذي تنتهجه إثيوبيا الحالية لا يمكن أن يكون جزءا من الحل، بل من شأنه تأجيج النزاعات العرقية بين القوميات المختلفة، والتي بطبيعة الحال من بينها قوميتا الصومال وأرومو.
التطورات الأخيرة
التطورات الأخيرة التي شهدت المنطقة جزء من سلسلة النزاعات المسلحة وموجات العنف العرقي التي شهدتها المنطقة بين القوميتين في شهري فبراير وأبريل الماضيين بعد الطرد الممنهج لعشرات الآلاف من القومية الصومالية في المناطق التي تم نقلها إلى إدارة أورميا بعد الاستفتاء، واتبعت السلطات المحلية لإقليم أروميا تنفيذ تلك الخطة من خلال حملة وحشية تعرض السكان للقتل والتعذيب والتشريد والنهب والاغتصاب تحت تهديد السلاح على نطاق واسع، وهو ما يتنافى بوضوح روح الإيجابية الذي جرت فيه عملية الاستفتاء الذي كان يهدف إلى ترسيم الحدود بين الإدارتين بلا تهجير للسكان المحليين من منازلهم التي كانوا يقطنونها الآلاف السنين(7).
ويختلف النزاع الحالي بين القوميتين بأنه موسع، وأثر على المدن والقرى، بينما كانت النزاعات السابقة تحدث في المناطق الحدودية بين الإدارتين، إضافة إلى أن أورميا تستخدم فيها مليشيات عالية التدريب وأخرى شبه عسكرية نظامية؛ مما أدى إلى نزوح وفرار ما لا يقل عن 55 ألفا من السكان من منازلهم خوفا من المواجهات المسلحة، وتتهم سلطات أورميا قوات “ليو بولس” وهي شرطة عسكرية تعمل في الإدارة الصومالية في إثيوبيا بالمشاركة على القتال وقتل مواطنين عزل من القومية الأورومية.
موقف الحكومة المركزية من النزاع الحالي
هناك تحركات حكومية لاحتواء الأزمة الراهنة بين القوميتين من بينها إعلان الحكومة عن إعادة تأهيل النازحين في المواجهات الأخيرة، وفي إطار تلك الجهود الرامية إلى حلحلة الأزمة التقى رئيس الوزراء الإثيوبي في أديس أبابا مع شيوخ وأعيان ورجال الدين من القوميتين بحضور حاكمي الإقليمين المتنازعين، وحثهم على دعم جهود الحكومة لحل النزاع الحدودي المتجدد بين القوميتين، وشدد “ديسالين” على ضرورة إيجاد حل سلمي مستدام في المناطق المتنازع عليها، كما شكلت الحكومة الفيدرالية مؤخرا لجنة خبراء بين الإقليمين “أورميا”و “الصومال”(8).
وفي سياق منفصل أكد وزير الإعلام الإثيوبي في مقابلة له مع الـ بي بي سي الخدمة العالمية بأن وحدات من الشرطة والجيش الفيدرالي تم دفعهما إلى مناطق النزاع لوقف النزيف الحالي بين القوميتين، تأتي هذه الخطوة في حين يتهم الصوماليون القوات الحكومية بمشاركة الحرب إلى جانب مليشيات القومية الأورومية، وعلى فرض احتمالية الاتهام فإن الحكومة الإثيوبية لديها مخاوف من تجدد الاحتجاجات التي عمت أجزاء من الأقاليم الأورومية والأمهرية العام الماضي، والتي انتهت بعد استخدام الحكومة القوة لتفريق المحتجين، وأعقبت تلك الموجات من العنف، والتي يحركها بعض السياسيين من المعارضة، وفرضت الحكومة على أجزاء واسعة من مناطق إقليم أورميا حالة طوارئ استمرت 10 شهور.
ويتهم بعض الصوماليين الحكومة بتأجيج الصراع بين القوميتين لتشغيل المعارضة بالاقتتال الداخلي عن الأجندات السياسية الكبرى.
المراجع:
1. hat is behind clashes in Ethiopia’s Oromia and Somali regions? http://www.bbc.com/news/world-africa-41278618
2. http://www.marefa.org
3. المصدر السابق بتصرف
4. “الأورومو” كبرى القوميات الإثيوبية، يمثل المسلمون أغلبيتها الساحقة ( http://www.aljazeera.net/encyclopedia/movementsandparties/2016/10/6/)
5. ” http://www.eth.mpg.de/3371034/projekt
6. Shedding light on the recent violence in the border areas between Somali and Oromia regions of Ethiopia By Ismail Mohammed Abdi http://www.tigraionline.com/articles/somali-oromia-conflict.html Tigrai Online, March 12, 2017
7. المرجع السابق
8. تقرير نزاع بين إقليمي “أوروميا” و”الصومال”.. اختبار جديد لحكومة ديسالين المنشور على الموقع التالي: https://ar.haberler.com/arabic-news-1107708/