النزاع الحدودي بين الصومال وكينيا
بشير نور علي
آخر تحديث: 30/03/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 25
• المقدمة
النزاع الحدودي بين القوميات المتجاورة في القارة السمراء كان واقعا لا يمكن تجاهله؛ لذلك كانت المناطق الفاصلة بين قومية وأخرى، أو بين مملكة وأخرى تشهد توترات أمنية، والمستعمر بدوره وضع الملح على الجرح النزيف، واصطف مع بعض القوميات ضد أخرى، انطلاقا من سياسة فرق تسد.
وعلى عادته اصطف المستعمر البريطاني مع كينيا ضد الصوماليين على غرار ما فعل لصالح أثيوبيا على حساب الصومال، وضم جزءا كبيرا من الأراضي الصومالية إلى كينيا وإثيوبيا على طبق من ذهب منطلقا من الأيدلوجيات التي تجمعها مع النظم المسيحية في كل من كينيا وإثيوبيا.
الحديث عن النزاع الحدودي بين الصومال و كينيا يستدعي العروج إلى الحديث عن المنطقة الشمالية الشرقية في كينيا حالا، موقع النزاع والتوتر بين البلدين.
• المنطقة الشمالية الشرقية ( NFD)
إن المقاطعة الشمالية الشرقية كانت واحدة من المستعمرات البريطانية،”وهي ثالث أكبر محافظة في كينيا، وتضم ثلاثة عشر دائرة انتخابية ممثلة في الجمعية العامة الكينية. وقد ألحقتها السلطات الاستعمارية بكينيا عام 1948، وذلك بعد استفتاء أجري لسكان المنطقة، لكن سكان الإقليم رفضوا هذا القرار.
وفي عام 1963 وافق الصوماليون باستفتاء أجرته كينيا على الانضمام إلى جمهورية الصومال، إلا أن كينيا ألغت هذا الاستفتاء بتعاون بريطاني.
ويقدر عدد سكان الإقليم وفق إحصائية أجريت عام 1999 بنحو 962,142 نسمة، وأشارت إحصائيات أجريت في عام 2011 إلى ظهورنمو سكاني ملحوظ، ويشكل الصوماليون حوالي 5% من سكان كينيا، وتبلغ مساحته الجغرافية 126,902 كم مربع، والذي يقدر بنحو 20% من مساحة البلاد.
لقد ارتكبت السلطات الكينية في المنطقة مخالفات قانونية، وفظائع إجرامية، وقامت بأعمال القتل الجماعي، واغتصاب للقاصرات؛ لإرغام هذا الشعب الأبي على الاستسلام. هذا، وقد كان ما حدث في غارسا مأساة حقيقية تعرض لها سكان المدينة على أيدي السلطات، بالإضافة إلى تلك الجرائم التي مارستها كينيا في مدينة “وجير” حيث أسمت الأمم المتحدة ذلك “أكبر انتهاك لحقوق الإنسان في تاريخ كينيا”. إلى جانب ذلك هناك إهمال كبير لحق بالمنطقة؛ حيث أدارت النخب السياسية في البلاد ظهرها عن الاحتياجات الأساسية للمنطقة، ولم تتمتع حقوقها المشروعة مثل مثيلاتها في طول البلاد وعرضها، وإلى الآن لازالت المنطقة الشرقية ترتبط تجاريا بالمناطق الحدودية للصومال.
• الحدود البحرية بين البلدين
وبعد أن طالت معاناة الشعب الصومالي إثر انهيار الحكومة العسكرية عام 1991؛ التي كانت تضع المسؤولية الكبرى عن الشخصية الصومالية في الداخل والخارج على عاتقها، والتي كانت تحرص أراضي الدولة بالعين الساهرة، وبعد انهيار تلك الحكومة، طمعت بعض الدول المجاورة -ومنها كينيا- التوسع والاستيلاء على مزيد من المناطق الصومالية البحرية والبرية، وبدأت تخطط للنيل منه بكل الوسائل.
ففي عام 2012 طلبت كينيا من شركات دولية عاملة في مجال التنقيب العمل بتنقيب مناطق تقع ضمن الحدود البحرية في المياه الصومالية، وذلك بعد أن غيرت مسار خط الحدود البحري من جانب واحد خلافا للخط الحدودي البري بين البلدين، علما بأن الحدود البحرية هي امتداد طبيعي للحدود البرية.
وبدأت تلك الشركات العمل؛ إلا أنها توقفت من عمليات التنقيب بعد بيان صادر من الحكومة الصومالية، ما عدا شركة “إي أن آي” الإيطالية التي رفضت وقف عمليات التنقيب.
وبعد مفاوضات مباشرة بين كينيا والصومال لم تكلل بالنجاح في هذا الشأن رفعت الصومال إلى محكمة العدل الدولية شكوى ضد كينيا في 27 من شهر أغسطس 2015. وفي الموعد الذي حددته المحكمة لتقديم مذكرة الدعوى سلمتها الصومال للمحكمة، وذلك في يوم الاثنين 13 يوليو.
وعقدت المحكمة أول جلسة استماع للمحكمة في الفترة 19-23 سبتمبر 2016، وقدم الصومال وثائق تثبت الحد البحري الصحيح غير أن كينيا رفضت التحكيم الدولي.
ولا يكمن التجاهل تماما من أن النزاعات الحدودية البحرية والبرية ذات علاقة اقتصادية، إذ أن الحكومة الكينية ترغب الاستفادة من الثروات الطبيعية الكامنة في المناطق المتنازع عليها، استغلالا من الأجواء الملبدة بسحب الفوضى، وغياب المنافس القوي في الضفة المقابلة في جارتها الصومالية، لذلك تتودد سياسيين أحيانا لإبرام ما يسمى بمذكرات تفاهم أحيانا، وتستخدم ورقة الضغط على مسؤولين في الحكومات المتعاقبة أحايين أخرى.
• الجدار العازل
وبدعوى الحفاظ على أمنها بدأت الدولة المجاورة كينيا تشييد جدار عازل بينها وبين الصومال بطول الحدود، (800 كيلومتر)، بمبلغ تقدر ميزانيته بـ ـ23.6 مليار شلن كيني (نحو260 مليون دولار)، الأمر الذي أثار حفيظة الصوماليين شعبا وحكومة، وردا على القضية قال الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود إن بناء جدار على طول حدود البلدين غير مجدٍ ولن يُوقف الهجمات.
وعلى الصعيد الكيني تبرر السلطات الكينية بناءها الجدار لوقف تدفق المهاجرين غير النظاميين، والتهديدات الأمنية على البلاد، وتهريب السلع والسلاح؛ كما أشار إلى ذلك مدير خدمات الهجرة بكينيا اللواء جوردون.
ويرى كثير من المحللين أن اتخاذ هذا القرار جاء بعد هجمات مباغتة نفذتها حركة الشباب في عمق الأراضي الكينية، وكرد على هذه الهجمات أعلنت عن بناء جدار على الشريط الحدودي البالغ حوالي ثمانمائة كيلومتر دون الرجوع إلى الصومال.
وعلى الصعيد المحلي، وفي أواسط الشعب الصومالي لازال شعور العداء يهيمن على كثير من أبنائه جراء العمليات التعسفية التي تقوم بها كينيا، بدءا من توغلها للأراضي الصومالية بدون إذن مسبق من قبل الحكومة الاتحادية، وتشكيلها الإدارة المحلية لتلك المناطق دون الرجوع إلى رئيس البلد في حينها، إلى جانب الضربات الجوية التي ينفذها سلاحها الجوي على مناطق آهلة بالسكان، مما أسفر عن خسائر فادحة في صفوف الشعب العزل، بالإضافة إلى هذا الجدار العازل الذي تقوم به كينيا بناءه على الشريط الحدودي بين البلدين بقوة السلاح.
وكانت منطقة بلدحاوى ( بلدة حواء) بالذات تشهد توترات بين سكان المنطقة والقوات المسلحة بالمدرعات، في الآونة الأخيرة.
• كينيا وو لاية جوبالاند الصومالية
ولتأمين أمنها، وحماية مناطقها، وتحقيق أطماعها التوسعية، ومصالحها الاقتصادية بذلت كينيا كل ما في وسعها وتحركت هنا وهناك دبلوماسيا وعسكريا، وفي النهاية توغلت جيوشها في عمق الأراضي الصومالية تحت ذرائع جمة، ضمن حلمها بمشروع ما أطلق عليه ” آزانيا ” الذي يضم ثلاثة أقاليم ( جدو، وجوبا الوسطى، وجوبا السفلى برعاية منها وتنفيذ مسؤولين صوماليين.
وبعد فشل السياسيين الذين كانوا يحلمون تأسيس الولاية، – ولاية ” آزانيا” – استغل الرئيس الحالي لولاية جوبالاند الفرصة، وبدأ يستعد لخوض معارك مع حركة الشباب التي أخرجته من مدينة كسمايو التاريخية، لكنه عاد إليها بمساندة كينية، وبتفوق في العدة والعتاد.
وبالفعل استطاع أحمد مدوبى الاستيلاء على عاصمة إقليم جوبا السفلى، ومن بعدها عقد مؤتمر المصالحة بين سكان المدينة، وتمخض من ذاك المؤتمر تأسيس ولاية جوبالاند، وكل ذلك من تخطيط أحادي الجانب من قبل كينيا.
• كينيا وحركة الشباب
لأهمية المناطق الجنوبية عموما وبالأخص الغابات الاستوائية في المنطقة مثل غابات رأس كمبوني الاستراتيجية وصلت عناصر من القاعدة إلى المنطقة، واحتضنت حركات جهادية منذ وقت مبكر إثر إطاحة حكومة سياد برى، وكانت كينيا تراقب تحركات تلك الجماعات بكل صمت وحذر، ولم تسنح لها الفرصة في التدخل المباشر في المنطقة إلا في عام 2011.
ومرت الحركات الجهادية في تلك المناطق مراحل متعددة، إلى أن أصبح أبرز قيادييها جزءا من المحاكم الإسلامية؛ حيث وصل القيادي البارز الراحل الشيخ حسن تركي إلى مقديشو وانضم إليها، كما أصبح تنظيمه جزءا مما كان يعرف بالحزب الإسلامي.
جدير بالذكر أن الحزب الإسلامي خاض معارك طاحنة مع حركة الشباب، ومالت كفة الغلبة إلى الحركة، وتحولت الاشتباكات المسلحة بين حركة الشباب والحزب الإسلامي بقيادة “أحمد محمد مذوبي” إلى حروب طاحنة تورطت بها كينيا، حيث وقفت مع “مذوبي” مما مثل طعنة في خاصرة “الشباب “.
ففي عام 2011 اجتاحت وحدات من جيش الدفاع الكيني الحدود مع مليشيات الجهادي السابق والمناهض للشباب “أحمد محمد مذوبي” تحت إطار الدفاع عن الأمن الكيني القومي”، واستولوا على مناطق شاسعة من بينها كسمايو حاضرة جوبا السفلى، وعاصمة جوبالاند فيما بعد.
• معاناة اللاجئين الصوماليين في كينيا
مصطلح ” ما بعد الانهيار” أصبح مصطلحا تاريخيا؛ لأن انهيار وإطاحة الحكومة السابقة على أيدي الجبهات المسلحة أوقع البلاد في مفترق الطريق، ولذلك يعتبر الانهيار في تاريخ الصومال الحديث نقطة تحول جذري إذ تحول الشعب الصومال من محترم مهاب مكرم إلى لاجئ ذليل لا دخل له في أمره من شيء.
آلاف مؤلفة من الشعب الصومالي وصلوا إلى كينيا، ودخلوا في مخيمات للاجئين، مثل مخيم داداب – من أكبر مخيمات اللاجئين في العالم- وتجرع الكثير منهم كأس المذلة والمهانة هناك على أيدي قوات الشرطة أحيانا، وعلى أيدي عصابات كينية أخرى، وقد تعرض اللاجئون الصوماليون أنواع الابتزاز من النقطة الحدودية إلى المخيم.
وقال جيري سيمسون مساعد مدير المنظمة لشؤون اللاجئين إن “الشرطة تقول إنها تحمي كينيا من الإرهابيين وإنها تطبق قوانين الهجرة، عندما تعترض اللاجئين” وأضاف: “لكن في واقع الأمر فهي تبتز الصوماليين كي يدفعوا النقود مقابل المرور عبر نقاط التفتيش ومقابل عدم التعرض للاحتجاز، مما يوحي باهتمامهم بملء الجيوب أكثر من حماية الحدود”، ويضاف إلى ذلك الإجلاء القسري الذي تعرضت له الجالية الصومالية في كينيا، رغم أن القانون الكيني يعطي جميع ملتمسي اللجوء مهلة 30 يوماً بعد دخول كينيا للانتقال إلى أقرب سلطة للاجئين للتسجيل كلاجئين، بغض النظر عن كيفية دخولهم البلاد أو متى دخلوها. كما أن القانون الدولي يحظر الإعادة القسرية للاجئين إلى حيث يتعرضون للاضطهاد أو التعذيب أو حالة عنف معممة.
• كينيا بقميص أميصوم
توغلت القوات الكينية داخل الأراضي الصومالية في الثامن عشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 2011م، بحجة الدفاع عن النفس بعيدا عن أراضيها، وذلك عقب سلسلة من عمليات الاختطاف قامت بها حركة الشباب، ومن جانبها حذرت الحركة من أنها ستشن هجمات داخل الأراضي الكينية إذا لم تسحب نيروبي قواتها من الأراضي الصومالية. وجاء على لسان متحدثها الرسمي علي محمود راجي “إذا استمروا في ذلك فسيندمون وسيشعرون بعواقب ذلك داخل بلادهم”.
وكانت القوات الصومالية تعمل مع القوات الكينية جنبا إلى جنب لشن الهجمات على المناطق التي تسيطر عليها حركة الشباب، حتى تم تحرير مناطق شاسعة من سيطرة مسلحي حركة الشباب، ولتأمين تواجدها في الأراضي الصومالية بصفة شرعية، وحصول قواتها على تمويل خارجي سعت كينيا إلى تودد الاتحاد الإفريقي، الذي كان بدوره يبحث عن قوات إضافية تشارك في قوات حفظ السلام الإفريقية في الصومال. هذا وتمت عملية تحويل القوات الكينية إلى قوات تشارك في حفظ السلام الإفريقية بمباركة افريقية وأممية.