النزاع الحدودي بين الصومال وإثيوبيا: الأسباب والنتائج
الصومال الجديد
آخر تحديث: 23/02/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 20
• مقدمة
الصراع بين الصومال وإثيوبيا لم يهدأ يوما منذ زمن، وأمد طويل، بل كانت الفترات التي تفصل بين حرب وأخرى أشبه ما تكون كاستراحة محراب؛ لتعدد أسبابه وتداعياته.
معروف أن الصوماليين كانوا يُدعون بالزيالعة، وكانوا على عداء مستمر مع الأحباش، وكانت سلطتهم تمتد حتى هضبة شوا؛ حيث تقع مدينة أديس أبابا حاليا، ولم تكن الحدود ثابتة بين الدولتين؛ نتيجة للغزوات والحروب المستمرة كما يذكره صاحب كتاب ” العلاقة السياسية بين مسلمي الزيلع ونصارى الحبشة” لقد شهدت المدن الحدودية سلسلة من الهجمات، والمواجهات، ومن أهم أسباب تلك المواجهات أن الحبشة كانت تعتبر نفسها راعية الصليب في المنطقة، وكانت تتلقى الدعم من دول الغرب مركز الصليب والصليبيين، وذلك في القرن التاسع عشر الميلادي.
ولقد ” أرسل ملك الحبشة (منليك) رسائل إلى كل من بريطانيا وفرنسا عام 1885م، يدعوهما فيها إلى تسليحه ومساعدته لما أعتبره تخليص المسيحيين من ظلم المسلمين في القرن الإفريقي، وهو الأمر الذي وجد تجاوبا ودعما من الكنيسة الغربية وصانع القرار السياسي في هاتين الدولتين، وأرسلت فرنسا 40 ألف بندقية و 100 ألف خوذة و 13 ألف مسدس للمشاة، في حين أرسلت بريطانيا كميات كبيرة من الأسلحة والعتاد إلي إثيوبيا”.
بينما الصومال يمثل الإسلام في المنطقة، ويمد له يد العون بعض المماليك الإسلامية. والحرب كان سجالا بينهما، ولهما يوميات مثل يوميات العرب؛ إلا أن الاستعمار أمال كفة الغلبة إلى إثيوبيا، وأعطى جزءا من الأراضي الصومالية كإرث استعماري على طبق من ذهب لإثيوبيا العدو اللدود؛ مما أثار حفيظة الشعب الصومالي من جديد، “وفي أواسط الستينيات من القرن الماضي عام 1964 دخلت الصومال في حربها الأولى– كدولة –مع الجارة إثيوبيا لتحرير تلك القطعة من قبضة الإثيوبيين. وحظيت الصومال بدعم من الاتحاد السوفيتي والصين في تلك الحرب؛ بينما ساندت الولايات المتحدة الجانب الإثيوبي في تلك الحرب، التي انتهت دون أي انتصار لطرف على آخر، فلا الصومال استعادت أرضها، ولا إثيوبيا استطاعت الاحتفاظ الآمن بها” .
ومن هنا بدأت قصة النزاع الحدودي؛ حيث وضعت المملكة المتحدة حدودا وهمية في الأراضي الصومالية، و”رسمت وفقا لمصالحها خطوطا على الورق في المناطق التي احتلتها من أفريقيا دون اعتبار للتجمعات السكانية، الأمر الذي خلق مشكلات حدودية.
وأصبح الحدود منذ تلك اللحظة المأساوية بالنسبة إلى الصوماليين بؤرة للتوتر، وسببا للصراع بين الدولتين، وبدأت الحرب المصيرية فيها بالنسبة إلى الصوماليين، والتوسعية بالنسبة إلى الدولة المجاورة، ويمكن للجميع قياس مقدار المساحات الأرضية التي ضمت إثيوبيا إلى أراضيها، من الهضبة إلى الحدود المصطنعة حاليا، على الرغم من أنها غير متفقة بين البلدين. .
• الحروب بين البلدين 1977
هذا بالإضافة إلى أن الدولتين أصبحتا تنفذان مواجهات بالنيابة، وتحولت المنطقة إلى حلبة لصراع القوى العظمى إبان الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة، والمعسكر الشيوعي برئاسة الاتحاد السوفييتي السابق، “ومن جراء ذلك اندلعت حرب طاحنة بين الصومال وإثيوبيا على خلفية النزاع على إقليم أوغادين، واستمرت من عام 1964 إلى عام 1967، فدعمت الولايات المتحدة إثيوبيا بالمال والسلاح والتأييد السياسي في المحافل الدولية، بينما وقف الاتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية وراء الصومال، وقدمتا له المال والسلاح”.
وفي أواخر سبعينيات القرن الماضي بدأت الحرب من جديد بين البلدين، وتحديدا ” في تموز 1977، قامت جبهة تحرير الصومال الغربي بمساعدة من القوات الصومالية النظامية بغزو أوغادين (الصومال الغربي)، وأعادت الاستيلاء على حوالي 90 في المئة من الإقليم في نهاية هجومها ضد أثيوبيا”) ).
وفي بداية المعارك كان النجاح حليفا للصوماليين، واستعادوا أجزاء واسعة من الأراضي التي كانوا يرون بأنها محتلة من قبل القوات الإثيوبية إلا أن “الولايات المتحدة سرعان ما تدخلت وأمدت القوات الإثيوبية بالسلاح، ما غير من نتائج المعركة، وبدأت الكفة ترجح لصالح أديس أبابا فاتخذ سياد بري قرارا بوقف القتال”.
• التدخل الإثيوبي في الصومال
وبعد انهيار الحكومة المركزية التي كان يتزعمها الرئيس الراحل محمد سياد بري صارت السياسة الصومالية أحذية تنتعل بها كل قدم، وأصبحت الحدود الصومالية الإثيوبية مفتوحة أمام التدخلات الإثيوبية، ” ففي 19 من أكتوبر سنة 1996م دخلت إثيوبيا إلى الأراضي الصومالية؛ حيث سيطرت على مدينة (لوق) “وفي أواخر يونيو/حزيران عام 1999م سيطرت على مدينة (بيدوا) “.
ويبدو من خلال تدخلات إثيوبيا المتكررة أنها هي المستفيد الأكبر من زوال الدولة الصومالية وتقسيم أقاليمها إلى دويلات لا يقر لها قرار، حتى لا يبقى أمامها خصم يستطيع نزالها من جديد، ولهذا تعمل جاهدة ليلا ونهارا لإجهاض الخطط الرامية إلى عودة الصومال كما كان دولة ذات سيادة، تتمتع بحماية أراضيها وشعبها، ومطالبة ما هو تحت قبضة جارتيها من الأراضي المغتصبة، بسواعد رجالها وبقوة القانون.
“وتعبر هذه الوضعية عن حالة استثنائية في العلاقات الدولية، وهي حالة دولتين متجاورتين تتسم علاقاتهما بعداء تاريخي مستحكم بسبب النزاعات الحدودية والموروثات التاريخية، لاسيما النزاع على إقليم الأوجادين، إلا أن واحدة منهما (إثيوبيا) تستطيع أن تستغل ظروف الانهيار والفوضى في الأخرى (الصومال) لصالحها، بل ونجاح إثيوبيا في الحصول على اعتراف دولي وإقليمي لهذا الدور الذي تمارسه في الصومال، بزعم أن هذا الدور يصب لصالح تحقيق الأمن والاستقرار في هذا البلد”.
• أسباب النزاع الحدودي
أولا: الأسباب الأيدلوجية:
تعتبر إثيوبيا دولة مسيحية، رغم العدد الهائل من المسلمين الذين يعيشون فيها، من القوميات المختلفة؛ لما لها من تاريخ قديم في نشر المسيحية منذ أمد بعيد، والمسيحية هي الديانة الرسمية للحبشة، بينما الصوماليون اعتنقوا الإسلام، ودافعوا عنه بكل نفس ونفيس، ولا أدل على ذلك من تلك التضحيات التي قاموا بها في سبيل إعلاء كلمة الله، وفي ذلك قصص سجلها التاريخ في صفحاته، من بطولات قام بها رجال صوماليون من بينهم السيد محمد عبدله حسن والشيخ أحمد غري وغيرهم ممن جابهوا العدو والاستعمار بكل ما أوتوا من عدة وعتاد.
ثانيا: الأسباب الجغرافية:
إثيوبيا كانت قبل تسعينيات القرن الماضي مفتوحة للعالم الخارجي عبر المنفذ البحري “أسمرة” ولكن بعد انفصال إرتريا من إثيوبيا دخلت في عنق الزجاجة، وصارت منعزلة عن العالم الخارجي بأكمله، ومنذ ذاك الوقت تستورد البضائع المحملة إليها عبر ميناء جيبوتي، وبربرة.
ولذلك فالصراع الصومالي- الأثيوبي ليس صراعا على الحدود بين دولتين، و لا هو قضية تتعلق بأقلية عرقية صومالية، إنه بالأحرى نضال ضد أثيوبيا الامبريالية التي استولت على أوغادين نتيجة مشاركتها المباشرة في التقسيم الاستعماري للمنطقة. ومن هنا بدأت جبهة تحرير الصومال الغربي نشاطاتها ضد أثيوبيا بعد عام 1961، وبدعم من الصومال.
وظل حلم التوحد لكل الأراضي الصومالية حاضرا في وعي المجتمع الصومالي، وهو الأمر الذي أفرز – ضمن ما أفرز – حربا ضروساً بين نظام رئيس الصومال الأسبق سياد بري، ورئيس أثيوبيا الأسبق منغستو هايلا ماريام عامي 1977 و1978، وذلك في محاولة من مقديشو لاستعادة سيادتها على ما اقتطع منها لحساب أديس أبابا.
ثالثا: بحث إثيوبيا عن موطئ قدم في المناطق الساحلية
وانطلاقا من رؤية أن للشعب الإثيوبي الحق في حصول ميناء لاستيراد البضائع، وتصدير منتجاته بدأت إثيوبيا – بعد خروج عدة موان من يدها مثل أسمرا وعصب – تبحث عن موطئ قدم في المناطق الساحلية، والصومال تحتل من تلك المناطق مكان الصدارة، لعدة أسباب من بينها غياب الحكومة الصومالية القوية التي من أوجب واجباتها حماية ممتلكات الشعب من طمع الطامعين.
ومن أجل هذا “تسعى إثيوبيا لجعل الموانئ الصومالية الكبيرة مثل بربرا وبراو، ومركا، وبوصاصو، في خدمة اقتصادها، وأن ميناء جيبوتي الذي كان الميناء الوحيد الذي تستعمله إثيوبيا أصبح تحت سيطرة الصين التي لها مصالح كبيرة في المنطقة، وهو ما يجعل الاقتصاد الإثيوبي في خطر محدق دون بديل يذكر”.
رابعا: الإقليم الخامس الصومالي
القسم الخامس الصومالي في المصطلحات السياسية الإثيوبية (الصومال الغربي في المصطلح الصومالي) جزء لا يتجزأ من المشكلة، بل هو الجزء الأكبر، إذ أن الصومال لا تزال تحلم بلوغ ذاك اليوم الذي ستستعيد حقها من براثين الاستعمار ليختار هو بين بقاءه ككيان مستقل أو من ضمن الصومال الكبير.
معلوم لدى المؤرخين أن المملكات الحبشية في القرون الوسطى كانت تتلقى تهديدا مباشرا من قبل الزيالعة؛ حيث كانت الحروب تدور رحاها بينها وبين مسلمي الصومال بشكل مستمر، وأن هذا القسم المحاذي لأراضيها كان له النصيب الأكبر في تهديدها، وشن الهجمات عليها؛ لذلك سعت جاهدة في السيطرة عليه لتأمين استقرارها وسيادتها، ولتكون رقما صعبا لا يستهان به في المنطقة.
خامسا: التمثيل في المنطقة
منذ أن انهارت النظام وأنزلقت الصومال إلى هوة الانهيار والفوضى، وأخلت مكانها في المنطقة سياسيا، وعسكريا، كقوة مؤثرة، فلا دور فعّال لها في المنظمات الإقليمية المختلفة كمنظمة “ايغاد” ومنظمة الاتحاد الإفريقي، وكانت سابقا يحسب لها الحسبان، وتساهم في تهدئة الأوضاع في البلدان الإفريقية التي تشهد توترات أمنية وسياسية.
أما الآن فحدث عن الأمور ولا حرج، الأدوار هُمِّشت، وتم عزل البلد الصومالي عن قصد عن حضوره القوي في الساحات الإقليمية والدولية، ولم يبق له إلا التطفل على الأبواب، والخطاب معه بالخذلان، وعدم الاحترام.
• نتائج الصراع بين البلدين
نتيجة الصراعات بين البلدين التي كانت مدوية في غالب الأحيان، حروب طاحنة دارت بينهما أتت على الأخضر واليابس، وشكلت أو استضافت كلتا الدولتين جبهات قتال ضد بعضهما، وقام كل منهما بتقديم الدعم اللازم للجماعات المسلحة المناوئة للأخرى، الأمر الذي أدخل البلدين حتى وقت متأخر من القرن الماضي، موجات من الصراع الدامي بين أبناء شعب المنطقة.
ومن نتائج الصراعات المتكررة عدم استقرار البلدين سياسيا، واقتصاديا، وأمنيا، ومن نتائجه أيضا انعدام الثقة بينها رغم المصالح المشتركة، هذا بالإضافة إلى سقوط الآلاف من القتلى والجرحى منذ بداية الهجمات والهجمات المعاكسة بينهما.
• العلاقة بين البلدين بعد انهيار الحكومتين
العلاقة بين البلدين لم يكتب لها أن تسير نحو التطبيع، وحسن الجوار إلا في حالات استثنائية؛ حيث كانت علاقة يشوبها الحذر أحيانا والتوتر غالبا، أفضل مثال لتقريبه إلى أذهان براميل بارود، تنتظر أول شعلة لتنفجر من جديد.
“وقد أدركت أديس أبابا أن وجود حكومة صومالية قوية قد يشكل خطرًا محدقًا عليها، فسعت بكل ما أوتيت من قوة لإفشال الحكومات المتعاقبة على حكم الصومال، ومن أجل ذلك جندت عملاء ووكلاء لها في الداخل الصومالي، وغذَّت الصراعات التي وقعت بالصومال بالمال والسلاح، وسلكت في تعاملها مع منطقة أوجادين مسلكاً آخر، فكان أن منحتها استقلالا شبه تام، حتى لا تصبح منطقة مستقلة، ولا تعود مرة أخرى تحت سلطة دولة الصومال”.