النزاع الحدودي بين ارتريا وإثيوبيا
الصومال الجديد
آخر تحديث: 17/03/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 23
مقدمة
نبذة عن كلتا الدولتين
أولا إرتريا:
ارتريا دولة أفريقية عاصمتها أسمرة، وهي دولة ساحلية، تقع قبالة سواحل بحر الأحمر، يحدها من الشرق البحر الأحمر، ومن الغرب السودان، ومن الجنوب إثيوبيا ، وجيبوتي من الجنوب الشرقي. وتصل مساحتها إلى 118,000 كم² وعدد سكانها 4 مليون نسمة، وتتنوع فيها التضاريس والمناخ، وتمتلك شاطئًا يمتد ألف كيلومتر على البحر الأحمر، يمتد من “رأس قصار” على الحدود السودانية شمالا إلى باب المندب في “رأس أرجيتا” في جيبوتي جنوبًا، ويقع في هذا الساحل أهم موانئ البحر الأحمر وهو: “عصب” و”مصوع”، وتتبع إرتريا (126) جزيرة، أهمها أرخبيل دهلك وبه نحو 25 جزيرة، أهمها من الناحية الإستراتيجية جزيرتا “فاطمة” و”حالب”. ويزيد عدد السكان عن أربعة ملايين نسمة.
ثانيا إثيوبيا
تقع إثيوبيا في القرن الأفريقي، وعاصمتها أديس أبابا، وهي دولة غير ساحلية، ولها حدود مع ست دول يحدها من الشرق كل من جيبوتي و الصومال، ومن الشمال دولة أريتريا و من الشمال الغربي السودان، ومن ناحية الغرب جنوب السودان والجنوب الغربي كينيا، وهي تحتل المركز الثاني من حيث السكان، والمركز العاشر من حيث المساحة في القارة السمراء، ولها سجل تاريخي مع الاستعمار، وخاصة الاستعمار الايطالي الذي اجتاح أراضيها، ولم يبق فيها كثيرا، ونجحت في كسب ثقة المستعمر الغرب، مما سمح لها الطفر في ضم مساحات كبيرة من أراضي جيرانها إليها مثل – ارتريا كاملا وجزء كبير من الأراضي الصومالية .
اثيوبيا والبحث عن منفذ بحري
في القرن الافريقي كانت المملكات مبعثرة هنا وهناك، وكل قومية تحكم نفسها بنفسها، وفي غالب الأحيان تشهد المناطق توسعات لصالح مملكة على حساب أخرى، ثم الطابع الديني أضاف إلى القضية نوعا آخر من الحماس والتضحية.
ارتريا وأثيوبيا دولتان تقعان في القرن الافريقي، وكان التعايش السلمي بينهما معدوما منذ عقود خلت، ولسوء حظ أرتريا وقعت تحت براثين الاستعمار الإيطالي كغيرها من المستعمرات الأخرى، بينما اثيوبيا كانت تشارك المستعمر الغربي في تخطيطاته الاستعمارية، ولم تدخل في الاستعمار سوى مدة قصيرة تحت الاحتلال الإيطالي،
لتبرر اثيوبيا ضم ارتريا إليها قامت بـ”حملات القمع والإرهاب عام 1958، اضطر عدد كبير من العمال الإريتريين إلى الهجرة إلى الأقطار المجاورة، وبادر عدد منهم إلى تأليف تنظيم ثوري حمل اسم حركة التحرير الإريترية واتخذ قاعدة له في بور سودان، وسرعان ما امتدت الخلايا السرية لهذا التنظيم إلى الكثير من المدن الإرترية. ثم شهد عام 1960 أول تأليف لجبهة التحرير الإريترية بين العمال والطلبة الإريتريين في المشرق العربي، وانتقل نشاطه في العام التالي إلى جبال إرترية إثر الانتفاضة التي قادها حامد إدريس عواتي في 1 سبتمبر1961 مع بضعة مقاتلين يحملون بنادق إيطالية عتيقة، وقد تبنت الجبهة تلك الانتفاضة لتحولها في مدى سنوات قليلة إلى ثورة مسلحة منظمة انسجاماً مع أهداف التحرير التي حددها دستور الجبهة، وفي مقدمتها الاستقلال الوطني الكامل عن طريق الكفاح المسلح المدعم بجهود سياسية ودبلوماسية في الخارج. واختار المؤسسون أن يكون إدريس محمد آدم أول رئيس للجنة التنفيذية للجبهة. وقد تطور الكفاح المسلح بإمكانات ذاتية بسيطة وبدعم من بعض الأقطار العربية، وفي مقدمتها سورية، إلى مقاومة حملات قمع وإبادة إثيوبية شرسة شملت مئات الألوف من الضحايا الإريتريين، واتسمت بعض تلك الحملات باتباع سياسة الأرض المحروقة للقضاء على المحصولات الزراعية وقتل المواشي، وإبادة المواطنين بالجملة من دون تمييز، كما حدث في حملات 1967 و1970 و1974 و1975 على التوالي فشردت أعداداً كبيرة من الإريتريين في الصحارى والغابات، وعبرت أعداد أخرى الحدود إلى السودان، الأمر الذي أدى إلى نشوء مشكلة اللاجئين الإريتريين هناك، في حين سيطرت حركة المقاومة الإرترية على معظم الريف الإريتري، وتمكنت من تحرير بعض المدن، وكانت سيطرة جبهة التحرير تتسع أو تتقلص بحسب ظروف المواجهة وتطوراتها. وفي هذا السياق، عقدت حركة المقاومة الوطنية الإرترية أكثر من مؤتمر لها في الأراضي المحررة، ولم تنج من التعدد والانقسامات التي فرضها تباين منعكس المعاناة الداخلية، ورواسب المجتمع والتداخلات الخارجية أحياناً”.
وما ان استقلت ارتريا من الاستعمار الايطالي حتى دخلت في استعمار آخر أشد من الأول مرارة، حيث دخلت هذه المرة في نطام فيدرالي مع الحكومة الاثيوبية، فيدرالية غير واضحة المعالم، وبماركة أممية ،الأمر الذي حول القضية الارترية قصية منسية في داخل القضيا الإثيوبية، واندلعت شرارة الجبهات التحريرية من جديد لتخوض حروبا مصيرية مع الجيش النطامي الاثيوبي.
وفي حين كانت اثيوبيا نفسها تواجه معارضة قوية من الداخل والخارج، “تحالفت الجبهة الشعبية – الارترية – بزعامة أفروقي مع المعارضين الإثيوبيين بزعامة ميلس زيناوي تحت رعاية الإدارة الأمريكية في مؤتمر عقد بلندن، وانتهى المؤتمر باتفاق رعته واشنطن يقضي باعتراف إثيوبيا بحق تقرير المصير للشعب الإريتري على أن يختار بين الوحدة والانفصال، مقابل أن يلتزم أفورقي بدعم زيناوي في سعيه للتغلب على مناوئية السياسيين وتولي السلطة، وأن تسمح إرتريا عندئذ باستخدام إثيوبيا ميناء عصب وكذا مصوع للأغراض التجارية.
وكلل نضال الجبهات الإرترية بالنجاح، عند انهيار النطام الاثيوبي في بداية التسعينيات من القرن الماضي، ولكن ذلك لا يعني أن الطريق أمامها أصبح مفروشا بالورود والأزهار “وبعد استقلال إريتريا الفعلي عام 1991، والرسمي عام 1993 فإثيوبيا لم تنس أن إريتريا كانت في يوم من الأيام خاضعة لها، كما أنها كانت تشكل أهمية بالغة لها نظرا لوجود مواني إريترية على ساحل البحر الأحمر كمينائي مصوع وعصب، في حين أن إثيوبيا أصبحت دولة حبيسة بعد استقلال إريتريا”.
وبمجرد استقلال ارتريا من باقي اثيوبيا دخلت اثيوبيا في وضع أشبه ما يكون كالسجن الكبير فيما يتعلق بحاجتها إلى منفذ بحري، وهو نفس “المبرر الذي استندت اليه اثيوبيا في مطالبتها بضم اريتريا في الأربعينات كما كانت هذه الحاجة واحدة من أهم الأسباب التي استندت اليها الأمم المتــحدة عندما أصدرت قرارها القاضي بقيام اتحاد فيديرالي بين اريتريا واثيوبيا في عام 1950.”
لقد أدى هذا الاستقلال المشؤوم بالنسبة إلى الإثيونيين إلى إغلاق مداخل البحر الأحمر تماماً عن إثيوبيا، وعلى الرغم من ذلك استمرت اثيوبيا في استعمال المواني الارترية بموجب الاتفاق التي ابرمت الجبهتان في لندن إلى أن عزمت إرتريا اصدار عملة محلية تحل محل العملة الاثيوبية مما أشعل أولى شرارات المواجهات بين الطرفين ، وأغلقت إثيوبيا حدودها أمام الإرتريين، وفرضت تأشيرات الدخول على الراغبين في دخول أراضيها من الارتريين، وأغلقت جميع التعاملات بين الشعبين مما زاد للطين بلة، وفتح سيناريوهات الحرب بين البلدين على المصارع.
وضعت اثيوبيا قواتها في حالة تأهب قصوى، وجمعت على الشريط الحدوي مع ارتريا عددا كبيرا من القوات، وعلى هذا الغرار قامت ارتريا بتحويل قواتها المرابطة في الحدود الارتري السوداني، إلى المناطق المتنازعة مع اثيوبيا، إلى جانب تجنيد قصري في جميع الأقاليم.
المعارك التي دارت بين البلدين
دارت حروب طاحنة، أكلت الأخضر واليابس، وحصدت الملايين من الأرواح، وخلفت معوقين من كلا الجانبين يقاس بالآلاف، ودمرت البنية التحتية لكلا الطرفين، خسائر قدرت بالمليارات، كل هذا بعض نتائج الصراع الطويل المرير بين الجارتين، علاوة على العداوة الراسخة بين أدس أبابا وأسمر.
“بدأ الصراع المنظم بتأسيس الرابطة الاسلامية بقيادة ابن المجتمع الشهيد/ ابراهيم سلطان في 1946م والتي حظيت بالتفاف جماهير المنخفضات حولها بل بالتفاف كافة الشعب الارتري التواق للحرية، ثم تلتها حركة تحريرارتريا بقيادة ابن المجتمع المناضل الشهيد/ محمد سعيد ناود في 1958م، والتي كذلك قد حازت علي التفاف جماهيري واسع داخل المنخفضات وبعض المناطق الارترية الأخرى، وبعد وضوح استراتيجية هيلي سلاسي وعدم قبوله بالهوية والحقوق الارترية بالطرق السلمية اضطر ذلك المجتمع الي اعتماد الكفاح المسلح لتحقيق الاستقلال بقيادة جبهة التحرير الارترية وأطلقها داوية ابن المجتمع الشهيد البطل حامد ادريس عواتي في المديرية الغربية في جبل أدال 1961م، وساهم العمق السوداني خاصة والعربي والاسلامي عامة في دعم وتقوية الثورة الارترية من أجل الاستقلال وسخر انسان المنخفضات كل امكاناته من بشر وثروة وأرض وامتدادات لإيجاد الكيان الارتري المستقل حتى تحقق حلمه بخروج آخر جندي اثيوبي من ارتريا في الرابع والعشرين من مايو 1991م ثم إنجاح الاستفتاء بنعم للاستقلال في مايو 1993م وبذلك أصبحت ارتريا دولة مستقلة ذات سيادة بتضافر التضحية والقانون الدولي معاً.
على الرعم من أن القيادة السياسية المؤثرة في الدولتين ينتمون إلى قومية واحدة، وهي قومية تجري/ تجرينيا لكن طبيعة الدولتين أثرتا، فهذه اثتوبية وتلك ارترية، وهي المسؤولة عن ماجرى في المنطقة من خسائر فادحة منيت بهما أولا وبالقوميات الأخرى ثانيا كما يعتقد البعض.
وفي عام 1998 م اندلعت حرب حدودية بين البلدين واستمر حتي عام 2000 م ذهب ضحيتها أكثر من 70 ألف شخص وأنفق عليها المليارات، حتى جاء وقف إطلاق النار واتفاقية الجزائر التي علقت عليها شعوب البلدين والأطراف الدولية آمالا كبيرة، لكنها لم تكن للطرفين أكثر من استراحة محارب.
وهذه المشكلة نتيجة طبيعية عن “تحكم قومية واحدة مشتركة بين إرتريا وأثيوبيا في صنع القرار وضمن توجهات (ذاتية) خاصة بمعزل عن القوميات الأخرى كالأمهرا والأورمو والعفر في أثيوبيا و بمعزل عن الرؤية المستقبلية لأوضاع القرن الأفريقي ككل لدى القيادة الأرترية نفسها” .
أن الجبهتين الشعبيتين في أرتريا وتجراي قد تحولتا لأشبه ما يكون بتنظيم واحد تسوده قومية واحدة (تجرينيا/تجراي) بإستناد إلى موروث تاريخي حضاري واحد يرجع إلى مملكة (أكسوم) التاريخية القديمة و التي كانت مزدهرة و ناشطة على عهد ملكها (عيزانا) في القرن الميلادي الرابع، والتي إتخذت من ميناء (عدو ليس) في خليج زولا منفذاً بحرياً لها. فأبناء أكسوم هم قاعدة التنظيمين في أرتريا وأثيوبيا، وقد صدرت دعوات منذ نهايات الحكم الإيطالي (1885-1941) تدعو إلى وحدة هذا الكيان القومي، وأبرز المنظرين له المرحوم ( ولد آب ولد ماريام) الذي يعتبره الكثيرون من قادة الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا (أباً) لهم، غير أنه لا إيطاليا حتى حين غزت أثيوبيا في عام 1936 ولا أثيوبيا حين إحتلت أرتريا بعد إلغاء الفدرالية في عام 1962 قد سمحتا حتى بالوحدة الإدارية لهذا الكيان تحسباً لان تؤدي وحدته إلى إبتعاث ذاتيته القومية. ويشتهر تاريخ التجراي بثورتهم عام 1943 والتى قصفتها بريطانيا جوّاً بعد إستغاثة الإمبراطور هيلي سلاسي بها.
إذن، هذا الكيان قومي واحد متجذر تاريخياً وثقافياً وحضارياً ودينياً ولغوياً ثم تعمقت أواصره بسيطرة الأمهرا وتصفيات عام 1975 والتطهير من أجهزة الدولة مع وجود تنظير سياسي لهذه الوحدة، حتى أن المرحوم ولد آب نفسه كان يميز بين شعب التجرينيا في المرتفعات الأرترية وباقي شعوب وقبائل أرتريا. وصور ولد آب ولد ماريام- دون سواه- تغطي واجهات عديدة داخل متاجر أسمرا وخارجها.
في خضم هذا الصراع التنافسي بين القوميات في اثيوبيا علم رئيس الوزراء الراحل، أن قوميته التي لها امتداد قوي في ارتريا لا بد لها، وأن لا تكون حجر عثرة في استقلال ارتريا استقلالا سياسيا، لا اقتصاديا؛ لأن “نسبة التجراى لا تتجاوز (7%) من مجموع الأثيوبيين في حين تصل نسبة الأمهرا إلى (25%) والأورمو إلى(50%) ومن هنا توثقت عُرى التحالف الإستراتيجي بين زيناوى وأسياس أفورقي بحيث لم يطلب زيناوى أي(تنازلات) من أرتريا في مقابل حصولها الكامل على الإستقلال “.
ترسيم الحدود بين البلدين
“بدأت إريتريا تطالب بترسيم الحدود بينها وبين إثيوبيا، التي خططها الاستعمار الإيطالي، خاصة أن هذه المناطق تضم امتدادات سُكّانية لشعب إريتريا في إثيوبيا، هي القومية التيجرية، التي فرض (أساسي أفورقي) لغتها (اللغة التيجرية)، لغة رسمية لبلاده، بدلاً من اللغة العربية، وكان ذلك أحد مبرراته لاحتلال هذه الأراضي، التي كانت الحكومة الإثيوبية في سنة 1997م ، قد نشرت خرائط تظهر تبعيتها إليها، أما إثيوبيا فإن وضعها الجغرافي الحالي، وحرمانها من المنافذ البحرية، على الرغم من مساحتهاالشاسعة، يُعد سبباً قوياً لشن الحرب على إريتريا، نظراً لأنها تعتمد على ميناء جيبوتي، منفذاً بحرياً وحيداً لوارداتها، ومنها النفط، ومن ثم تسعى للحصول على ميناء عصب الإريتري، أو أي منفذ لها على البحر الأحمر، يخضع لسيطرتها”.
هذا بالإضافة إلى أن ترسيم الحدود كان من ضمن ما نصت عليه بنود اتفاق الجزائر من بين بنود أخرى نصت عليها مثل نشر قوات دولية للمراقبة على الحدود، وتأسيس منطقة منزوعة السلاح ، وتشكيل لجنة دولية للتحكيم يكون حكمها نهائيا وإلزاميا. وغيرذلك.
وفي أبريل/نيسان 2003م جاء الحكم النهائي وبخصوص بلدة بادمي التي انطلقت منها الشرارة الأولى للحرب لصالح إريتريا، الأمر الذي أوقع الادارة الاثيوبية بين مطرقة القرار الدولي بشأن المناطق المتنازعة عليها وسندان شعوبها، لكنها في نهاية المطاف قبلت الحكم على لسان رئيس وزرائها، وذلك بعد عام من وقت اصدار الحكم الاممي.