المصرف الإسلامي وصيغ العمل فيه (الجزء الثامن)
بشير نور علي
آخر تحديث: 31/10/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 53
عقد المزارعة:
المزارعة من صيغ المصارف الإسلامية، إن تم استغلالها بصورة جيدة، فالأراضي الزراعية غير المستغلة تقاس بملايين هكترات في العالم الإسلامي، ومن باب خلق فرص عمل لملايين العاطلين عن العمل في شتى أنحاء العالم الإسلامي، ومحاربة اكتناز الفائض المالي لدى المصارف، والاستثمار في هذا المجال المهمل بأموالها، وأموال المودعة لديها في الحسابات المختلفة، مع دراسة جدواه مسبقا. الجدير بالذكر أن المزارعة في أصلها يدور حولها الكثير الكثير من آراء العلماء ما بين مانع ومجيز.
ويبحث هذا الجزؤ من سلسلة دراسة المصرف الإسلامي وصيغ العمل فيه عقد المزارعة، بإذن الله المولى على النحو التالي
تعريفه لغة واصطلاحا
المزارعة في اللغة مفاعلةٌ من الزراعة، وهي إِنْبَاتٌ، لقوله تعالى: “أَأَنتُم تَزْرَعُونَهُ “ونسبتُها إِلى غيره سبحانه مجاز من إِسناد الفعل إِلى السبب، وهو الحراثة، وهي: إِثارة الأرض للزراعة، وما يُسْتَنْبَتُ بالبَذْرِ يُسَمَّى زَرْعَاً أَيضاً تسمية بالمصدر، وإِنما عَبَّر عنها بالمفاعلة التي تقتضي الفعل من الجانبين لأَن الإِعانة على الفعل من إِعطاء البَذْر والآلة بمنزلة الفعل، كالمُضَارَبة.
وتُسمى المزارعة مُخَابرةً أَيضاً، من الخُبْرة، وهي النصيب، أَو من خَيْبر لأَنها أَوَّل ما دُفِعَت إِليهم.
واصطلاحاً تعنى المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها وهى المشاركة فى الزرع، وذلك كأن يكون لشخص أرض ولا يستطيع زراعتها لسبب من الأسباب فيتفق مع آخر على أن يزرع تلك الأرض ويكون ناتجها بينهما وفق الإتفاقية المبرمة بينهما، وهذا العقد يحتاج إلى قبول وإيجاب من طرفي العقد.
وللعلماء تعريفات مختلفة في مبانيها ومتفقة في معانيها، ومن تلك التعاريف ما يلي:
• المزارعة عند الحنفية: أجمعوا في تعريف عقد المزارعة على أنه عقد على الزرع ببعض الخارج المتحصل من الأرض المتعاقد على زرعها. مما يشير الى وجود عقد بين مالك الأرض و المستأجر وفق حصة من النماء.
• المزارعة عند المالكية: اكتفوا في تعريفهم لعقد المزارعة باعتبارها نوعا من الاشتراك في الزرع.
• المزارعة عند الشافعية: المزارعة عندهم هي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج من زرعها و البذر من مالك الأرض.
• المزارعة عند الحنابلة: المزارعة هي دفع الارض الى من يقوم بزراعتها و القيام على خدمتها، بحيث يكون للعامل نصيب معلوم شائع من المحصول كالنصف أو الثلث مثلا.
شرح التعريفات
يبدو من تعريفات العلماء على عقد المزارعة اصطلاحا أنه عقد زرع أرض لشخص هو طرف في العقد لآخر يقوم بعملية الزرع لا لمبلغ معلوم بل لحصة من ناتج تلك الأرض.
وفي المذهب الشافعي رحمة الله عليه بند آخر وهو أن تكون البذور التي تزرع في تلك الأراض من مالكها.
أركان عقد المزارعة
أركان هذا العقد أربعة وهي :
• العاقدان :وهما طرفا التعاقد صاحب الأرض، والطرف الثاني.
• الصيعة: أي صيغة العقد وهي عبارة عن القبول والإيجاب. أو بعبارة أخرى هي بمثابة الكلام الدال على رضى الطرفين في العقد الصادر منهما .
• الأرض: وهي محل العقد.ويشترط فيها أن تكون صالحة للزرع.
شرط عقد المزارعة
للمزارعة شروط تعود بعضها إلى العاقدين وبعضها إلى الصيغة، وأخرى إلى محل العقد
فشروط العاقدين هي: أن يكون كلا منهما بالغا، أومأذونا في العقد، وأن يكون عاقلا، قاصدا، في عقده هذا مختارا، هذا بالإضافة إلى أن لا يكون محجوزا، كما يشترط تعيين الزرع، أو تعميمه على أن يزرع الزارع ما يشاء، وأن يكون المعقود عليه جزءا شائعا كالنصف والثلث فإذا لم تتعين حصته أو تعينت على إعطائه شيئا من غير الحاصلات أو قطعت على مقدار كذا كيلة من الحاصلات فالمزارعة غير صحيحة.
مشروعية عقد المزارعة
للعلماء أراء مختلفة ومتباينة، حيث تمنع الشافعية والإمام ابي حنيفة المزارعة، ويجيزها الإمام مالك والإمام أحمد وصاحبا أبي حنيفة، ومنشأ خلافهم هو التناقض الظاهر بين أحاديث الجواز وأحاديث المنع، إذ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن المحاقلة والمخابرة.
كما قالوا إن المزارعة تتضمن كراء الأرض بالجزء مما يخرج منها، وقد جاء النهي عن ذلك نصًّا: روى عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “من كانت له أرض ليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يكرها بثلث ولا بربع ولا طعام”.
وأجاز ذلك جماعة من أهل العلم مستدلين على إعطاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يهود خيبر الأرض والنخل على شطر ما يخرج من ذلك، وتأولوا في المحاقلة أنها اشتراء الأرض بالحنطة.
ويقول صاحب كتاب اللباب في الفقه الشافعي عند الحديث عن المزارعة “المزارعة: أن يعطي الأرضَ ليزرع فيها فيخصّه ببعض ما يخرج منها وهذا باطل، إلا في موضعين:
أحدهما: أن يقول: “ازرع لي سهمين من أرضي هذه ببذري على أن يكون السهم الثالث أجرتك”.
والثاني: اليسير من الأرض خلال النخل والكرْم، إذا سقاها ولا يمكن سقيهما إلا بسقي البياض، فإنه يجوز ذلك.
وعلى أية حال فالمزارعة تعتبر صيغة تمويلية من صيغ التمويل الإسلامي في المصارف الإسلامية، هذا وقد اعتمدت البنوك الاسلامية؛ لتمويل الأنشطة التي من شأنها تطوير المجال الزراعي في البلدان التي تتمتع بأراض صالح للزراعة، وقابلة للاستثمار مما يعود بالفائدة العظمي على شرائح كثيرة من قاطني ذاك البلد.
صور المزارعة
أن تكون الأرض من طرف و ما تتطلبه المزارعة من مستلزمات
أن يكون العمل من طرف و بقية مستلزمات المزارعة من طرف اخر
مراحل المزارعة
يمر عقد المزارعة على مراحل أولاها أن يقدم صاحب الأرض أرضه للمزارع، ويستلم المزارع الأرض ليعمل فيها بجهده و خبرته، ويزرعها، وإذا كان هناك ناتج بعد ذلك يتقاسمان على ما اتفقا عليه سابقا من نسب شائعة، وإذا لم تنتج شيئا فالمزارع يخسر جهده، وصاحب الأرض منفعة أرضه، وبعدها يستعيد صاحب الأرض أرضه، أو يجدد العقد للمزارع.
انتهاء عقد المزارعة
إذا توفي صاحب الأرض والزرع أخضر فالمزارع يداوم على العمل إلى أن يدرك الزرع، وليس لورثة المتوفى منعه، وإذا توفي المزارع فيقوم وارثه مقامه فإن شاء داوم على عمل الزراعة إلى أن يدرك الزرع، وليس لصاحب الأرض منعه.
عقد المساقاة
المساقاة لغة: مفاعلة من السقي، وشرعاً دفع الشجر إلى من يصلحه بجزء من ثمر؛ لذا هي “نوع شركة على أن تكون الأشجار من طرف والتربية من طرف آخر وأن يقسم الثمر الحاصل بينهما، بالإيجاب والقبول فإذا قال صاحب الأشجار للعامل: أعطيتك هذه الأشجار على وجه المساقاة على أن تأخذ من ثمرتها كذا حصة وقبل العامل أي الشخص الذي سيربي تلك الأشجار تنعقد المساقاة”.
أركان المساقاة:
1. العاقدان: ويشترط فيهما أن يكونا من جائزي التصرف.
2. مورد المساقاة: وهو ما له ثمر مأكول من الشجر؛ كالنخل والعنب.
3. تخصيص الثمر بالعاقدين – المالك والعامل – فلا يجوز شرط بعضه لغيرهما.
4. العمل: يشترط أن ينفرد العامل بالعمل وباليد تسليمًا للعامل.
5. الصيغة: مثل أن يقول: ساقيتُك على هذا النخل بثلث أو ربع ثمره .
شروط المساقاة
يشترط أن يكون العاقدان عاقلين، وتعيين حصة العاقدين من الحاصلات جزءا شائعا كالنصف والثلث كما في المزارعة، وتسليم الأشجار إلى العامل، ويقسم الثمر في المساقات الصحيحة بين العاقدين على الوجه الذي شرطاه، ويكون الثمر الحاصل من المساقاة الفاسدة بتمامه لصاحب الأشجار ويأخذ العامل أجر المثل أيضا.
انفساخ المساقاة
إذا مات صاحب الأشجار والثمر غير ناضج يستمر العامل على العمل إلى أن ينضج الثمر وليس لورثة المتوفى منعه وإذا مات العامل فيقوم وارثه مقامه فإن شاء استمر على العمل ولا يجوز لصاحب الأشجار منعه.
مسائل مختلف فيها حول الموضوع
من الأفضل أن نورد الأسئلات التي اختلفت حولها آراء العلماء، في البداية نطرح السؤال الأول
هل تجوز المزارعة؟ وما أقوال العلماء فيها؟
يقول الإمام أبو حنيفة والإمام الشافعي إنها لاتجوز بسبب نهي النبي عن المخابرة، وأنها بمثابة كراء الأرض بجزء ما ينبت منها.
أما إمام مالك وإمام أحمد وصاحبا أبي حنيفة فعلى الجواز مستدلين على إعطاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يهود خيبر الأرض والنخل على شطر ما يخرج من ذلك وتأولوا في المحاقلة أنها اشتراء الأرض بالحنطة.
السؤال الثاني: ما الفرق بين المزارعة والمساقاة؟
المساقاة هي: دفع الشجر إلى من يصلحه بجزء من ثمر، بينما المزارعة المشاركة فى الزرع؛ حيث لا يوجد شجر فقط الأرض والبذور من جانب واحد أو الشجر من طرف والبذور من طرف آخر.