المصرف الإسلامي وصيغ العمل فيه (الجزء السابع)
بشير نور علي
آخر تحديث: 30/09/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 49
المشاركة
توطئة
بما أن الأصل في المعاملة المالية الحِلّ، إذا لم تتضمن أي حيلة، أو مخالفة شرعية، بناء على الآية القرآنية ” وأحل الله البيع وحرم الربا”وانطلاقا من هذا المبدإ فالمصارف الاسلامية تفتعل صيغا تمويلية ترى أنها تضم تحريك عجلة الاقتصاد الإسلامي نحو الأفضل؛ لمحاربة اكتناز الأموال، وتكون بديلة من مثيلاتها في المصارف التقليدية، ومن بين تلك الصيغ صيغة المشاركة بأنواعها، وأشكالها.
فالمصرف الإسلامي يجمع الأموال من المودعين، والمستثمرين، ويستثمرها في مشاريع تدر عليه وعلى المستثمرين الربح الوفير من خلال عملياته التي يقوم بها منفردا أو مع خبراء آخرين، بغية الحصول على مزيد من الأرباح.
ولهذا يعتبر التمويل بصيغة المشاركة من أهم صيغ الاستثمار في المصارف الاسلامية، لأنها تساهم في تشغيل الأموال المستودعة لديها في الحساب الجاري، وفي الصناديق الاستثمارية، في مشاريع استثمارية هائلة بواسطة صيغ مختلفة كفيلة في مواجهة الخدامات الربوية والمشبوهة، والتي تجريها البنوك الربوية، مثل المضاربة، والمرابحة، والمشاركة؛ لأن صيغ التمويل، والاستثمار في المعاملات المالية أخذت صورا وأشكالا متداخلة، وهذا ما تستدعيه الظروف الخالية.
تعريف المشاركة لغة واصطلاحا
المشاركة لغة من شارك يشارك مشاركة ، وتعنى الاختلاط ، مجرد اختلاط.
واصطلاحاً:عقد بين اثنين أو أكثر على أن يكون الأصل – أي رأس المال والربح مشتركاً بينهم، والخسارة على قدر نصيب كل من العاقدين.
ويعرف أيضا بأنها خلط الأموال بقصد الاشتراك في الربح.
أو أنها شراكة بين المؤسسة (المصرف) والعميل بنسب متفاوتة أو متساوية في رأس المال من أجل مشروع جديد أو مشروع قائم دون فائدة ثابتة.
ومن الممكن أن تتمَّ المشاركة بين شخصيات اعتبارية، ( الشركات) ، ويمكن قيام الشُّرَكاء بتوكيلِ أحدهم أو مجموعة منهم أو غيرهم؛ للقيام بأمور إدارة رأس المال.
كما يمكن أن يتمَّ توزيع الأرباح حسب اتِّفاق المُشارِكين، بخلاف الوضيعة (الخسارة) حيث يتم توزيعها بين المشارِكين في التساوِي بِناءً على نسبة مشاركتهم برأس المال، لا على اتفاقية ثابتة مسبقا، فمثلا: إذا اشترط أحد المساهمين في الشركة نسبة أعلا مما يأخذه الباقون وتم الإتفاق على ذلك برضى الجميع إن كان ثمة ربح فلا مانع.
أما في حال الخسارة، فالخسارة تؤثر على الجميع، ولا يجوز لأحد الاشتراط مسبقا على عدم تأثر نصيبه في الشركة عند حدوث الخسارة.
وعلى أية حال فلا يجوز تحديد ربحٍ معيَّن من دَخْلِ المشاركة ؛ لأنه لا أحد يعلم ما إذا كانت الشركة ستربح أو لا.
أنواع المشاركات:
للشركة في الفقه الإسلامي أنواع باعتبارات مختلفة، والذي يعنينا هو باعتبار العقد الذي جمع بين المتشاركين، مع الوضوح في النتائج المرجوة من هذا العمل من فائدة وخسارة، فشركة العقد عبارة عن عقد بين طرفين أو أكثرللاشتراك في رأس المال، والأرباح الناتجة عن استثماره، وتقسم هذه الشركة على هذا النحو: شركة العنان، وشركة المفاوَضة، وشركة الأبدان، وشركة الوجوه.
ونحن بصدد البحث عن الاولى فقط وهي شركة العنان، أحد أنواع شركات العقود التي تَمَّ الاتِّفاق فيها بين الأطراف المتشاركة على عدم تصرُّف أيِّ شريك إلا بإذن صاحبه، وتُعتَبر من أنسب الصِّيَغ الاستثمارية في المصارف الإسلامي، مثل المشاركة الدائمة والمشاركة المنتهية بالتمليك. ولها أشكالها، وصورها:
أشكال المشاركة
تصنف المشاركة في المصرفية الإسلامية بأنواع ثلاثة، المشاركة الثابتة المتوازنة، والمشاركة المتتالية المتداخلة، والمشاركة المنتهية بالتمليك أو المتناقصة، وإليك تعريف كل منها:
1- المشاركة الثابتة المتوازنة:
وهي أن يشارك المصرف الإسلامي (الطرف الأول) في تمويل جزء من رأس مال المشروع المعين مع الطرف الثاني (العميل)؛ بحيث يكونان شريكين في ملكية المشروع وشريكين في نتائجه وفق القواعد الحاكمة للمشاركة، وهذا النوع من المشاركة تسمى ثابتة ؛ لأن كل طرف يحتفظ بحصص ثابتة في المشروع إلى حين الانتهاء منها وهي أكثر الأنواع استخداما في التعاملات المصرفية.
2- المشاركة المتتالية المتداخلة:
وهي أن يقوم المصرف الإسلامي بتمويل المشروع من أموال المودعين والمساهمين ؛ ولذا فإن المودعين يحتلون مركزا وسطا فهم شركاء معه؛ ولكن مشاركتهم ليست دائمة؛ بل مؤقتة بمدة وديعتهم ولعدم توافق الآجال بصفة أساسية في دخولهم وخروجهم من المشروعات.
3- المشاركة المنتهية بالتمليك أو المتناقصة.
وهي أن يقوم المصرف الإسلامي باعطاء الشريك (العميل) الحق في الحلول محله دفعة واحدة أو على دفعات، ويتم دخول المصرف في المشاركة المتناقصة كشريك بالمال في مشروع معين، مقابل نصيب من الربح مضافا إليه نسبة يتفق عليها لتغطية مشاركته في تمويل المشروع، ويكون بقية الأرباح من نصيب الشريك الذي يصبح مالكا للمشروع بصفة نهائية عندما يسترجع المصرف مساهمته الكاملة.
خطوات تنفيد عقد المشاركة، والمخاطر المصرفية التي تحيط بها
لتنفيد عقد المشاركة المبرم من قبل أطراف العقد، لا بد من خطوات متبعة، وهذه الخطوات على مراحل محيطة بمخاطر تشغيلية، ومخاطر شرعية، ومخاطر ائتمانية، ونتناول تلك المراحل مع المخاطر المحيطة بها في عجالة:
1. المرحلة الأولى: من تلك المراحل هي مرحلة تقديم الطلب؛ حيث يقدم العميل بطلب الدخول مع المصرف فى عملية المشاركة.
ويواجه المصرف في هذه المرحلة مخاطر تشغيلية “هي المخاطر التي يكون مصدرها الأخطاء البشرية أو المهنية أو الناجمة عن التقنية أو الأنظمة المستخدمة أو القصور في أي منها، أو التي تنجم عن الحوادث الداخلية في المصرف كما تشمل أيضا المخاطر القانونية حيث اعتبرتها اتفاقية بازل للرقابة المصرفية جزءا من مخاطر التشغيل.” .
والسبب يعود إلى احتمالية “عدم قيام المصرف بالإستعلام عن سمعة العميل (المشارك) ومقدرته في إدارة المشروع وسداد إلتزاماته للمصرف.
2. . المرحلة الثانية: هي مرحلة دراسة المؤسسة لطب العميل ودراسة جدواه وإعداد دراسة إئتمانية لازمة للتعرف على الملاءمة المالية للعميل، وقدرته على سداد الالتزامات المتوقعة. فالمخاطرة في هذه المرحلة مخاطرة تشغيلية.
3. المرحلة الثالثة: إبرام عقد المشاركة مع العميل وتنطوى مرحلة إبرام عقد التمويل بالمشاركة على ثلاثة أنواع من المخاطر وهى مخاطر قانونية ومخاطر شرعية ومخاطر إئتمانية.
4. المرحلة الرابعة: في هذه المرحلة يسلم المصرفى إلى العميل حصة المؤسسة في رأس مال المشاركة ليقوم العميل بإدارة أعمال المشاركة وفق ما هو مخطط له بدراسة جدوي المشروع. والمخاطر في هذه المرحلة مخاطر ائتمانية.
5. المرحلة الخامسة: هي المرحلة المتابعة؛ حيث يتابع المصرف أو المسسة المالية التي دخلت عقد المشاركة مع العميل، والمخاطر هنا مخاطر تشغيلية.
6. المرحلة السادسة: مرحلة انتهاء المشاركة والمحاسبة على نتائجها وتوزيع الأرباح أو الخسائر وفقاً للنسب المتفق عليها وتصفيتها ثم تجديدها إن رغب الشركاء فى ذلك. طبيعة المخاطر: مخاطر إئتمانية.
من أهم الضوابط في صيغة المشاركة
يشترط في تمويل المشاريع بصيغة المشاركة ما يلي:
1. معرفة حصة كل من الأطراف المشاركة في رأس المال، حتى لا يكون للتباغض مجال فيها، ولا للتناحر مقام في المشروع، وليكون التمويل مبنيا على نوع من النزاهة والشفافية، وليتمكن كل واحد من الأطراف المشاركة فيها الانسحاب من الشركة عند الحاجة.
2. تقييم جميع ممتلكات الشركة بقيمة عملة واحدة، مع تحديد نسبة المساهمة في رأس مال المشاركة.
3. فور انعقاد الشراكة بين الطرفين تصبح شركةً شخصية إعتبارية، ويكون لها ذمَّة مستقلَّة.
4. عند توقيع العقد يوضع رأس المال الشركة في مكانٍ أو حسابٍ محدد.
5. في حالات التعدِّي والمُخالَفة لشروطِ عقدِ المشارَكة من قِبَل أحد أطراف المشاركة، فإنه يضمن رأس المال، ولا يجوز اشتراط الضمان في غير هذه الحالة.