المحميات الطبيعية الكينية بين التنمية الإقتصادية والتوازن الإيكولوجي
صفاء عزب
آخر تحديث: 21/05/2019
القاهرة- تتمتع القارة الإفريقية بالعديد من المحميات الطبيعية التي اشتهرت بها وصارت مناطق جذب سياحي عالمي لمن يعشقون السفر والاستمتاع بالحياة البرية، إلا أن هذه الحياة تأثرت كثيرا بمساوئ تدخل الإنسان وسوء استغلاله لثرواتها من الحيوانات والغابات والنباتات حيث أدى ذلك إلى ظهور مشكلات بيئية كثيرة تسببت في الإضرار بالمحميات الطبيعية وبيئاتها البكر ومحتوياتها من النباتات والحيوانات التي تعد من أهم الثروات الطبيعية التي تميز بلدان القارة الإفريقية. من أخطر المشكلات البيئية في القارة الإفريقية ارتفاع معدلات قطع الغابات حتى خسرت في الفترة الممتدة بين 1990 و2000، قرابة 52 مليون هكتار من الغابات أي ما يعادل 56% من الانخفاض العالمي في الغابات. وسجل كل من السودان وزامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية قرابة 44% من إزالة الغابات في إفريقيا، كما تعرضت مناطق في كينيا إلى تدمير خطير لمحتواها من الغابات كما حدث في غابة ماو.
من أجل ذلك شهدت القارة السمراء منذ أسابيع انعقاد أول مؤتمر للمناطق المحمية في إفريقيا تحت عنوان “حب الطبيعة” في منتزه نيروبي الوطني، برئاسة وزيرة السياحة والحياة البرية في كينيا مارجريت مواكيما وبمشاركة جون وايتهاكا والمدير الإقليمي للإتحاد الدولي لحفظ الطبيعة لوثر أنوكور. وقد ناقش هذا المؤتمر موقف المحميات الطبيعية في إفريقيا ضمن أهداف الرفاهية الاقتصادية والمجتمعية وخطة دمجها في الأجندة الإستراتيجية للاتحاد الإفريقي لعام 2063 للإطار الاستراتيجي للتحول الاجتماعي والإقتصادي للقارة. ولأن الحدث ليس مجرد مؤتمر عابر لموضوع روتيني ومع زيادة المعاناة من المشكلات البيئية تقرر انعقاد فعاليات جديدة لنفس المؤتمر في شهر نوفمبر المقبل لبحث تأمين مستقبل مستدام للمناطق المحمية والتنوع البيولوجي في إفريقيا واستعراض الحلول العملية للتنسيق بين الحفظ والتنمية البشرية المستدامة.
لم يأت اختيار كينيا لتشهد انعقاد مثل هذه الفعاليات البيئية ومنها مؤتمر حماية المحميات الطبيعية من فراغ، وإنما يأتي ذلك في إطار البيئة الخاصة هناك وما تمتلكه كينيا من عناصر ومكونات طبيعية تعكس التنوع البيولوجي الرائع في إفريقيا.
وتعد كينيا من المقاصد السياحية الشهيرة في قارة إفريقيا لما تمتلكه من غابات ومناطق طبيعية غنية بالمخلوقات المتنوعة من حيوانات وأشجار ونباتات ساهمت في خلق بيئة جذابة لعشاق سياحة السفاري والمغامرات والحياة البرية. إلا أن مشكلات البيئة التي زحفت إلى كينيا باتت تهدد الحياة الطبيعية بعد أن أخذت تترك بصماتها على المحميات الطبيعية وتهدد حياة الكائنات الحية. وهي مشكلات كثيرة ومعقدة تشمل التلوث الهوائي والبيئي بشكل عام والرعي الجائر وتجريف التربة.
ومن بين أخطر تلك المشكلات هي ظاهرة إزالة الغابات التي تشهدها كينيا على مدار أزمنة متتابعة، وخسرت خلالها مساحات شاسعة من الغابات. وتشير الإحصائيات الرسمية بالمؤسسات الأممية إلى أن الغابات كانت تغطي عُشر مساحة كينيا عام 1963 ومع حلول عام 2006 تقلصت النسبة إلى أقل من 2% وهي نسبة تعكس خطورة الوضع البيئي الذي تشهده كينيا وتأثيراته السلبية على قطاعات اقتصادية مختلفة مثل السياحة وصناعة الشاي وقطاعات الطاقة بجانب زيادة المشاكل المتعلقة بالجوع ونقص مياه الشرب. وفي عام 2009 تعرضت غابة ماو في وادي ريفت لدمار لشديد تسبب في تشريد عشرات الآلاف من الكينيين.
كما ظهرت مشكلات نوعية إضافية حيث تحولت كثير من الأراضي الزراعية إلى صحراء قاحلة خالية من المرعى التي كانت تأكل منها الحيوانات ما أدى إلى ظهور نزاعات اجتماعية وبيئية بسبب تعدي بعض الحيوانات على أراضي الغير بل وعلى المحميات الطبيعية بحثا عن الطعام. وقد تكرر ذلك عندما تعدت قطعان أبقار قبائل الماساي على المناطق المحمية بشكل يسهم في إحداث خلل في التوازن البيئي لهذه المناطق، وتعكس مشكلة اقتصادية واجتماعية يعيشها سكان مثلث مارا وما حولها بسبب زيادة عددهم وعدم إيجاد حلول تنموية لها.
وقبل عدة سنوات شهدت منطقة نهر تانا جنوب كينيا معركة دموية راح ضحيتها العشرات، بسبب النزاع على الأرض والمياه حيث قام مسلحون بمهاجمة فلاحين بالمنطقة وأشعلوا النيران في أراضيهم.
لاشك أن مشكلة البيئة والمحميات الطبيعية في كينيا صداع مزمن لدى الكينيين ولكنها تحتاج لعمل دؤوب وجهد مخلص من الحكومة والمسؤولين للتعامل مع المشكلة باهتمام متوازن بين التنمية والحماية البيئية في نفس الوقت وهو أمر لايتأتى إلا بدعم دولي وأممي لكينيا بالتوازي مع الجهود الداخلية.
لذلك تأتي أهمية تطبيق بعض السياسات الخاصة بحماية المحميات الطبيعية بمشاركة المجتمعات المحلية بمن فيهم المزارعون والرعاة والعاملون في السياحة، لتتكاتف كل الجهود في الحفاظ على الحياة البرية كهدف مشترك وعام.