المحكمة العليا والبرلمان.. قرارات متعاكسة وغياب البوصلة (تحليل)
الصومال الجديد
آخر تحديث: 7/08/2017
مقديشو – باتت العشوائية وعدم احترام مبدإ الفصل بين السلطات أمرا اعتياديا في السياسة الصومالية، سيما مواسم التحولات السياسية، ولطالما أصبح البرلمان الصومالي ضحية لتجاوزات كانت آتية له سابقا من قبل السلطة التنفيذية المتمثلة بالرئيس، لكن الجديد في هذه المرة أن البرلمان (السلطة التشريعية) يصبح المتهم بذلك، عندما اعترض ورفض حكم المحكمة العليا بشأن بطلان شرعية ثمانية مقاعد لأعضاء في مجلس الشعب، وهو ما اعتبره المراقبون نقضا لحكم المحكمة، الامر الذي أدّى إلى ضجة كبيرة في الأوساط السياسية، وأثار كذلك تساؤلات حول أحقية البرلمان في نقض الحكم القضائي الصادر عن المحكمة العليا، وما إذا كانت القضية ترد تحت اختصاصات المحكمة، فضلا عن التساؤلات الواردة في التوقيت والدلالات.
جذورالأزمة
تعود القضية إلى ما قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر فبراير الماضي في البلاد، بعد ان أصدرت اللجنة المكلفة بحل النزاعات في ذالك الوقت قرارا بحل إحدى عشر مقعدا من بين بضعة وعشرين تم رفعها إلى اللجنة، وتلقى قرار اللجنة آنذاك ترحيبا من قبل المراقبين الدوليين نظرا للفساد المستعصي القائم وقتئذ، لكن قرار اللجنة لاقى الرفض والتجاهل من قبل اللجنة الفيدرالية للانتخابات، والمنتدى الوطني الذي كان يضم القادة العليا للدولة ورؤساء الإدارات الإقليمية .
أعلنت المحكمة العليا قرارها القضائي بشان المقاعد البرلمانية الثمانية في السادس عشر من شهر مايو الماضي، دعما للقرار الصادر من قبل لجنة حل النزاعات في الانتخابات الفائتة، حسبما جاء في بيان صدر عن المحكمة نفسها. ويبدو أن قرار المحكمة يأتي متأخرا وبعد مرور أكثر من خمسة أشهر علي قرار لجنة حل النزاعات الانتخابية السابق، بحيث لم تكن المقاعد البرلمانية الثمانية معلقة منذ ذلك الوقت، بل كان يشغلها أعضاء من المجلس كانوا يؤدون الأعمال الدستورية، بما فيها مشاركة الجلسات البرلمانية والإدلاء بالأصوات في الانتخابات وفي المصادقة على المشروعات القانونية المقدمة للبرلمان.
ردود الأفعال
أثار القراران المتعاكسان للمحكمة والبرلمان ردود أفعال واسعة على الصعيدين الرسمي والشعبي، ففي الأوساط الحكومية تفاعل مع القضية شخصيات ذات وزن في الدولة، من بينهم وزير الدستور عبد الرحمن حوش جبريل؛ الذي عارض قرار البرلمان ووصفه بغير القانوني، مما أدى إلى نشوب أزمة بينه وبين البرلمان، كادت أن تكون سببا في سحب الثقة عنه لولا تدخل الرئاسة الصومالية واعتذار الوزير نفسه عن انتقاداته الموجهة للبرلمان بهذا الشأن.
ومن جانبه أصدر المحامي العام للدولة عثمان علمي جوليد بيانا دعا فيه البرلمان إلى الانقياد لقرار المحكمة. كما انعقد في العاصمة مقديشو اجتماع لمنظمات المجتمع المدني نودي فيه البرلمان إلى انقياد حكم المحكمة واحترام مبدإ الفصل بين السلطات، رغم أن هذا الاجتماع نفسه يمكن أن وراءه سياسيون يجرون وراء مصالحهم السياسية حسب المؤشرات والمعطيات.
وفي المقابل لاقى القرار البرلماني ترحيبا من قبل جل الإدارات الإقليمية، حيث أصدر كل من إدارة جوبالاند وجنوب غرب الصومال وهير شبيلي بيانات مؤيدة لقرار البرلمان ومناهضة في الوقت نفسه لحكم المحكمة.
القضية من الزاوية الدستورية
في الأدبيات القانونية تتمثل أهم اختصاصات المجالس التشريعية بسن التشريعات والقوانين، كما أن أهم اختصاصات السلطة القضائية هي تفسير القوانين والتشريعات وحل النزاعات الدستورية والادارية، بيد أن الظروف الاستثنائية التي تمر بها عملية بناء الدولة في الصومال والتي لم تكتمل بعد الهيئات و الاجهزة الأساسية للدولة خصوصا أذرع السلطة القضائية كالمحكمة الدستورية تتسبب أزمات بين سلطات الدولة، حيث إن القضية القائمة حاليا مثلا ترد تحت اختصاصات المحكمة الدستورية، كما يقوله الخبراء المتخصصون، بحيث تمس بالحقوق الأساسية للمواطن من ناحية وحل النزاع الدستوري القائم بين سلطات الدولة من ناحية ثانية، ويبدو أن غياب المحكمة الدستورية في زمن لم تترسخ فيه القوانين واللوائح التنظيمية التي تأطر مبدأ الفصل بين السلطات، يحمّل بعض المؤسسات -لما لها من زخم كبير- على الاستخفاف بقرارات المؤسسات الأخرى كما هو حاصل الآن .
حكم المحكمة.. دلالات في التوقيت
تزامنُ قضاء المحكمة في هذا الوقت الذي تشهد فيه البلاد تحركات سياسية وراء الكواليس ليس بعفوي، كما يذهب إليه الكثير من المحللين، بحكم أن أعضاء المقاعد الثمانية الذين صدر الحكم بحقهم شاركوا في التصويت خلال الانتخابات الرئاسية ورؤساء مجلس الشعب، وذلك بعد أن أدّو اليمين الدستورية بتلقين رئيس المحكمة العليا نفسه للنواب، ويعتبر هذا فعلا صريحا من الرجل لإقرارا شرعيتهم دون استثناء. يتساءل المتابعون ما الذي تغير في هذا الوقت المتأخر الذي يتطلع فيه الشعب والمراقبون التخطي بإنجازات ملموسة في أرض الواقع بدل إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء والنقاش عن شرعية أحداث فصل خلا مع عجره وبجره؟؛ مما يؤيد انطباع الميول إلى وجود جهات سياسية تقف وراء حكم المحكمة بشكل أو بآخر، حيث تزامن حكم المحكمة مع وقت يشوب فيه غموض في العلاقة بين البرلمان والحكومة، ومن ثم فإنه ليس من المستبعد أن تكون المحكمة ورقة ضغط تستخدمه الحكومة لمواجهة البرلمان، إن صح التعبير؛ مما يثير تساؤلات حول مصداقية المحكمة وحسن نوايا القائمين فيها نظرا للتوقيت الذي يأتي فيه الحكم حسبما يذهب إليه بعض المحللين، الامر الذي دفع البرلمان إلى رد فعل سريع، وصف بأنه متسم بالعاطفية والمجازفة ويؤثر سلبا على تفعيل احترام مبدإ الفصل بين السلطات في أرض الواقع، ويقول المحللون إن البرلمان كان بإمكانه دراسة الموضوع بدقة وإعداد لوائح داخلية تجاه القضية نظرا لمساسها بالمصالح العليا للبلاد المتمثلة بالتماسك واللحمة الوطنية والمحافظة على الاستقرار السياسي.