المؤتمرات القبلية في الصومال بين تعزيز مكانة الدّولة وإضعافها

الصومال الجديد

آخر تحديث: 10/08/2020

[supsystic-social-sharing id="1"]

تلعب القبلية دورا كبيرا في التأثير على نمط الحياة في الصومال، كما أن الانتماء القبلي يعدّ في كثير من المواقع المعيار الأساسي للتفاضل بين المتنافسين، سواء كان التنافس على منصب عام أو خاص، وما قاعدة (4,5) التي يرتكز عليها نظام المحاصصة القبلية لتقاسم السلطة في الصومال إلا تجسيد واقعي لتوغل القبيلة والقبلية في مفاصل حياة المجتمع الصومالي.

إن الترابط القبلي بين مكوّنات الشعب الصومالي يعدّ أقوى أنواع الترابط بينهم، حيث إن هذه الرابطة تستطيع أن تُجمع تحت مظلّتها الفرقاء ومتبايني الآراء والأفكار من قبيلة واحدة، إذ يمكن أن يجلس تحتها الصوفي إلى جانب الحركي، والمعارض إلى جانب المحافظ، والعالم الرباني إلى جانب الجاهل الأمي، طالما الجميع ينتمي إلى القبيلة ويستظل بظلّها الوافر!

هذا، وازدادت في الآونة الأخيرة عقد اللقاءات العشائرية وتنظيم المؤتمرات القبلية بهدف التّشاور عن قضايا أبناء القبيلة ودورها في مسيرة بناء الدولة الصومالية.

وعلى هذا الأساس تتابعت اللقاءات العشائرية والمؤتمرات القبلية التي ظهرت بكثرة منذ أواسط 2019م، حيث شهدت مدينة كسمايو في يوليو 2019م، مؤتمر قبائل كومذي الّذي استمر لـ 4 أيام في الفترة ما بين 7 – 10/يوليو/2019م، ناقش فيه المشاركون قضايا قبلية مختلفة وأخرى وطنية متعددة مثل تحديد مقام العاصمة مقديشو، والعمل على توحيد صفّ أبناء القبيلة، وما إلى ذلك، وفي نهاية المؤتمر أصدر المجتمعون بيانا ختاميا، كان من بين بنوده: توحيد الصف الدّاخلي للقبيلة وتحقيق التعايش السلمي مع إخوانها من القبائل الصومالية الأخرى في جوبالاند، إنشاء مجلس حكماء يكون مرجعا قياديا لأبناء القبيلة، تتمثل مهمته في الاستجابة لمشاكل مناطق القبيلة في كلّ من إثيوبيا، كينيا، والصومال، كذلك كان من بين بنود البيان الختامي، أن يشمر أبناء القبيلة عن سواعدهم للحفاظ على سيادة الصومال وهيبته! وغير ذلك مما جاء في البيان الختامي[1].

وفي الفترة ما بين منتصف يوليو إلى أوائل سبتمبر/2019م، استضافت مدينة هبيو في محافظة مذغ مؤتمر هبيو للسلام الّذي جمع عشائر هبرغيذر للتصالح فيما بينها أولا، ومن ثم التصالح مع جيرانها من القبائل الصومالية، وقد تقرّر في نهاية هذا المؤتمر تأسيس مجلس قيادي لقبائل هبرغيذر بزعامة البروفسور عبدالقادر محمد شروع، كما تقرر أيضا السعي إلى إحداث مصالحة شاملة بين قبائل ولاية غلمذغ وبناء إدارتها الفيدرالية، وكذلك المساهمة في إحلال السلام بين القبائل الصومالية الأخرى[2].

وفي الفترة ما بين 12 – 13/فبراير/2020م، استضاف فندق غياجو بمقديشو المؤتمر التشاوري لعشائر حوادلي، وتم النقاش في هذا المؤتمر عدّة قضايا منها: حقوق القبيلة المُغيّبة في الحكومة الفيدرالية، مكانة القبيلة ودورها في ولاية هيرشبيلي الفيدرالية، وما إلى ذلك، ففيما يتعلّق بحقوقها المغيبة في الحكومة الفيدرالية، اتّفق المشاركون في نهاية المؤتمر بأن يقوم وزير التربية والتعليم في الحكومة الفيدرالية وممثلي القبيلة في كلّ من: مجلس الشعب ومجلس الشيوخ السعي إلى إعادة حقوق القبيلة الضائعة ليتسنى لها الحصول على تمثيل مناسب لها ولحجمها في الحكومة الفيدرالية، وفيما يتعلّق بدورها في ولاية هيرشبيلي قرّر المجتمعون أن تتفاوض القبيلة مع القبائل الأخرى المجاورة لها في ولاية هيرشبيلي ومن ثم السعي إلى الحصول على حقوقها السياسية في جميع مناطقها سكناها في الولاية[3].

وفي الفترة ما بين 15 – 17/مارس/2020م، شهدت جرووي فعاليات مؤتمر بونتلاند التّشاوري الّذي تم الحديث فيه عن قضايا مثل التحديات التي تواجه تحقيق الوحدة الداخلية لقبائل بونتلاند، ومن ثم تقديم مقترحات لحلّها، وكذلك التحدّيات التي تواجه المشاريع التنموية في بونتلاند…، وتوصل المؤتمر في نهايته إلى نتائج جاء ذكرها في البيان الختامي ومنها: تفويض حكومة بونتلاند لاتّخاذ أي قرار يسمح لها الدستور وينقذ مصيرها ومستقبلها، إذا ما واصلت الحكومة الفيدرالية – كما جاء في البيان-  تدميرها للنظام الفيدرالي وانتهاكها للدّستور، كذلك كان من بين نتائج هذا المؤتمر الدعوة إلى توحيد صف الأمة وعدم تفريقها أو التنازع عليها[4].

وفي الفترة ما بين 3_ 6/أغسطس/2020م، شهدت مدينة مقديشو العاصمة مؤتمرا تشاوريا لعشائر مودولود، الّذي تم الحديث فيه عن قضايا سياسية واجتماعية وأمنية تخصّ الصومال كافة، ومناطق انتشار القبيلة بشكل خاص، ومن أهم القضايا التي تناولها المؤتمر بعمق: الشؤون المتعلّقة بالانتخابات القادمة وما يرافقها من جدل حول إمكانية التمديد الإداري للحكومة الحالية… وغير ذلك. وفي نهاية المؤتمر أصدر المجتمعون بيانا ختاميا كان مما جاء فيه: توجيه عشائر مودولود طلبا إلى الحكومة الفيدرالية وقوات الأميصوم مفاده تحرير مناطق القبيلة من أيدي الجماعات التخريبية بأسرع وقت ممكن، مع إبداء استعداد القبيلة للمشاركة في عمليات تحرير مناطقها إلى جانب القوات الإفريقية والحكومية، كما رحّب المؤتمر بقرار مجلس الشعب الصومالي القاضي بمنح 13 مقعدا لمحافظة بنادر تمثيلا لها في مجلس الشيوخ الصومالي، كما أبدت القبائل استعداها لاستضافة مؤتمر صومالي عام يهدف إلى إنشاء ولاية بنادر الفيدرالية، وما إلى ذلك من بنود جاءت في البيان الختامي لهذا المؤتمر[5].

إن القبلية تحظى بأولوية المشاركين في المؤتمرات القبلية، حيث إن معظم البيانات الختامية الصادرة من هذه المؤتمرات تدعو في المقام الأول إلى توحيد الصف الداخلي لأبناء القبيلة، ثم تأتي الدعوة إلى الوحدة الصومالية في المرحلة الثانية، مما يعني أن مصالح القبيلة مقدّمة على المصالح الوطنية، وهذا يمثل تحدّيا كبيرا في سبيل بناء الدولة الصومالية، وفي هذا المضمار يقول الأكاديمي د/عبدالرحمن عبدالله معلم باديو، مستشار الشؤون السياسية لرئيس الوزراء المعزول، على صفحته في الفيس بوك: “هناك علاقة عكسية بين الوطنية والقبلية، فكلّما ارتفع الحس الوطني انخفض الانتماء القبلي، وكلما ارتفع الانتماء القبلي انخفض الحس الوطني، وهكذ، فمثلا، إذا أخفقت الدّولة في تحقيق العدالة الاجتماعية، هُرع الناس إلى القبلية ومراجعها، مما يعني أن القبلية تنشأ أو تولد من رحم سوء الإدارة، في حين أنها –أي القبلية- تمثل تحدّيا كبيرا في تحقيق نظام نزيه وشفاف. فما الحل إذا؟! مبدئيا، لا يمكن إزالة القبلية جذريا، ولكن علينا أن نفكّر في تقليل أضرارها ومضارها، فإذا تم الحصول على نظام حكومي يستوفي متطلبات القبيلة، فسينخفض الشعور القبلي ويرتفع الإحساس الوطني”[6].

وغير بعيد عن هذا الرأي نجده عند السياسي المعارض عبدالرحمن عبدالشكور زعيم حزب ودجر، حيث نشر هو الآخر في صفحته على الفيسبوك تعليقا حول كثرة المؤتمرات القبلية التي شهدتها البلاد، إذ يقول “إن القاسم المشترك بين المؤتمرات القبلية التي تشهدها البلاد في الآونة الأخيرة هو الشكوى والتذمر من سلوك الحكومة الفيدرالية وعجزها عن سدّ دور القبائل والقيام به، ونتيجة لذلك تتابعت المؤتمرات، بدءًا بمؤتمر قبيلة كومذي في كسمايو، مرورا بمؤتمر هبيو للسلام الذي نظمته قبائل هبرغيذر في هبيو، واجتماع عشائر حوادلي في فندق غياجو، ووصولا إلى مؤتمر قبائل مودولود في مقديشو، (المراحل التحضيرية للمؤتمر العام لقبائل مودولود)، وانتهاءً بمؤتمر بونتلاند التشاوري” ويشير عبدالشكور في منشور آخر له إلى أن إخفاق الحكومة الفيدرالية في تحقيق مطالب الشعب، يمثل سببا أساسيا في ازدياد هذه المؤتمرات، وذلك عند قوله: “أن كلاّ من القبيلة، والطريقة الدّينية، وأعيان المجتمع أو المنطقة، كلّها عبارة عن مؤسسات قيادية تقليدية للمجتمع الصومالي، كانت تقوم بحل المشاكل الاجتماعية التي يواجهها المجتمع الصومالي، غير أن المجتمعات المعاصرة التي تريد انتهاج نظام إداري معاصر لا يصلح معها الاعتماد على تلك المرجعيات أو المؤسسات القيادية التقليدية في تسيير شؤون حياتها المعاصرة، ما لم تقصّر قيادة الحكومات بالقيام بواجباتها المنوطة بها، وعندها -أي عند تقصير الحكومة في أداء واجباتها- يفضّل المجتمع القبلي العودة إلى مؤسساته التقليدية المتمثلة في الأسرة والقبيلة والطريقة وأعيان المجتمع لإدارة شؤون حياته”[7].

إن ازدياد المؤتمرات القبلية يعني تنامي روح القبلية في نفوس الناشئة وإشعالها، مما سيشكّل عقبة كأداء في سبيل بناء الدولة الصومالية من جديد، حيث يعطي المواطن ولاءه اللا محدود لقبيلته طالما توفّر له سبل العيش والحياة الآمنة، وفي المقابل تضعف رغبته في بناء الدولة التي قد يراها عبئا على مساعي قبيلته وطموحاتها، ومن هنا تضيع الوظيفة الأساسية للقبيلة التي هي التعارف كما في قوله تعالى: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عندالله أتقاكم…”[8]، وإذا فقدت القبيلة وظيفتها الأساسية وأصبحت معيارا للتفاضل بين الناس فتلك عودة إلى الوراء أي إلى عصور الجاهلية الأولى حيث كان الفرد يحتمي بقبيلته ويرعى مصالحها فقط، وهو ما نهانا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، في حديثه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال :كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة. فكَسَع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما بال دعوى الجاهلية ؟”  قالوا: يا رسول الله كَسَع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار.  فقال: “دعوها فإنها منتنة”[9].

فهل يدع أبناء الصومال القبلية ويتركونها، تطبيقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم، أم أنهم سيتعطّرون بريحها النتنة، كالجعلان يتنقل ما بين الغائط وأماكن تجمع القاذورات؟!


[1] . رونالدو، عبدالفتاح إبراهيم، قبائل كومذي تدعو إلى إنشاء إدارة محلية لسكان مقديشو ومنح تمثيلهم السياسي، مقال نٌشر باللغة الصومالية على https://muqdisho.online/beesha-kuumade-oo-ku-baaqaday-in-shacabka-gobolka-banaadir-maamul-loo-dhiso-mudnaana-la-siiyo/

[2] . https://www.bbc.com/somali/49595831

[3] . https://www.hiiraan.com/news/2020/feb/wararka_maanta13-163392.htm

[4] . أحمد محمد جيسود، مؤتمر بونتلاند التّشاوري: هل يفتح مسارا جديدا لحل الخلافات السياسية؟ مقال نُشر على http://alkitabcenter.so/2020/03/19/%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D8%A8%D9%88%D9%86%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D9%87%D9%84-%D9%8A%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%A7/

[5] . https://www.caasimada.net/shirkii-beelaha-muddulood-oo-war-murtiyeed-xasaasi-ah-laga-soo-saaray-aqriso/

[6] . https://www.facebook.com/abdurahman.baadiyow

[7] . https://www.facebook.com/AAbdishakur

[8] . سورة الحجرات، الآية: (13)

[9] . متّفق عليه

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال