القمة الرباعية…. والمكاسب الصومالية
الصومال الجديد
آخر تحديث: 7/02/2023
القاهرة: صفاء عزب
الاتفاق على التعاون المشترك في مواجهة الإرهاب والإشادة بالجهود الكبيرة التي بذلها الجيش الصومالي مؤخرا في مطاردة الإرهابيين وتطهير البلاد منهم وتأييد دولة الصومال في مطالبها العادلة بشأن الرفع الكامل لحظر الأسلحة المفروض عليها منذ عقود طويلة، كانت أهم النتائج التي أسفر عنها اجتماع القمة الرباعية الصومالية الجيبوتية الإثيوبية الكينية الذي عقد مؤخرا بالصومال.
وكانت العاصمة الصومالية مقديشو قد استضافت قبل أيام قليلة زعماء الدول الثلاثة الجيران في القرن الإفريقي في حدث نوعي مهم ومفصلي بالنسبة للصومال والإدارة الصومالية الحالية التي نجحت في لم شمل هذا الجمع على أرضها لمناقشة قضايا الساعة الملحة التي تهم وتخص الدول الأربع لا سيما ما يتعلق بالجوانب الأمنية. ولا شك أن نجاح الصومال في إقامة هذه القمة التاريخية يعد تأكيدا على جدارتها وجدارة الرئيس حسن شيخ محمود في إدارة شؤون بلاده بحكمة وذكاء والاهتمام بتحسين العلاقات مع دول الجوار والتي كانت تمر ببعض منعطفات تعكر صفوها في عهود سياسية سابقة.
لقد حرص الرئيس الصومالي مع عدد من مسؤوليه على استقبال الضيوف المشاركة في هذه القمة الإفريقية الاستثنائية، والتي شارك فيها قادة وزعماء دول الجوار وهم الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر غيلي والرئيس الكيني وليام روتو ورئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد. وقد انطلقت القمة الرباعية بزعمائها الأربعة في فندق ديكالي داخل مطار آدم عدي الدولي بمقديشو وسط إجراءات أمنية مشددة تمثلت في إغلاق الشوارع الرئيسية في المدينة وتعليق الرحلات الجوية القادمة والمغادرة عبر مطار مقديشو الدولي.
قبيل انعقاد هذه القمة، شهدت العاصمة الصومالية نشاطا ملحوظا تمثل في استقبالها عددا من الضيوف الأفارقة من الدول المجاورة كان في مقدمتهم وزير دفاع جمهورية جيبوتي حسن عمر محمد (برهان) والوفد المرافق له وكان في استقباله هو ومرافقيه لدى وصولهم إلى مطار آدم عدي الدولي في مقديشو مسؤولون حكوميون برئاسة وزير دفاع الحكومة الاتحادية الصومالية عبد القادر محمد نور، وتم عقد لقاء بين وزيري دفاع البلدين بحضور قائد القوات المسلحة الصومالية الجنرال أودوا يوسف راغي وقائد القوات الجيبوتية الجنرال زكريا إبراهيم شيخ وذلك لمناقشة القضايا المشتركة التي تهم البلدين والتي تضمنت أيضا المناقشات التمهيدية للقمة الرباعية. وخلال اللقاء أكد وزير دفاع جمهورية جيبوتي أن بلاده ملتزمة بدعم الجهود الحكومية لتحرير البلاد من الجماعات الإرهابية، كما أشاد بالانتصارات التي حققتها القوات المسلحة الصومالية والتي أدت إلي طرد مقاتلي حركة الشباب من عدة مناطق كانت تحت قبضتها.
واستمرارا للإجراءات التنظيمية والتدابير الفائقة التي حرص المسؤولون الصوماليون على اتخاذها استعدادا لهذا الحدث الكبير، استضافت العاصمة الصومالية مقديشو مؤتمرا أمنيا تحضيريا لقمة رؤساء تلك الدول بمشاركة وزراء الدفاع وقادة القوات المسلحة للدول المجاورة – كينيا وإثيوبيا وجيبوتي في ظل إجراءات أمنية مشددة. وتطرق المؤتمر إلى مسألة استكمال العمليات العسكرية الجارية في البلاد وتقديم الدعم اللازم للحكومة الفيدرالية الصومالية في حربها ضد مقاتلي حركة الشباب.
ولاشك أن هذه الفاعليات والتي توجت بالقمة الرباعية للدول المتجاورة، وما صاحبها من حسن تنظيم خاصة ما يتعلق بالتدابير الأمنية التي كانت تمثل مشكلة كبيرة لعقد مثل هذه المؤتمرات على الأراضي الصومالية في عهود سياسية سابقة، تعكس التطور الإيجابي الذي يشهده الصومال والذي يعد مؤشرا طيبا وداعما لحركة التنمية الاقتصادية ومطمئنا للأنشطة الاستثمارية.
هذا وقد تضمنت القمة مناقشة أربع قضايا رئيسية تمثلت في دعم الجيش الصومالي الذي قام بتحرير العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرة الإرهابيين والقيام بعمليات ضد حركة الشباب بالاشتراك بين القوات المسلحة الصومالية وقوات الدول المجاورة. وكذلك مطالبة دول العالم المختلفة بتعزيز دعم وتجهيز القوات الصومالية حتى تتمكن من إنهاء الحرب على الإرهاب بسرعة، وإظهار التهديد الذي يشكله الإرهاب على استقرار المنطقة وتنمية شعوب القارة.
وقد أثمرت هذه القمة عن استعادة مناخ التعاون وأجواء الألفة والمودة والتفاهم المتبادل والرغبة في القضاء على ما يعكر صفو العلاقة بين الجيران الأربعة، وتضييق مساحات الخلاف لصالح التوافق والعمل المشترك لصالح الشعوب، وهو ما انعكس في عدة أحداث تواكبت مع هذه القمة الرباعية التاريخية منها إعلان الحكومة الكينية عن خطط لإعادة فتح معبر مانديرا الحدودي مع الصومال كجزء من الجهود المبذولة لتحسين أمن الحدود وقمع البضائع المهربة. جاء ذلك بعد مشاورات رفيعة المستوى بين البلدين بحسب تصريحات رسمية كينية وشملت النقاط الحدودية المغلقة معبر مانديرا وكذلك تلك الموجودة في لامو ووجير وغاريسا. ومن جانبه علق وزير الأمن الداخلي الكيني كيثور كينديكي على هذا الأمر بأن إعادة فتح المعبر سيحسن أمن الحدود ويوقف تدفق البضائع المهربة المستخدمة في تمويل الأنشطة الإرهابية. وتعد هذه الخطوة هي إحدى النتائج الإيجابية التي أثمرت عنها القمة الرباعية، حيث كانت كينيا قد أغلقت جميع معابرها الحدودية الرسمية مع الصومال منذ عام 2012 في محاولة لوقف تسلل النشطاء الإرهابيين إلى أراضيها.
وإمعانا في التضامن الكيني وتقاربه مع جاره الصومال، أعلن وزير الشؤون الداخلية في الحكومة الكينية كيثور كينديكي أثنا ء قيامه بجولة أمنية في منطقة الشمال الشرقي أن بلاده ستتبع نفس النهج الذي تتبعه الصومال في إشراك المدنيين في القتال ضد حركة الشباب في مناطق الشمال الشرقي، منديرا ووجير وغاريسا، مشيرا إلى أنه لا يمكن كسب المعركة ضد الإرهاب إلا إذا لعب المجتمع المحلي دورا رائدا في المعركة وهو نفس ما تفعله الحكومة الصومالية في حربها الحالية ضد جماعات الإرهاب، الأمر الذي يعكس روح التعاون والتفاهم بين البلدين وهو ما يعني تحقيق إنجازات إيجابية على أرض الواقع تكون لها آثارها الملموسة على الحياة اليومية لمواطني البلدين.
لقد خرجت الصومال من هذه القمة التاريخية بنتائج مهمة أعلنها بيانها الختامي أمام العالم مؤيدا وموضحا مطالب الصومال العادلة بشأن طلب الدعم من الشركاء الدوليين والتعاون للقضاء على الإرهاب والمساعدة على رفع حظر الأسلحة بشكل كلي ليتمكن من القيام بالمهام الأمنية والعسكرية الخاصة بحماية البلاد من المخاطر والعمل على استباب الأمن واستقراره. إلى جانب ذلك تضمن البيان الختامي إشادة بالجيش الصومالي وكذلك بقوات حفظ السلام التابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس) لدورها في تحقيق الاستقرار وبناء الدولة في الصومال، مع التأكيد على سيادة الصومال على جميع أراضيه.
بالنظر إلى هذه القمة الرباعية بعين الدقة والتحليل لما وراء المعلن والمكتوب في البيانات الإعلامية، نجد أن الصومال نجح في الحصول على مكاسب كبرى تجاوزت تلك النتائج التي وردت في بيانها الختامي. لقد عكست القمة مؤشرات التوافق وتطبيع العلاقات بين الدول الأربعة وأكدت جدارة الإدارة الصومالية على توحيد الصفوف وتقريب المسافات مع الآخرين بما يحقق المصالح العامة، ولاشك أن الشعب من أهم المستفيدين من الانفتاح على الجيران في كسر عزلته وفتح الآفاق أمامه نحو تحسين مستويات المعيشة والحياة. كما أن تقارب الدول الأربعة في الجوانب الأمنية سيفتح الطريق حتما أمام تعاون أكبر في المجال الاقتصادي وهو ما يحتاجه الصومال بشكل ملح في الفترة الحالية.
يضاف إلى ذلك مكسب آخر شديد الأهمية يتمثل في تحسين الصورة الصومالية في أعين العالم بخلاف الصورة القديمة القاتمة عنه وإعطاء انطباع جيد عن الصومال وجدارته في إقامة المؤتمرات واللقاءات الدولية على أرضه بنجاح، بما يمنحه الثقة لعقد المزيد من الفاعليات واستقبال الضيوف في أجواء آمنة بعد نجاح تجربة القمة الرباعية وما صاحبها من تنظيم وإدارة على مستوى رفيع.
ولاشك أن أداء الإدارة الصومالية المتطور ونجاحه في التعاطي مع الواقع بشكل براجماتي وحكيم سيسهم في تعميق وزيادة الإحساس بهذه المكاسب على أرض الواقع ليزداد حضوره ووزنه الدوليين، وهو ما تثبته الفترة القادمة حيث سيشهد الصومال إقامة المزيد من الفاعليات والأحداث الدولية بنجاح كبير.