القمة الثلاثية في أسمرة.. رسائل سياسية واقتصادية
الصومال الجديد
آخر تحديث: 7/09/2018
انطلقت مساء يوم الأربعاء 5أغسطس 2018 في العاصمة الإريترية أسمرة، أعمال القمة الثلاثية التي جمعت كلا من الرئيس الإريتري أســـــــــــياس أفــــــورقي ورئــــــيس الوزراء الإثيـــــــــــوبي أبي أحمد، والرئيس الصـــــــــــومالي محمد عبد الله فرماجــــو، لمناقشة عدة قضايا وملفات في مقدمتها العلاقات الثنائيـة بين هذه الدول.
افتتحت أعمال القمة وسط تكهنات بأن تتــــــــركز المباحثــــــــــــات على العلاقات الاقتصادية، كحظــــــــوة أســــــــــاسية لبناء علاقات مستقبلية قائمـة على المصالح المشتركة، وتكون نواة لتكامـــــل إقليمي في منطقة القرن الإفريقي.
مخرجات القمة:
تأتي هذه القمة بعد تطورات إيجابية سريعـــة تشهدها علاقات الدول الثـــــــــــــــــلاثة، وفتحت آفاق جديدة لهذه العلاقات إلى درجة عاليـة لم تكن متوقعة بالســـــــــرعة التي تمت بها، في ظل حالة اللا سلم واللا حرب التي سادت مجمل أوضاع المنطقــــــــة طيلة العقدين الماضيين.
وكان أول الغيث في إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد عن استعداده التامة لتسـوية النـزاع الحدودي مع جـارة إريتريا، وفقاً لاتفاقية الجزائر وقرارات اللجنة المستقلة لترسيم الحدود بين البلدين، ثم جاءت الزيارة التاريخية التي قام بها إلى العاصمة أسمــرة في يوليو الماضي، لتشكل علامة فارقة في تاريخ العلاقات الثنائيـة بين إثيوبيــــــــا وإريتريا من جهــــــــــة، والصومال إريتريـــــــــا من جهة ثانيــــــة، فقد وضح ذلك بجــــــــــــلاء في حجــــــــم تلك الزيارات المتبادلــــــــــة التي جــــــرت خلال تلك الفتـــــــــــــــرة القصيرة.
وعليــه فإن القمة الثـــــــــــــلاثية بأسمرة، تعكـس الحرص الكبيــــــر الذي يبذله زعمـــــــاء الدول الثلاثة على تنسيق الجهود لإعادة ترتيب الأوضاع في المنطقـة، بما يخدم المصالح المشتركة لهذه الدول.
وفي ختـــــــــام القمة وقــــــــــع الزعمـــــــاء الثلاثة على اتفـــــــــــاقية جديدة، شملت العديد من مجالات التعـاون، ووفقاً للمعلومات، فإن الاتفاقيـة تنص على تنميـــــة العلاقات بين الدول الثـــــلاثة، وتعــــــــزيز التعاون المشترك في المجالات السياسية والاقتصادية والامــنيـــة والاجتماعية، بالإضافة إلى تنسيق كافة الجهــــــود من أجل إحــــــــــــــــــــلام السلام في منطقـة القرن الإفريقي وتحقيـق التنمية المستدامـة فيهـا.
كما تم الاتفاق على تشكيل لجنـــــــــة وزاريـــــــــة مشتركـة تتابع تنفيـــــــــذ كافة بنــــــــــود الاتفاقيـة التي وقــع عليهـا الزعمـاء خلال قمــة أسمــرة.
ماذا بعد قمة أسمرة؟
كما سبقت الإشــــــارة أعلاه فإن القمة الثلاثيــــــــــة التي تستضيفها العاصمة الإريتريــــة أسمرة، تأتي في إطــــــــار التحولات والمتغيــــرات المتسارعة الجارية في المنطقــــــــــة، والتي لم تغيـر معالم المشهد السياسي الإقليمي فحـسب، بل أطاحـت بتحالفات تقليديـة قديمة، كانت توصف دائماً “بالاستراتيجية” وبالمقابل فسحت المجال واسعــــاً أمام تشكيــــــــــل تحالفــــــــات جديدة، وبشكــــــــل مخالف لكل التوقعات السيـاسية، أهمها التحـــول السريع في طبيعــــــــــة العلاقات الإثيـوبية – الإريتـــــرية، وربما لا يختلف كثيــــــراً بالنسبة للتقارب الصـومالي – الإريتــــــــــري المفاجــــئ.
وهنـــــــا تبرز تســـــاؤلات عديدة حول ما هي طبيعـة تلك التحولات الســـــريعة؟ ومن الرابح فيهــــــا؟ ومن الخاســـــر؟ وأيـــن تتجـه خارطــــــــة التحالفات في المنطقـــــــة؟ وما هي السيناريوهات المتوقعـــــــة؟ وهـــــــــــــــذا ما نحاول معــــرفته في المحاور التاليــــــــــة:
أولاً: إريتـريا:
وحتى الآن تؤشـر كل الدلالات والمعطيـات الأوليــــــــــة، أن إريتــــــــــريا هي الرابــح الأكبر من التحـــولات الجاريـة قي المنطقــــة، سـواء على المستوى السـياسي أو الدبلوماسي أو الاقتصـادي، وأن الأمر يتيـح لها فرص كبيــــــــرة للخروج من العــــــــزلة الدوليـــة والإقليميـــة التي تعاني منها الحكـومة الإريتـرية منـــذ عقــــــدين ونيـف، ولهذا يعتبر الرئيس الإريتـري أفورقي، الكاسـب الأول لكـل ما جــــرى حتى اللحظـــــــــــة، فقد أصبح مثـــــل الزعيـم الأقـــوى في القــــــــــــرن الإفريــــــــــــقي.
ثانيـاً: إثيـوبيا:
بخصــــــــوص إثيـوبيا التي تقـــــود الحراك السياسي والدبلوماسي الجاري في المنطقــــــــــة، فإنهاتستفيد – بشكل مماثل – من هذه المســــــــــألة، سيـاسياً واقتصـادياً وأمنيـاً، فمن الناحيـة السياسية يسعى رئيس الوزراء الإثيـــــــــــــوبي أبي أحمـد منـذ توليه مقاليـــــــــــد الحكم، إلى تحقيـــــــــق إنجازات ملموســـــة على الصعيـــــد الخارجي، يمكن استثمـــــــــــــــــارها في معالجـــــــــــــة المشاكل السياسيـــــة والاقتصـــــــــادية والاجتماعيـــــــــــة التي تواجههــــــــــــــا على الصعيـــــــــــد الداخلــــــي.
كما أن المصالح مع إريتـــــــريا، تمثل أهميـة خاصة في الاستراتيجيـــة الاقتصـادية لإثيـــــــــــوبيا، نظـــــــــراً لما ستوفر لها من فرص وخيـــــــارات لتوسيــــع العلاقات الاقتصـــــــادية والتبــــــــادل التجاري والاستثمــــارات المشتركة مع دول الجــــــوار وعلى رأسهــــــــــا إريتـــــــــريا.
أما من الناحيـــــــــــة الأمنيــــــــــة، فإن رئيس الوزراء أبي أحمـــــــد، من خلال تصفيــــــر المشاكل مع دول الجـــــــــوار، قد نجـــــح فعـــــــــلاً في سحـب البساط أمام أي معارضـة مستقبليـة ترفع السـلاح على وجـه الحكـومة الإثيـوبية وتتخـذ في دول الجوار منطلقاً لعملياتهـا العسكريـة.
ثالثاً: الصـــــــــــومال:
يجمــــع الكثيــــــــر من المراقبيــــن على أن الصــــــــــومال يمكن لها أن تستفيـد من التفاهمات الجارية من الناحيـة الأمنيـة، لا سيما وأن التفاهمات الجديدة مع إريتــريا، من شأنها أن تضـــــع حداً لمشكلـة حركة الشباب، حيث من المتوقع أن تخسر الحركة جـــزءاً مهماً من الدعــــــم الخارجي، مما يشكل فرصـــة للحكــــــــومة الصومالية لبسـط سيطرتها على أجزاء واسعـة من البـــلاد.
أما المكاســــب التي يمكن للصومال أن تحققهـــــا على المستـوى الاقتصـادي والاستراتيجي، فإن ذلك يتوقف على رؤيـة القيـادة الصـومالية ومدى قدرتها للتعامل مع متطلبات المتغيرات الجيوبولتيكيـة الجارية في المنطقـة، وهذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة.
رابعـاً: جيبـوتي:
ينظـــــــر بعض المحللين، إلى أن التحولات الجيوسياسية الجارية في المنطقـة، ليست لصالح حكومة جيبوتي، وأن الوقت أصبح ينفــــــــــذ أمام القيادة الجيبـــــــــوتية للمواكبة مع التطورات السياسية المتسارعة، ما قد يجعلهـــــــــا الخاسر الأكبر، ويضعها في موقف سياسي حــــــرج يزيد عـزلة عن محيطها الإقليمي في هذه المرحلة التاريخيـة التي ستكـون لها تأثيـــــراتها وتداعياتها البالغة على مجمل الخارطة الجيوبولتيكيـة للمنطقـــــة.
رغـــــــم إجماع المراقبيــــن على أن حكومة جيبـــــــوتي ستخسر اقتصـادياً نتيجة للتقارب الإثيـوبي – الإريتـري، إلا أن ثمـة من يـــــــرى بأنه يمكن لها أن تكســب سياسـاً، لأن حسـابات الخسـارة في السياسـة ليست كا الخسارة في الاقتصـاد والتجـارة، التي يمكن معالجتها في المنظـــــور القريب والمتوســط، من خلال تعزيـــــز التعاون الاقتصـادي مع دول المنطقـة، وبناء شركـة حقيقيـة على المستوى الإقليمي والدولي.
ويعتقد بأن تحقيق جيبوتي مكسبا سياسيا في ظل التطورات المتسارعة يتوقف بشكــــــــــل أساسي على قدرة حكـومة جيبـوتي ومدى تفاعلهـا سياسيـاً ودبلوماسياً مع التحولات والمتغيـــــرات الراهنة، والمساهمـة بفعاليـة في صياغــة مستقبل المنطقـة.
ولهـذا فإنه يجب على القيادة الجيبــــــوتية، التحرك بسـرعة من أجل تصفيـــر المشاكل الحدوديـــــــــــة مع إريتــــريا، وذلك من خلال دعم الجهـود الدبلوماسية التي يبذلها الرئيس الصـومالي محمد عبد الله فرمـاجو، لإنهاء النزاع الحدودي بيـن جيبـوتي وإريتـريا.
أما على الصعيـد الدولي والإقليمي، فإن عليهـا إيجاد حلول جــذرية لمختلف مشاكلها مع القـوى الدوليـة والإقليميـة وفي مقدمتها الولايات المتحـدة الأمريكيـة والإمارات العربيـة المتحدة.