القرصنة خطر يهدد القرن الإفريقي ويستوجب مواجهة من العالم أجمع
صفاء عزب
آخر تحديث: 25/06/2019
القاهرة- أثار اختيار كينيا لرئاسة فريق الاتصال المعني بالقرصنة قبالة السواحل الصومالية لمدة عامين ابتداء من يناير 2020، آثار علامة استفهام كبيرة حول هذا الإختيار الذي يتواكب مع وجود نزاع على الحدود البحرية بين الجارتين كينيا والصومال حيث يتناقض ذلك مع اعتبارات العدالة والمساواة بين المتنازعين حتى تحسم القضية، خاصة وأن الصومال يعد الطرف الأكثر ارتباطا وتأثرا بمشكلة القرصنة.
تأتي هذه الخطوة في إطار الإجراءات التي يتخذها المجتمع الدولي لمواجهة ظاهرة باتت تهدد الأمن المائي في منطقة من أهم مناطق العالم الحيوية وهي ظاهرة القرصنة البحرية. لقد أصبحت القرصنة من الظواهر السلبية الخطيرة التي لا يقتصر تهديدها على أمن منطقة القرن الإفريقي بل يمتد التهديد للأمن البحري الدولي بسبب ما أحدثه من أضرار أصابت كثيرا من السفن المارة بالبحر الأحمر وخليج عدن تلك المنطقة الاستراتيجية والتي تستقطب نسبة كبيرة من حركة السفن والتجارة العالمية.
وقد رصدت تقارير لجهات معنية بمراقبة الظاهرة، أن عام 2017 شهد 45 حادث قرصنة في منطقة المحيط الهندي الغربي وهو ما يعادل ضعف عدد الحوادث في عام 2016. وفي نفس الوقت ارتفعت أعداد البحارة المتضررين من حوادث القرصنة من 545 شخصا عام 2016 إلى 1021 عام 2017. وتذكر مراكز البحوث المتخصصة أن الأرقام الحقيقية لأعمال القرصنة قد تكون أعلى بكثير من هذه الأرقام المعلنة، وهي مؤشرات تؤكد على خطورة استفحال الظاهرة خاصة وأن شركات الملاحة والشحن تخفي الكثير من الحوادث ، حفاظاً على سمعتها، وحتى لا تضطر إلى دفع مبالغ إضافية لشركات التأمين على سفنها التجارية. كما كشفت تقارير دولية أن تكلفة القرصنة في منطقة شرق إفريقيا بلغت 1.4 مليار دولار في عام 2017 شاملة 292 مليون دولار تم إنفاقها على الأمن و199 مليون دولار على الأنشطة البحرية.
المثير في الأمر أن ظاهرة القرصنة تعد من الظواهر الدخيلة على منطقة القرن الإفريقي حيث كانت في الماضي محصورة في منطقتي شمال البحر المتوسط والبحر الكاريبي، إلا أن الظروف السياسية والأمنية التي شهدتها دول المنطقة وبخاصة الصومال منذ عقد التسعينات في القرن الماضي، ساهمت في خلق بيئة خصبة لتنشيط الجرائم وشجعت على زحف القراصنة إلى منطقة البحر الأحمر حتى استشرى خطرهم في الوقت الحالي. والغريب أن عمليات القرصنة بدأت في صورة مراكب صغيرة تتبع الميليشيات ومعها مراكب تقوم بعمليات صيد غير شرعي وبدأت عمليات المطاردات مقابل أموال حتى تطورت إلى عمليات قرصنة. وهناك روايات تقول بأن الممارسات غير الشرعية لبعض شركات الصيد الأجنبية وقيامها بأعمال الصيد الجائر قد استفز الصوماليين مما دفعهم للتحرك ضد السفن الأجنبية لمواجهة هذه الظاهرة ولكن هذا التحرك قد انحرف عن مساره بعد ذلك واتخذ صورة قرصنة.
وشهدت نهايات القرن العشرين تزايدا كبيرا في عمليات القرصنة في المنطقة في ظل حالة عدم الإستقرار الأمني وغياب الرقابة. لذلك اشتدت القرصنة في منطقة القرن الإفريقي عام 2008 مما دفع المجتمع الدولي لوضع رقابة على ممرات آمنة لعبور السفن تحرسها أساطيل عسكرية من مختلف دول العالم ، مدعومة بقرارات دولي، وقام جميع الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية ، بنشر قوات معًا ، بهدف مواجهة التهديد والقيام بدوريات على الساحل الصومالي. وعلى الرغم من ذلك لم تهدأ الظاهرة وشهدت الفترة التالية وصولا لعام 2012 موجات عنيفة من أعمال القرصنة التي قامت بهجمات على السفن العابرة بخليج عدن والبحر الأحمر بمعدل يومي تقريبا ما نجم عنه خسائر كبيرة تكبدتها شركات التأمين بلغت 8.3 مليار دولار. كما كبدت القرصنة العاملين في صناعة الشحن خسائر سنوية بلغت 7 مليار دولار خاصة خلال عامي 2010 و 2012 . وبحسب شهود العيان فإن القراصنة يحصلون على أموال كثيرة من ضحاياهم تتراوح قيمتها ما بين 100 ألف دولار وحتى 30 مليون دولار. ولا تقتصر مخاطر القرصنة على دفع المال وإنما قد يتجاوز الأمر إلى تعريض حياة الأشخاص للخطر، سيما في ظل التطور الكبير الذي حدث في الأسلحة التي يستخدمها القراصنة. ففي الماضي كان القراصنة يعتمدون أساساعلى السلاح الأبيض أما في الوقت الحالي أصبح القراصنة يستخدمون أحدث الأسلحة التي تمكنهم من السيطرة على السفن الكبيرة فهم مزودون برشاشات وقاذفات قنابل يدوية ومدافع مضادة للدروع وقواذف صاروخية وأنظمة دفاع جوي محمولة على الأكتاف – بحسب بعض الشهادات- إلى جانب أحدث وسائل الإتصالات. وما كان للقراصنة الصغار أن يتطوروا ويستتحوذوا على هذه الأسلحة المتقدمة بدون مساعدات من جهات دولية وهو ما يشي بوجود أطراف خفية تدعم مثل هذه الأنشطة لها أطماع معينة وتحقق استفادة ما من جراء استمرار خطر القراصنة بما يخلق لها بيئة تبرر تواجدها العسكري أو تدخلها في شؤون دول المنطقة. كما شهدت جريمة القراصنة نفسها تطورا خطيرا فبعد أن كانت تقتصر على مهاجمة أهداف صغيرة ونهب خزائن السفن وترك ركابها يواصلون السير، تحولت الجريمة وصارت أكثر تعقيدا ما يستلزم ضرورة وضع قوانين صارمة مستحدثة لمواجهة هذا الأمر وبشكل شديد الصرامة.
علامة استفهام أخرى تثيرها ظاهرة القرصنة في منطقة القرن الإفريقي وهي تتعلق بانتشارها بشكل خطير على الرغم من التكدس والإزدحام العسكري الذي تشهده تلك المنطقة والذي لم يمنع من أن تكون منطقة القرن الإفريقي إحدى أخطر بؤر أنشطة القرصنة في العالم. فبالنظر إلى قبالة سواحل جيبوتي نجد هناك قواعد عسكرية أميركية وفرنسية وصينية وإيطالية وبعثة أوروبية لمكافحة القرصنة، تشارك فيها قوات من ألمانيا وبلجيكا وإسبانيا وفرنسا واليونان وهولندا وبريطانيا والسويد. كما أن اليابان دشنت في 2010 في جيبوتي أول قاعدة عسكرية لها في الخارج منذ عام 1945 في إطار مكافحة القرصنة. يضاف إلى ذلك الحضور العسكري التركي في الصومال وميناء سواكن السوداني والروسي في إريتريا والتواجد العسكري العربي في المنطقة في إطار عمليات التحالف العربي، ومع ذلك تتعرض المنطقة لأخطر هجمات القرصنة.
ويرجع المراقبون هذا الأمر إلى عدم الإستقرار الأمني والسياسي الذي تشهده المنطقة منذ اشتعال الحرب الأهلية في الصومال ثم اشتعال الأزمة اليمنية وما أعقبها من عمليات للتحالف العربي ضد الحوثيين . كما يؤكد البعض أن هناك دوافع اقتصادية وراء دعم بعض الأطراف للقراصنة وظهور ما يسمى ببزنس القرصنة. لذلك فإن مواجهة الظاهرة تتطلب تعاونا دوليا من جميع الأطراف وعدم ترك الصومال أو دول منطقة القرن الإفريقي فريسة لمواجهة القراصنة بجهودهم المتواضعة ولابد من وضع قواعد وتفعيل خطط لوقف هذه الظاهرة وهو يستلزم أيضا ضرورة العمل على إعادة الإستقرار والهدوء للمنطقة لأن مناخ الحرب وأجواء المعارك تعد بيئة خصبة لتغذية القرصنة وإنعاشها.
كما أن التداخل الإستراتيجي بين حوض نهر النيل ومنطقة القرن الإفريقي والخليج العربي والبحر الأحمر يفرض على المنطقة العربية المضي قدما في توحيد الصفوف لمواجهة العدو المشترك ونبذ الخلافات الجانبية لأن خطر القرصنة الذي يحدق بمنطقة القرن الإفريقي يتجاوز تأثيره إلى منطقة الخليج والعالم العربي القريب بجانب دول العالم التي تعتمد في تمرير تجارتها عبر هذه المنطقة الحيوية.