القاعدة التركية في الصومال: الأهمية الاستراتيجية وردود الأفعال
الصومال الجديد
آخر تحديث: 6/10/2017
مقديشو – افتتحت يوم السبت الماضي 30 سبتمبر أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج حدودها في العاصمة الصومالية مقديشو، وهي ثاني قاعدة عسكرية لها في الخارج بعد قاعدتها في قطر التي افتتحت عام 2015.
وتثير القاعدة العسكرية التركية الجديدة تساؤلات كثيرة لدى المراقبين حول الأهداف الخفية وراء إنشائها، في ظل التنافس الدولي على منطقة القرن الأفريقي.
حضر مراسم افتتاح القاعدة التركية الجديدة رئيس الوزراء الصومالي حسن علي خيري ورئيس هيئة الأركان العامة التركي خلوصي أكار، ومن أبرز الملاحظات أن مناسبة الافتتاح لم ترق إلى المستوى المتوقع، بحيث لم يحضر كل من الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو والرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ الذي أشارت تقارير واردة سابقا إلى زيارته مقديشو مرة رابعة لحضور مراسم افتتاح القاعدة العسكرية، ولم تتضح بعد الأسباب غياب الرئيسين عن مناسبة الافتتاح.
القاعدة وأهميتها الاستراتيجية
بدأت أعمال إنشاء القاعدة العسكرية التركية في شهر مارس من عام 2015، وهي تقع على بعد حوالي كيلومتر واحد من مطار آدم عدي الدولي في مقديشو، وتقدر تكلفة إنشائها بخمسين مليون دولار أمريكي، وتصل مساحتها 400 هكتار، وتحتوي معسكرا للتدريب، ومهجعا خُصص للمتدربين، ومستودعات لتخزين الأسلحة والذخائر. وتستقبل القاعدة 1500 جندي صومالي يتلقون فيها التدريبات كدفعة أولى من قوات صومالية تزيد على 10 آلاف جندي صومالي تم ترشيحهم من قبل الأمم المتحدة. وأرسلت تركيا إلى الصومال شهر أغسطس الماضي نحو 200 جندي ومدرب تركي وأليات عسكرية تمهيدا لافتتاح القاعدة.
يأتي افتتاح القاعدة العسكرية في وقت تشهد فيه منطقة القرن الأفريقي حراكا دوليا غير مسبوق، إذ إن جيبوتي كانت وما زالت تمثل بقعة مكتظة لقواعد عسكرية تابعة للقوى العظمي في العالم. وليس من المستبعد أن يحذو الصومال حذو جيبوتي في استقبال القواعد العسكرية الأجنبية في المستقبل، بسبب موقعه الإستراتيجي لقربه من مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات المائية في العالم؛ والذي كما يبدو يشهد صراعا دوليا للسيطرة عليه والتحكم به، بالإضافة إلى حاجة الصومال -الذي عانى من ويلات الحرب الأهلية اكثر من عقدين وانهارت مؤسساته- لمساعدات الدول الراغبة في بناء علاقات استراتيجية معه، وهو ما تقتضيه المصالح الاستراتيجية التي تتأثر بالتحالفات الإقليمية والدولية المتغيرة والتي تتكون من حين لآخر.
تبنت تركيا فيما بعد عام 2003 سياسة خاصة للانفتاح على أفريقيا، بهدف فتح قنوات استثمارية جديدة في القارة البكر التي لم تستفد بعد من ثروتها الاقتصادية، ويعتقد المراقبون أن الصومال يمثل بالنسبة لتركيا بوابة للدخول إلى أفريقيا في إطار سياستها الخارجية الموجهة إلى زيادة مشاريعها الاستثمارية في القارة.
وتتسم القاعدة العسكرية الجديدة أهمية جيواستراتيجية، بحيث تقع في منطقة تمثل ممرا لتجارة العالم من جهة ومتاخمة للقواعد العسكرية الدولية في جيبوتي من جهة أخرى، وستكون الصومال بوابة لغزو الصناعة العسكرية التركية على القارة السمراء.
ردود الأفعال لافتتاح القاعدة
تثير القاعدة العسكرية التركية جدلا كبيرا في أوساط المحللين والدبلوماسيين في القرن الأفريقي والخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط، باعتبارها تشكل تهديدا على بعض الدول الشقيقة والصديقة والتي تربطها علاقات استراتيجية بالصومال. وغرّد إبراهيم آل مرعي، الكاتب والمحلل السياسي السعودي، “إن افتتاح تركيا لمركز عسكري في الصومال يمثل تهديدا صريحا للأمن الوطني السعودي والمصري، وكذلك للسودان واليمن”.
ومن جانبها أعربت إدارة أرض الصومال الانفصالية عن قلقها حيال القاعدة التركية في مقديشو، وأكد وزير دفاع الإدارة أحمد حاجي عدمي في تصريح صحفي مخاوف إدارته عن الدور التركي المتصاعد والقاعدة الجديدة في مقديشو، مشيرا إلى أنهم يتابعون أنشطة هذه القاعدة عن كثب.
وفي وقت سابق من العام الجاري أعرب سفراء ودبلوماسيون مصريون عن قلقهم الشديد حيال مخططات أنقرة لإقامة قاعدة عسكرية في الصومال، باعتبارها تمثل تهديدا للأمن القومي المصري والعربي. وقالت السفيرة منى عمر مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية سابقا: إن الوجود التركي في مثل هذا الموقع يمثل خطرا وتهديدا كبيرا للأمن القومي المصري والعربي، مشيرة إلى “أن تركيا ليست دولة صديقة وتساند المنظمات الإرهابية، وبالتالي فإن تواجدها على سواحل البحر الأحمر يمثل خطا أحمر بالنسبة لمصر” على حد تعبيرها.
ويبدي محللون صوماليون قلقهم الشديد حيال القاعدة التركية؛ التي يعتقد أنها قد تؤثر بشكل أو بآخر على الأمن القومي، نظرا إلى الصراعات بين أنقرة وبين بعض الدول الشقيقة والصديقة، نتيجة التغيرات المتسارعة التي تشهدها مواقف تركيا في ظل رئيسها الحالي رجب طب أرودغان. ويذهب المحللون إلى احتمال أبعد من ذلك وهو أن القاعدة التركية يمكن أن تمهد الطريق لاستضافة الصومال في المستقبل عددا من القواعد الأجنبية لدول متصارعة، كما هو الحال في جيبوتي، مما يمكن أن يضع البلاد في موقف محرج.
والجدير بالذكر أن الصومال لم يستطع بعد ترتيب بيته الداخلي بعد أكثر من عقدين من الزمن شهدتها البلاد حالة من المشاكل والفوضى، وهو ما يفرض واقعيا على الحكومة الصومالية التنجب من استقبال قواعد أجنبية لدول عظمى تتورط في صراعات دولية، لتفادي تأثير الخطوة سلبا على الأمن القومي، ولا سيما في ظل ضعف وهشاشة المؤسسات الحكومية الصومالية وغياب قوات وطنية جاهزة قادرة على تولي أمن البلاد.