العلاقة بين الصومال وإريتريا وفرص استغلال المناخ الإيجابي في منطقة القرن الإفريقي
صفاء عزب
آخر تحديث: 1/01/2019
على الرغم مما يمر به الصومال من محن سياسية واضطرابات أمنية، تنكشف محاولات تلاعب بعض الأيادي الخفية ممن يزعجهم استقرار الصومال، خوفا على مصالحهم، إلا أن هذا البلد العريق لازال يمتلك الكثير من القدرات والمقدرات التي تمكنه من تجاوز الأزمات والتفرغ لعمليات البناء والتنمية وتوطيد العلاقات مع الجيران بما يحقق مصالح الشعب الصومالي الصابر والمثابر عبر سنوات طويلة من الكفاح وتحمل الشدائد.
مع انطلاق موجات المصالحة وامتدادها إلى مختلف بلدان القرن الإفريقي، فإن هناك فرصا ثمينة أمام الصومال لاستغلال هذا المناخ واللحاق بقطار التنمية والتطور الذي بدأ يلوح في الأفق وتهل بشائره لدى دول مجاورة مثل إثيوبيا على الرغم من معاناة أهلها مرارا وتكرارا من عدم الاستقرار بسبب الصراعات القبلية. لكن الإصرار على المضي قدما نحو تحقيق الهدف وتوحد أبناء البلاد للتعاون من أجل أهداف وطنية عليا يعد كلمة السر وراء التقدم. كما أن الدخول في علاقات التعاون الثنائية والجماعية مع الجيران ودول المنطقة يؤتي ثماره في مختلف المجالات بما فيها المجالات الأمنية التي يمكن من خلال هذا التعاون السيطرة على الصراعات الأمنية عندما تتضافر الجهود الدولية ويتم التنسيق للحيلولة دون السماح للمخربين من تحقيق أهدافهم.
ولقد جاءت زيارة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي التاريخية للصومال مؤخرا لأول مرة منذ سنوات طويلة تأكيدا على العلاقات القوية بين البلدين، وعلى إمكانية تحقيق الحلم الكبير المتمثل في تحقيق التكامل في منطقة القرن الإفريقي واستكمال دوائر المصالحة بين بلدان هذه المنطقة الحيوية من القارة الإفريقية، بل ومن العالم، ليتمكنوا من جني ثمار هذا التكامل المنشود.
وجاءت هذه الزيارة جزءً مكملا لسلسلة حلقات القمم الإفريقية بين زعماء بلدان القرن الإفريقي في الفترة الأخيرة، واستمرارا للمناخ الديبلوماسي الدافئ وكسر حالة الجمود السائدة في بعض علاقات الدول الإفريقية بعضها ببعض.
لقد حملت سنة 2018 الكثير من البشائر والإنجازات للدول الإفريقية، ومع قدوم آبي أحمد في اثيوبيا انفتحت الأبواب على آفاق تعاون أرحب وأكبر فيما بين دول القرن الإفريقي، سيما مع إبرام الاتفاق التاريخي لاستعادة السلام المفقود لسنوات طويلة بين إثيوبيا وإريتريا. وانضم الصومال إلى الصورة لترسيخ معاني السلام من خلال حضور رئيسه القمة الثلاثية التاريخية مع إريتريا وإثيوبيا في أسمرة. ولا شك أن كل هذه اللقاءات قد مهدت للخطوة المهمة المتعلقة بالزيارة التاريخية للرئيس أسياس أفورقي إلى الصومال، والتي تعكس تقاربا منشودا بين دولتين إفريقيتين يحتاج كل منهما للتعاون مع الآخر بحثا عن تكامل يصب في مصالح الشعوب، ويعوض نزيف سنوات الصراع.
منذ انفصلت إريتريا عن إثيوبيا وصارت دولة مستقلة عام 1993، مرت علاقتها مع الصومال بسنوات طويلة من التوتر وصلت إلى حد القطيعة لأكثر من عقد من الزمان.
يرجع سبب هذا التوتر إلى رفض أسمرة الاعتراف بالحكومات المتتالية في الصومال لأنها كانت تعتبرها تابعة لإثيوبيا -خصمها السياسي- لذلك انعكست عودة العلاقات بين إريتريا وإثيوبيا إيجابيا على العلاقة بين إريتريا والصومال.
وعلى مدار فترات التوتر تم تصعيد الخلافات خاصة بعد أن اتهمت الصومال إريتريا بدعمها لحركة الشباب ، ما تمخض عنه فرض الأمم المتحدة عقوبات على إريتريا منذ 2009 شملت حظرا على الأسلحة، وتجميد أصول ومنع مسؤولين سياسيين وعسكريين من السفر، وذلك على الرغم من نفي إريتريا لاتهامات الصومال لها.
وبعد اتفاق السلام الاثيوبي الإريتري وإسقاط العقوبات عن إريتريا، هدأت الأحوال في منطقة القرن الإفريقي نسبيا وتحركت رياح الوفاق والصلح تحلق فوق الصومال وإريتريا لطي صفحة الصراعات وفتح صفحة جديدة حافلة بروابط التعاون في المجالات المختلفة بما يخدم مصلحة الشعوب. وهو ما كان محور اللقاءات الثنائية التي جمعت بين رئيسي الصومال وإريتريا، حيث وقع كل من فرماجو وأفورقي اتفاقية مشتركة تتضمن إقامة تعاون وثيق في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالإضافة إلى التعاون في مجال الدفاع والأمن. كما تضمنت تعزيز التعاون في المجالات التجارية والاستثمارية والتعليمية، والعمل على تعزيز السلام والاستقرار والتكامل الاقتصادي بالمنطقة.
وبعد الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس أفورقي إلى الصومال تتجدد الجهود نحو تعزيزالخطة المشتركة للأمن والاقتصاد والاستثمار التي تستند إلى إنشاء إطار تعاوني ودبلوماسي بين البلدين، كجزء من عملية التكامل المنشود في منطقة القرن الإفريقي في مختلف المجالات.
ويمكن للدولتين الإفريقيتين أن تستثمرا هذا التعاون في تحقيق إنجازات كبيرة ومشروعات مشتركة تمتص البطالة وتخلق فرص عمل وتسهم في رفع مستوى معيشة الأفراد وترفع معدلات النمو الإقتصادي نحو مزيد من الإزدهار. إلا أن ذلك يرتبط بضرورة وجود بيئة سياسية مستقرة تتيح التفرغ للعمل والإنجازوالتركيز في عمليات البناء والتنمية، وهو أمر لا يمكن تحقيقه في ظل استمرار الصراعات القبلية والهجمات الإرهابية. لذلك لا بد على حكومتي البلدين من التعاون لتضافر الجهود الأمنية في التصدي للعنف السياسي، بالتزامن مع جهود الإصلاح ومحاربة الفساد والفقر بما يخلق جدارا من الثقة بين الشعوب والحكام، وقطع الطريق على الجماعات التي تستغل هذه الظروف لاستقطاب الشباب.
وتفرض معطيات الواقع ضرورة الاعتراف بالتأثير للقوى الإقليمية والدولية على مجريات الأحداث داخل الصومال وجيرانها. ومن ثم فإن تحقيق الاستفادة الحقيقية من أجواء المصالحة ونوايا اريتريا والصومال نحو التعاون وتحقيق التكامل لا يتأتى بجهود الدولتين فقط وإنما يستلزم الأمر دعما دوليا ومباركة أممية مع الاستمرار في تطويق تاريخ الاحتراب والصراعات الداخلية وضمان عدم تأجيجها بواسطة قوى خارجية ذات مصالح.
لقد شاء القدر أن تقع دول منطقة القرن الإفريقي في موقع حساس واستراتيجي بالنسبة للعالم، ناهيك عن الثروات المدفونة في أراضيها والتي يسيل لها لعاب الدول الكبرى، ومن أجل مصالحها تحرك دفة الأحداث من خلال التلاعب بأمنها واستقرارها. لذلك فإن الحفاظ على علاقات طيبة مع الدول الكبرى والمؤسسات الداعمة للإقتصاد والتنمية يضمن للصومال وإريتريا فرصة ذهبية لتعظيم الاستفادة من تعاونهما وتحقيق نتائج إيجابية على المدى المتوسط والبعيد. وتبقى إرادة الشعوب وأداء الحكومات العادل هما المحرك والقوة الدافعة لتحقيق الأهداف المنشودة من عودة العلاقات بين الصومال وإريتريا.