العلاقات المصرية الإثيوبية تنتظر عبور “السد” لطي صفحة التوترات
صفاء عزب
آخر تحديث: 25/11/2018
صفاء عزب
تعود العلاقة بين مصر وإثيوبيا إلى عصور قديمة متجذرة في أعماق التاريخ، ترجع لعهد الحضارة الفرعونية بمصر والحضارة الحبشية في إثيوبيا.
كما كان الدين عنصرا أساسيا في التقريب بين شعبي البلدين، وذلك نظرا للعلاقة الوطيدة بين كنيسة الإسكندرية المصرية والكنيسة الإثيوبية والتي استمدت عقيدتها الإرثوذكسية وثقافتها الدينية من الكنيسة المصرية. وفي نفس الوقت لعب الأزهر في مصر دورا في تعميق وتوطيد العلاقات بين المسلمين في البلدين.
وبغض النظر عن قضية سد النهضة وتعكيرها لصفو العلاقات المصرية الإثيوبية في السنوات الأخيرة، إلا أن الديبلوماسية المائية لعبت دورها في تقارب وجهات النظر بين البلدين عبر سنوات طويلة ماضية.
وقد شهدت العلاقة بين البلدين تطورا كبيرا عبر الزمن، وبدأت العلاقة الديبلوماسية بينهما عام 1930. كما دعمت مصر موقف إثيوبيا في جهودها الرامية إلى حل النزاع الحدودي مع إريتريا عام 2004. وفي عام 2005 بدأت المباحثات بين البلدين لدعم العلاقات الإقتصادية الثنائية.
ويمكن القول بأن علاقة مصر بإثيوبيا لم تعرف أبدا التوتر إلا في فترات زمنية محدودة ارتبطت بالملف المائي، وهو ما بدا واضحا في عصر الرئيس المصري الراحل أنور السادات.
فبعد أن كانت العلاقات المصرية الإثيوبية في أوج قمتها في العهد الناصري حيث كان جمال عبد الناصر يركز اهتمامه على القارة الإفريقية ويقدر أهمية إثيوبيا كدولة منبع لنهر النيل، شهدت تلك العلاقات توترا ملحوظا في عصر السادات، بعد تأييده لموقف السودان الذي توترت علاقته بإثيوبيا بسبب دعم الخرطوم لحركة تحرير إريتريا آنذاك.
وكان موقف الرئيس المصري أنور السادات وقتها ردا على دعم إثيوبيا لحركة جنوب السودان، مما تسبب في إدخال ملف مياه النيل في الصراع، وارتفعت حرارة التوتر بين مصر وإثيوبيا خاصة بعد إعلان الرئيس السادات عام 1979 تحويل جزء من مياه النيل لري 35 ألف فدان في منطقة سيناء. وهو ما اعتبرته إثيوبيا أمرا ضارا بمصالحها، لدرجة تهديد الرئيس الإثيوبي أنذاك “مانجستو” بإمكان تحويل مجرى نهر النيل، فكان رد الرئيس السادات عليه قاطعا وحادا بتأكيده أن مياه النيل خط أحمر بالنسبة للأمن القومي المصري.
وفي عصر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك شهدت العلاقات المصرية الإثيوبية تحولين متناقضين، وابتدأت بتحول إيجابي بعد تخفيف حدة الخطاب السياسي بين البلدين، وحدوث انفراجة من خلال صيغة تعاون وتفاهمات مشتركة.
وفي قمة أديس أبابا الإفريقية أكدت مصر احترامها لاختيار إثيوبيا وعدم تدخلها في شؤونها، وبذلت الديبلوماسية المصرية جهودا مكثفة عام 1984 في الوساطة لإنهاء الخلافات بين إثيوبيا والسودان. واتخذت مصر طوال تلك الفترة سياسة الحياد حتى عام 1995، وهو العام الذي شهد محاولة اغتيال الرئيس المصري مبارك خلال القمة الإفريقية في العاصمة الإثيوبية، لتدخل العلاقة بين البلدلين إلى نفق مظلم وجمود تام لمدة 17 عاما.
عندما أسقط المصريون حكم مبارك في ثورة يناير 2011، أخذ الركود في العلاقات الإثيوبية المصرية يتراجع تدريجيا، بعد أن دبت الحياة فيها من جديد، أثناء الزيارات الديبلوماسية الشعبية المصرية لدول إفريقية ومنها إثيوبيا، بالإضافة إلى الزيارات الرسمية التي تمت خلال تلك الفترة، وساهمت في إحداث تقارب نسبي بين مصر وإثيوبيا.
وقد تم الإحتفال بمرور 100 عام على العلاقات المصرية الإثيوبية في عهد الرئيس المصري السابق محمد مرسي.
وعلى الرغم من ارتفاع وتيرة التوتر من جديد بين مصر وإثيوبيا بعد إعلان الأخيرة شروعها في بناء مجموعة سدود منها سد النهضة على نهر النيل، شريان الحياة في مصر، إلا أنه مع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي لسدة الحكم، حرصت مصر على اتباع سياسة هادئة بعيدة عن لغة التهديدات في اتجاه دعم علاقات التعاون وتعزيز المصالح المشتركة. وبينما ارتفعت الأصوات المصرية الداخلية، مطالبة بتصعيد الموقف المصري مع بدء عمليات بناء السد على أرض الواقع في إثيوبيا، تخوفا من تأثير ذلك على حصة مصر من مياه نهر النيل، إلا أن الديبلوماسية المصرية كانت أهدأ من صوت الشارع المصري، وذلك تنفيذا لتصريحات الرئيس السيسي بأن مصر لا تريد الدخول في حرب مع جيرانها. وهو ما أعده البعض بمثابة رسالة طمأنة للجانب الإثيوبي وتهدئة للموقف معه.
وقد حرص الجانب المصري على إبراز حسن النوايا عندما سارع الرئيس المصري إلى تقديم التهنئة لرئيس الوزراء الإثيوبي الدكتور آبي أحمد على توليه المنصب الجديد.
ويعد ظهور آبي أحمد على الساحة الإثيوبية وتصدره المشهد السياسي، بمثابة نقلة جديدة ونوعية في العلاقات المصرية الإثيوبية، وهو ما بدا واضحا في زيارته الأولى للقاهرة في يونيو من العام الجاري وأجواء الإحتفاء به.
لذلك لم يكن من فراغ أن يصرح أبوبكر حفني السفير المصري لدى إثيوبيا والمندوب الدائم لدى الاتحاد الأفريقي، مؤكدا على عمق العلاقات المصرية الإثيوبية ووصولها لمستوي غير مسبوق بفضل الفهم والود المُشترك بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والدكتور آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا. وهو نفس ما أكده السفير الإثيوبي لدى القاهرة سيند يسو أذانو، فيما يتعلق بأهمية العلاقة التي تجمع بين مصر وإثيوبيا، والتواصل المستمر بين البلدين.
ويعتبر ملف سد النهضة أهم الملفات العالقة والمؤثرة بشكل كبير على مجريات العلاقة بين مصر وإثيوبيا، وذلك لارتباطه بموضوع حياة أو موت بالنسبة للمصريين، وفي نفس الوقت يرتبط برغبة الإثيوبين في تحقيق طموحهم نحو حياة أفضل.
إن القلق يسيطر على المصريين خوفا من تأثر حصتهم من نهر النيل والبالغة (55 مليار متر مكعب)، مصدر المياه الرئيسي لهم، بسبب حجز كميات من المياه ضمن مشروع سد النهضة، ومن ثم فإن أي تصريح إثيوبي يتعلق بهذه المسألة الحساسة سوف يسهم بلا شك في تعكير صفو العلاقات بين الدولتين الإفريقيتين الكبيريتين، وتبدو النتائج أخطر في حالة تجاوز الأمر للتصريحات الكلامية وحدوث ما يخشى عقباه على أرض الواقع.
على الجانب الأخر ينظر الإثيوبيون لمشروع سد النهضة على أنه أحد المفاتيح السحرية للعبور إلى مستقبل أفضل حيث يهدف إلى توفير 6 آلاف ميغاواط من الطاقة الكهرومائية، أي ما يوازي 6 منشآت تعمل بالطاقة النووية. الأمر الذي يمثل قيمة اقتصادية وصناعية ونهضوية كبرى بالنسبة للشعب الإثيوبي.
وقد شهدت الفترة الماضية عقب زيارة أبي أحمد للقاهرة مفاوضات ومشاورات على مستوى الوزراء، وعقدت سلسلة من اللقاءات انتهت بتأكيدات مصرية وإثيوبية على استكمال المحادثات الخاصة بتسوية الخلافات المتبقية بشأن سد النهضة الإثيوبي في نهايات نوفمبر الجاري وأوائل ديسمبر المقبل.
وكانت القمة الإفريقية مجالا طيبا لإبراز روح التعاون بين الطرفين والذي عكسه اللقاء الودي بين رئيسي وزراء مصر وإثيوبيا والمفاوضات التي عقداها على هامش قمة أديس أبابا، وذلك على الرغم من تعثر اجتماعات مصر والسودان وإثيوبيا بشأن الدراسات الفنية لبناء سد النهضة، منذ فترة في التوصل إلى حل يرضي الدول الثلاث.
ويعول المصريون كثيرا على المعوقات والعقبات التي ضربت مشروع سد النهضة الإثيوبي في مقتل، ودفعت رئيس الوزراء الإثيوبي لإعلان تأخر استكمال بناء السد عدة سنوات عن الموعد المحدد في عام 2020.
وكان النائب العام الإثيوبي بيرهانو تسيجاي قد أعلن عن اعتقال العديد من ضباط الجيش في قضايا فساد ارتبطت بمشروع السد الإثيوبي. وكشف النائب العام، أن السلطات اعتقلت سابقا 27 آخرين من موظفي المجموعة، وضباط الشرطة ليبلغ العدد الإجمالي للمعتقلين 63 شخصا.
وإذا ما تضافرت الجهود الديبلوماسية والمعوقات الحالية والموضوعية الخاصة بالسد الإثيوبي، ونجحت في عزل الخطر المائي عن المصريين، فسوف تشهد العلاقات المصرية الإثيوبية مزيدا من التحسن في إطار من الثقة المتبادلة، والمدعمة بمشروعات إقتصادية مهمة تمت مناقشتها خلال اللقاءات الرئاسية والوزارية بين الطرفين سواء في القاهرة أو أديس أبابا. ومن هذه المشروعات المرشحة بقوة لتقود التعاون بين مصر وإثيوبيا، إقامة منطقة صناعية مصرية في إثيوبيا، وإنشاء صندوق ثلاثي لتمويل مشروعات البنية التحتية.
وتنتظر الفترة المقبلة لقاءات واجتماعات حاسمة في مسألة الموقف النهائي من قضية السد الإثيوبي، وبناء عليها ستتحرك دفة التعاون إما بشكل متسارع في اتجاه إيجابي، وإما بتجمد الأمور وقد تتراجع للخلف بشكل سلبي. إلا أن معطيات الواقع وظهور شخصيات براجماتية في إثيوبيا مثل الدكتور آبي أحمد سيكون له الأثر الإيجابي في بث الطمأنة للمصريين ونزع عوامل القلق على مستقبلهم المائي، وبالتالي تشجيعهم على مد أواصر التعاون واستئناف ما كان بين البلدين من علاقات قوية متشعبة وخالدة عبر التاريخ.